◄عليكم أن تدعو الناس إلى الله وإلى الذكر، ولا يلزم أن يكون الذكر باللّسان على وجه التحديد، ادعوا الناس إلى الذكر القلبيّ، أي: إلى التعلّق بالله والتوجّه إليه، وحثّوهم على الدعاء والتضرّع والمناجاة.
إنّ التضرّع والدعاء والمناجاة والرجاء هي من خصائص أشجع الناس وأعلمهم بالسياسة، وأفضلهم ثقافةً وعقلاً وعلماً على مرّ التاريخ، وهم النبيّ الأعظم (ص) وأمير المؤمنين والحسين بن عليّ وعليّ بن الحسين صلوات الله عليهم أجمعين..
وعليكم أيضاً أن تدعو الناس إلى القيم والأخلاق الفاضلة، كالإيثار والرحمة والمحبّة والصبر والاستقامة في المهمّات والحلم وكظم الغيظ والأمانة وترك الخيانة والكيد بالآخرين، فالناس دائماً بحاجة إلى هذه القيم، لا يستغنون عنها في وقتٍ من الأوقات، وإذا افتقد المجتمع القيم الأخلاقية فسيتحول إلى مجتمع غير صالح، ومثل هذا المجتمع لا يُطاق أبداً، وإن استطاع أن يصل إلى أعلى مدارج الرقيّ والتمدّن، وهذا ما نراه اليوم في بعض المجتمعات الغربيّة، فهي وصلت إلى مستوىً عالٍ من حيث العلم والثروة المدنيّة، إلّا أنّ الحياة فيها جحيم لا يُطاق.
في أمريكا – مثلاً – هناك بعض المناطق التي يتعسّر العيش فيها، الإنسان في تلك المناطق لا أمان له مطلقاً، لا يأمن على مالٍ، ولا على عرضٍ، ولا على نفسٍ.. الشباب هناك لا يأمنون على حياتهم، فهم دائماً عرضة لمختلف أنواع الضغوطات النفسية والعصبيّة التي تؤثّر، وبشدّة، على أرواحهم ونفسيّاتهم.. هذا ما هو موجود بالفعل في بريطانيا وأمريكا وغيرها من الدول.. هم يمتلكون كلّ شيء، لكنّهم يفتقدون إلى الحياة، وإلى السعادة.
يعود السبب في ذلك إلى أنّ الأخلاق في تلك المجتمعات لم تواكب المدنيّة في حركتها التطوّريّة المطّردة. ففي المجتمعات الغربيّة، المعيار للتفاخر والتباهي هو السعي للحصول على المال وتكديس الثروات، أمّا في المجتمعات التي تحكمها المعنويّات، فلا يوجد مجال للتفاخر على هذا الصعيد؛ لأنّ الوحوش والحيوانات هي الأخرى يفترس أحدها الآخر، من أجل أن تشبع بطنها وتضمن بقاءها على قيد الحياة..
وإنّما يحقّ للإنسان أن يفتخر بالسعي للحصول على فضائل الأخلاق، بتقديمه يد العون والمساعدة للآخرين، بأن يفدي الآخرين بنفسه، ويضحّي بنفسه من أجلهم، وإنّ كثيراً من هؤلاء الغربيّين لا يرون في كلّ هذه القيم ما يدعو إلى الفخر والاعتزاز، بل إذا رأوا من يفخر بهذه الأمور سخروا منه واعتبروه إنساناً ساذجاً!!
ومن أجل ذلك، نؤكّد بإلحاح على الجوانب المعنويّة، على الدعاء والتضرّع، وبخاصّة في شهر رمضان، شهر الدعاء، وشهر القرآن، وشهر الارتباط بالله، كما ينبغي التأكيد أيضاً على الجوانب الأخلاقية والتزكية والتهذيب، وغير ذلك من الجهات والجوانب التي لا يمكن تحديدها بزمانٍ أو مكان.
الابتعاد عن الدعاء من عوامل الضلالة:
هناك عاملان هما الأساس للضلالة والانحراف العام، أحدهما: الابتعاد عن ذكر لله، والذي يتجلّى في الصلاة والعبادة، والذي يعني الغفلة عن الله والمعنويّات وفصل الحياة عن المعايير المعنويّة، وإهمال التوجّه إلى الله تعالى والذكر والدعاء والتوسّل وطلب التوفيق منه والتوكّل عليه وفصل الحسابات الإلهية عن مسارات الحياة.
والعامل الآخر: هو اتّباع الشهوات والملذّات، وبكلمة: هو السعي وراء الدنيا والاشتغال بجمع الثروة والمال والوقوع فريسةً للشهوات الدنيوية، واعتبارها أساساً ومبدأً ونسيان الأهداف الحقيقيّة.
وهنا أتوجّه بالتوصية إلى الشباب وطلّاب الجامعات، بضرورة إجادة التفكير والاهتمام برقيّ معارفهم، والسعي للتأثير روحيّاً وفكريّاً في الوسط الذي يعيشون فيه، والاتّصاف بالفاعلية، لا الانفعالية، فبإمكان الشابّ من خلال ما يتحلّى به من شخصية معنوية أن يكون له تأثير على محيطه، كالصفّ الدراسي والأستاذ والبيئة الجامعية و... ومن الطبيعي أنّ عملاً كهذا لا ينسجم وصيغ الألاعيب السياسية، وإنما يتسنّى نيله فقط عبر الصفاء والنقاء المعنويّين، ولا يُكتسب إلّا بتوثيق العلاقة مع الله تعالى.
أدعوكم يا أعزّائي إلى أن تأخذوا علاقتكم مع الله مأخذ الجدّ، فأنتم في عمر الشباب، ربيع العمر، أدعوكم للاهتمام بهذا الجانب والتوجّه إلى الله تعالى بالطلب والدعاء والمناجاة، والصلاة بخشوع وحضور قلب، وهذه الأمور في غاية الأهميّة بالنسبة لكم، فإيّاكم أن تعطوها دوراً هامشيّاً.
شبهة وجوابها:
وهنا تواجهنا أسئلة عديدة، منها: أنّه إذا كان للدعاء مثل هذا الدور الكبير والإعجازيّ، فما الذي يعنيه وجود هذه الأسباب المادية والوسائل والأدوات والعلم والصناعة؟
والجواب: أنّ الدعاء ليس من قبيل الأدوات والأسباب المادية، ولا من جنسها، ولا يعني أنّ الإنسان إذا رغب في السفر – مثلاً – فعليه أن يذهب إمّا بالقطار أو بالطائرة أو بالدعاء! ولا يعني: أنّه إذا أراد أن يحصل على شيء، فإمّا أن يحصل عليه إزاء مبلغ من المال أو بالدعاء! لا هذا ولا ذاك..
الدعاء معناه أن يطلب الإنسان من ربّه أن يوفّر له هذه الأسباب المادية، وتحقّق هذه الأسباب مرهون بالدعاء، فالمقصود من الدعاء هو طلب تحقيق هذه الأسباب، بالإضافة إلى الارتباط الروحي والانشداد القلبيّ الذي يحصل للعبد حال الدعاء.
فمثلاً: قد يكون هناك شخص مدين لك بمبلغٍ من المال، لكنّه يأبى أن يسدّد لك هذا الدَين، وبين ليلةٍ وضحاها، يُلقى في روع هذا الشخص أن يأتيك ويعيد لك أموالك، إذاً، هناك سبب أدّى بهذا الإنسان إلى أن يغيّر موقفه، وما المانع من أن يكون السبب في ذلك هو الدعاء، أي: أنّ الدعاء هو الذي دفعه إلى أن يعيد لك أموالك، وكلّ الأسباب والعلل الموجودة في هذا العالم هي من هذا النوع.
وعلى هذا الأساس، ينبغي أن لا يكون الدعاء ذريعةً ومدعاةً للكسل والفشل، أو أن يُهمل الإنسان العلم والأسباب المادية وقانون العلّيّة، فالدعاء ليس إلى جانب هذه الأمور وفي عرضها، بل هو متقدّم عليها وفي طولها، وفي الغالب: تكون مهمّة الدعاء هي توفير هذه الأمور وتأمينها، وتهيئة الأسباب والمستلزمات التي لابدّ من وجودها في الحالات العادية، فعندما يطلب أحدكم من الله تعالى أن يُحقّق له الأمر الفلانيّ والذي هو بحاجة إليه – مثلاً –، فلابدّ وأن يكون قد استنفد كلّ قواه لتحقيق هذا الأمر، إلى جانب الدعاء، وإذا أحسّ بالكسل، فعليه أن يدعو الله تعالى أن يطرد عنه هذا الكسل، ولكي يطرد عنه الكسل لابدّ له من إرادة وعزم وإصرار على تركه.
ولا يتصوّر أحدكم أنّ الله تبارك وتعالى سوف يقضي حاجاتنا بمجرّد أن نجلس في بيوتنا، وندعوه من دون أن نحرّك ساكناً، أو نقوم بشيء، أو نصمّم على القيام بشيء، فهذا لا يمكن أن يكون أبداً، فالدعاء يجب أن يكون دائماً إلى جانب العمل ومع العمل.
وللمسؤولين أيضاً: عليكم بالدعاء:
لا تعتبروا أنفسكم في غنىً عن الدعاء والنافلة والذكر والتوجّه والتوسّل والبكاء والإنابة إلى الله تعالى. ولا تقولوا: إنّنا ما دمنا مشغولين بخدمة الناس فلا حاجة لنا بالدعاء، وإنّما يحتاج إلى الدعاء الذين لا عمل لهم. كلّا يا سادة!
هذا هو أصل القضيّة، فالدعاء هو الذي يربّي الإنسان ويصنعه، ومن دونه نبقى ضعاف النفوس، فعندما تصطفّ الوساوس أمامنا، ونحن على هذه الحالة، فإنّنا سننقاد إليها حتماً، قال تعالى: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ) (الفرقان/ 77).. فادعوا وتوجّهوا إلى الله واجعلوا لكم في اليوم ساعةً بينكم وبين الله، ذروا فيها الأعمال المختلفة، وكونوا في أنسٍ مع الله وأوليائه، وآنسوا أنفسكم بالقرآن وتدبّروه. وبهذا فقط نستطيع أن نتحمّل المسؤوليّة الثقيلة والأمانة الإلهيّة التي لم يُعطها الله لأحدٍ خلال القرون الطويلة منذ صدر الإسلام وإلى وقتنا الحاضر، وقد وضعها الله في أعناقنا، وهكذا نتمكّن من حمل هذه المسؤولية إلى هدفها، وإلّا، أصابنا خزي الدنيا والآخرة.. إنني أحوج منكم إلى هذه النصائح، فكلّنا محتاجون، ويجب علينا أن يوصي بعضنا بعضاً.
أبعاد الدعاء:
للدعاء أبعاد ثلاثة، ولكلٍّ منها أهميّته الخاصّة:
أوّلاً: الدعاء لعرض الطلب والرغبة على الله تعالى:
كأن يغفر الذنوب، ويمدّ في العمر، وطلب السلامة، وشفاء المريض، وسلامة المسافر، وحلّ المشاكل، وطلب المال، وقضاء حوائج الدنيا، وغير ذلك ممّا يُطلب في الدعاء عادةً.
والباري تعالى وعد بالإجابة إن كان الدعاء والطلب حقيقيّاً، لا مجرّد لقلقة لسان، ولا يتعارض مع مصلحة أُخرى، كأن يكون في طلب شيء فيه نفع لك، ولكنّه ذو ضرر على غيرك، فيدعو هو وتدعو أنت أيضاً، فيمكن أن يُستجاب دعاؤه دون دعائك، وهم يمثّلون لذلك بمثال معروف، مثال صانع الفخّار والفلّاح، فالأوّل منهما يدعو الله بأن لا تهطل الأمطار خوفاً على سلامة فخّاره الذي وضعه في الشمس، والثاني يدعو الله في الوقت نفسه بهطول الأمطار لإنقاذ زرعه من الجفاف، فالدعاءان هنا متناقضان، ولا يمكن أن يُستجابا معاً، وعدم الاستجابة هنا لأحد الدعاءين لا يعني أنّ الله تعالى اعتنى بدعاء أحدهما ولم يعتنِ بدعاء الآخر، كلّا، بل لكلّ دعاءٍ مقتضٍ للإجابة، كما ورد: "ودعوة من ناجاك مستجابة... وعداتك لعبادك منجزة".
والدعاء هو أحد أسباب الخلقة، وهو علّة في سلسلة العلل والعوامل، وليس – كما ربّما يُتوهّم – نقضاً لسلسلة العلّة والمعلول، ولا خرقاً لقانون العلّية في الخلق، بل الدعاء في نفسه علّة من العلل، فمن أوجد قانون جاذبيّة الأرض، وقانون الذرة، وسائر القوانين المرتبطة بسيرورة الطبيعة والحياة المادية، هو بعينه جعل قانوناً طبيعيّاً آخر مفاده: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60)، ليصير هذا القانون أيضاً داخلاً في سلسلة العلل والعوامل والأسباب، طبعاً، بشرطه وشروطه، وفي مقدّمة هذه الشروط، أن يكون الدعاء واقعيّاً وحقيقيّاً ونابعاً من القلب.
ثانياً: المعرفة:
تشكّل الأدعية المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام) بحراً من المعارف الإسلاميّة، وإنّي أظنّ أنّه لو جُمعت كلّ الروايات المتضمّنة لبيان المعارف فإنّها تكون أقلّ من المعارف الواردة في الأدعية.
فالمعارف الإسلاميّة في أدعية الصحيفة السجادية، ودعاء أبي حمزة الثمالي، والمناجاة الشعبانيّة، ودعاء كميل، و.. كثيرة جدّاً، بل إنّ كلّ دعاءٍ من أدعية الصحيفة السجاديّة هو كتاب للمعارف الإلهيّة في مختلف الموضوعات، وفهم هذه الأدعية يجعل الإنسان على معرفة بالإسلام الحقيقي، ويُبعده عن الشبهات والخرافات، فأهل الخرافات هم – في الغالب – أناس بعيدون عن الأدعية ولا طريق لهم إلى المعارف الحقيقيّة، وأمّا التأمّل والتدبّر في الأدعية من شأنه أن يرشدنا إلى كلا الجانبين: ما يجب الاعتقاد والإيمان به، وما يجب رفضه وردّه، على حدٍّ سواء.
ثالثاً: العلاقة والارتباط بالله:
ومن هذه الزاوية، يتحوّل الدعاء إلى هدف، ولا يكون مجرّد وسيلة؛ إذ بهذه النظرة يكون الدعاء هو العلاقة نفسها بين الإنسان وبين الله عزّ وجلّ، ويكون الدعاء هو الذي يؤمّن ذلك الإحساس الثمين الذي نحتاج إليه.
إنّ جميع الأشياء في هذه الدنيا مرتبطة بالذات الربوبيّة المقدّسة، الإلهيّة، وهذا الإحساس والشعور بمنح الإنسان حالة معنويّة راقية من العروج والسلوك. وهذا في الحقيقة أعظم فوائد الدعاء وأجلّها على الإطلاق، وهو ما يستفاد من الأدعية المأثورة عن النبيّ الأكرم (ص) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وكيف أنّهم (عليهم السلام) كانوا ينسون أنفسهم في مناجاة ربّهم.
وقد لحقت بالبشريّة اليوم خسائر عظمى جرّاء انعدام هذا الإحساس عند البشر، وإن كنّا نرى بأنّ هذه الخسائر في مجتمعنا هي أقلّ منها في المجتمعات الأُخرى؛ لأنّ الناس هنا يعدّون أنفسهم على ارتباط وصلةٍ بالله عزّ وجلّ، ويعترفون بأنّهم عبيد له، وكلّما زاد هذا الإحساس عندنا، كلّما حالفنا التوفيق والنجاح أكثر.
لا تتصوّروا أنّ النجاح هو في صنع القنبلة الذرّيّة.. إنّ هذا لوحده ليس نجاحاً، بل التقدّم العلميّ سيف ذ حدّين، فقد يكون نجاحاً، ولكنّه أيضاً قد يكون خسراناً، وبرأيي فإنّ العلم اليوم أصبح وسيلة خسرانٍ وهلاكٍ بالنسبة إلى المجتمعات الغربيّة.
ماذا يريد الإنسان من الحياة ليكون سعيداً فيها ومرتاح البال؟ هو بحاجة إلى الأمن والمحبّة والراحة، وهنا نتساءل: هل هذه الأمور موجودة في العالم اليوم؟ وهل هناك أمن وراحة ومحبّة في عالم العلم المعاصر؟ هل استطاع رؤساؤهم ووزراؤهم وأصحاب الشركات والبنوك منهم أن يحوزوا على هذه الأمور، أم تراهم يحترقون بنيران الحرص والطمع والتجبّر والاعتداء المسعور؟! لو كانت السعادة في العلم والتطوّر فقط لما سمعنا أنّ امرءاً وزوجته في تلك الدولة – مثلاً – يهجران المدينة ليعيشا وسط الغابات، وهما يشعران بالسعادة لابتعادهما عن تلك الأجواء التي شهداها في المدينة والتي حوّلت المجتمع إلى جهنّهم تعجّ بالمصائب والآلام.
أمّا من يمتلك شعور الارتباط بالله فهو سعيد قطعاً؛ لأنّ منشأ مصائب الإنسان، هو إمّا الإحساس بالذلّ واليأس والوحدة والضعف، وإمّا الطغيان والاعتداء على الآخرين. وإنّ شقاء أكثر الشعوب والأُمم والمجتمعات والأفراد وتعاستها ناشئة من العجز والضعف والإحساس بعدم وجود الناصر والمعين، ما يجعلها تعيش حالة الوحدة أو الغربة الموحشة.
فارتباط الإنسان بالله معناه الارتباط بمركز القدرة والعلم، فهو ليس، ولا يمكن أن يكون وحيداً ما دام الله تعالى معه، وما دام هو مرتبطاً به عزّ وجلّ، كما ورد في دعاء الفرج المرويّ عن النبيّ الأعظم (ص): "يا سند من لا سند له، يا ذخر من لا ذخر له، يا عزّ من لا عزّ له، يا كنز من لا كنز له، يا حرز من لا حرز له، يا عون من لا عون له، يا ركن من لا ركن له، يا غياث من لا غياث له".
فلو كنتم في قلب المعركة، والعدوّ يحاصركم من كلّ جانب، ولكنّكم كنتم تؤمنون بوجود وسيلة عندكم يمكنكم الاتّصال والارتباط بها في لحظة واحدة، فتنجيكم، وتحميكم من العدوّ، فهل كنتم في هذه الحالة لتشعروا بالخوف والضغط والحصار؟!
نعم، هكذا يكون إحساس من يعتقد ويرتبط بالله سبحانه، وقد جرّبنا ذلك في سجون الطاغوت، في وقتٍ كان معنا سجناء آخرون ينتمون إلى الشيوعيّة، أو لا يؤمنون بشيء، فهؤلاء أُصيبوا باليأس والهلع، وأصبحت الحياة مظلمةً في أعينهم، فلم يروا إلّا مرارتها، ما أدّى إلى تعرّضهم لأنواع الأمراض والمشاكل النفسيّة، ولكم كنتُ أتألّم لحال هؤلاء المساكين. وأمّا المؤمنون من السجناء، فلم يكونوا على هذه الحالة البائسة.. إنّنا عندما تضيق صدورنا أو نشعر بالخوف، نتكلّم مع الله ونتوجّه إليه بالدعاء، فيزول عنّا هذا الضيق، ولا يبقى مكان للخوف في قلوبنا، لكن من لا يملك الإيمان فهو شقيّ وتعيس.
وكما أنّ الارتباط بالله يحول دون هيمنة الشعور بالضعف والعجز والغربة، فإنّ ارتباط الإنسان بالله يمنع الإنسان أيضاً من الطغيان والاستكبار، فإنّ من يرتبط بالله عزّ وجلّ، وإن كان قويّاً، ويشعر بالقوّة والعزّة، إلّا أنّه يعلم أيضاً أنّ هذه القوّة التي يشعر بها ليست من ذاته، بل من الله سبحانه.
إنّ استكبار الإنسان وطغيانه في الأرض واستغناءه عن الله سببه الرئيسيّ هو عدم ارتباطه بالله، وتخيّله أنّ القوة الظاهرية منه، والثروة الظاهرية ملكه، وتخيّله أنّ قوّته وثروته لا يمكن أن تزولا في لحظةٍ واحدة.
وعلى ضوء ما تقدّم: فإن دعا الإنسان ربّه وشعر بالارتباط به، فإنّه لا يُصاب بالضعف والانكسار، كما أنّه أيضاً لا يُصاب بالطغيان والاستكبار، فببركة الدعاء إذاً يمكننا بناء مجتمع مؤمن متكامل مرتبط بالله.
لذلك أوصيكم أن لا تغفلوا عن الأدعية، وادعوا الله أيضاً بغير الأدعية المأثورة، وفي كلّ مكان، في الطريق، وفي العمل، وأينما كنتم، واطلبوا من الله تعالى أن يهبكم أكثر من كلّ شيءٍ آخر التوفيق والعون والهداية وأن ينوّر قلوبكم. ►
المصدر: رسالة الثقلين/ العدد السبعون
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق