لما جاء دور الحسين (ع) في التحمل القيادي لأوضاع الأُمّة، رأى أنّ حقوق الشعب مساوية، والطبقات العاملة تزرح تحت نير ظلم لا يرحم، وأصلاب الحرية ترفع على قرابين بشرية بريئة. فوقف الحسين ضد هذه الأوضاع رافضاً التسليم للواقع. وهكذا يجب أن يكون كلّ مؤمن رسالي يحمل رسالة الحسين وهو دورنا نحن في تحمل الدور القيادي. فلنسأل الحسين (ع) عن دورنا في مثل هذه الأوضاع؟ بالطبع ستكون إجابته بوضع علامة الثورة على هذه الأوضاع، بالطبع سيكون حديثه مغناً: "ألا ترون إلى الحقّ لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربّه محقاً".
بالطبع سيلقى بيان الثورة إيذاناً بالبدء في التحرك، انطلاقاً من قول الرسول الكريم (ص): "مَن رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل أو قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله".
فإذا لم تتحرك الأُمّة نحو تغيير أوضاع فاسدة ناشرة كهذه، ووضعت التبريرات الخائنة أمامها وسكنت وهادنت واستسلمت للواقع، فلا تنتظر من ثائر كالإمام الحسين إن سكت على ذلك، انّه سيخاطبها وبلغه الأحرار الثائرين: "تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً حين استصرختمونا والهين، فاصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في إيمانكم، وحششتم عليناً ناراً أوقدناها على عدونا وعدوكم، فأصبحتم الباً على أوليائكم ويداً عليهم لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيه إلّا الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه".
فإن من لم يكن في جبهة الحسين (ع) يناضل في سبيل المبدأ، فإنّه وبلا أدنى تردد سيكون في جبهة يزيد، ذلك لأنّه يهادن أوضاعاً مميتة وحكاماً طغاة من غير عدل أفشوه في الأُمّة، ولا أمل فيهم لإصلاح أوضاع الأُمّة بهم.
وفي وضع وظروف كهذه ثار الإمام الحسين (ع) وأعلن أمام الجماهير المحتشدة في صحراء القادسيات عن منطلق ثورته، فأومىء بالإشارة في خطابه الجماهيري إلى حكومة الأمويين قائلاً: ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء واحلوا حرام الله وحرموا حلاله".
ها هي تنطلق الثورة من حنجرة الإمام الحسين (ع) فيسقط على صحراء كربلاء لتنبت من دمائه الثائرة أغصان جديدة، هم اليوم طلائع الأُمّة التي تغير الفساد، ويحتل الإنسان إلى واقع العدل والحرّية والتفاني المخلص في إصلاح المجتمع وحل مشاكل الأُمّة، ومن ذلك المنطلق تثور، وتثور لتحطيم قلاع الظلم أينما تواجد ومتى وجد.
وفي حالة السكوت والتخلف والقبول بالأمر الواقع، ترتطم القوى المسؤولة عن التغيير بمواقف شتى من قِبَل الناس، حينما تريد تلك القوى تفجير موقف ما أو إعلان ثورة أو تصحيح مسار أو المطالبة بحقّ.
والذين يقفون ضد التغيير والتصحيح، تتمثل مواقفهم كالتالي:
- الموقف المصلحي:
وهؤلاء الذين يربطون الأحداث بالنظرة المصلحية الذاتية، فيتقبلون في مواقفهم ويلبسون ألواناً مختلفة حسب ما تقتضيه المصلحة، وهم مع الحكام حتى ولو كانوا ظلمة يظهرون الفساد، وهم معهم وعلى تأييد مطلق اسم، يسدلون الستار عليهم فيعبثون في الأرض فساداً واستهتاراً، لا يهمهم أن حبست الكلمة من أن تنطلق من أفواه المحرومين، أو أن يرموا الجائعين بحجر، وهم الذين يدورون في محيط "الأنا". ويعتقلون أنفسهم إلى سجن الذات فيكونون عن الشعب ومطالبة أبعد.
ولأنّ هذه الطبقة تبيع ضميرها للباطل، فلا يهمها مطلقاً أن تدوس على القيم والمبادئ أو تتآمر على الأبرياء فهي قد فقدت إنسانيتها وباعت ضميرها، فما الذي يردعها عن ارتكاب الجريمة؟
هكذا كانت الطبقة المصلحية متمثلة في يزيد وأذنابه الساقطين وراء بريق الدنانير متمثلة في سمرة بن جندب الذي يفك دماء ثمانية آلاف بريئاً من أهل البصرة، وحينما يسأله زياد: هل تخاف أن تكون قد قتلت بريئاً؟ فكان جوابه وبكلّ وقاحة لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت؟
فعلى أكتاف هؤلاء المارقين ترتفع قواعد الظلم وتعلوا رايات الإلحاد، هؤلاء الذين ينتشرون في كلّ زمان ومكان ليكونوا الصخرة التي لابدّ أن تتحطم بفأس الثورة.
- موقف الخنوع والقبول بالواقع:
وهؤلاء هم الذين ارتضوا لأنفسهم موقف المتفرج وترديد عبارة: "مالنا والدخول بين السلاطين". ارتضوا لأنفسهم موقف الخنوع والخضوع للواقع، وبذلك فهم يشكلون عبئاً ثقيلاً على الثورة أن تتجاوزه، وليس غريباً أن يقول الرسول (ص): "الساكت عن الحقّ شيطان أخرس". وهم يدرؤون مواقفهم هذه بأسباب عجيبة تبين عدم إدراكهم لواقعهم وحياتهم بل ومبادئهم، أنّهم يخطأون الدين حين يحصرونه في بوتقة العبادات فقط، وينظرون إلى الإسلام على أنّه دين آخرة، وليس دين حياة، جاء ليسعد البشرية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق