• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

دروس وعِبر من غزوة حُنين

عمار كاظم

دروس وعِبر من غزوة حُنين

تُعتبر غزوة حُنين من الغزوات المهمّة في التاريخ الإسلامي، فقد حدثت تلك الغزوة في مرحلةٍ حاسمة من مراحل الدعوة الإسلامية، حيث فُتحت مكّة المكرّمة في السنة الثامنة للهجرة، وأصبح للمسلمين دولتهم التي يحسب القاصي والداني لها ألف حساب. إنّ نظرة تحليلية على أحداث معركة حُنين تقود إلى تسجيل الأُمور الآتية:

أوّلاً: إنّ السبب في هزيمة المسلمين في بداية المعركة هو غرور المسلمين بأنفسهم وإعجابهم بكثرتهم وقوّتهم حيث لم يسبق لهم أن واجهوا عدواً بهذا العدد الكبير من المقاتلين، فأراد الله سبحانه أن يعلِّمهم أنّ الكثرة لا تغني شيئاً عندما تفقد عناصر الإيمان والإخلاص والصبر والتوكل على الله. وقد كانت الكثرة في حُنين تفقد هذه العناصر فقد كان فيهم ألفا شخص ممّن أسلم حديثاً وبعد فتح مكّة، وكان فيهم جماعة من المنافقين، وفيهم مَن سيطرت عليه روح الكسب والغنيمة، فخلى الله بينهم وبين عدوهم ولم يتدخل في البداية لغرورهم حتى ظهرت آثار الهزيمة فيهم. قال تعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (التوبة/ 25). وهذا يعني أنّ الكثرة ليست سبباً للنصر وأنّ العبرة ليست في الكمية وإنّما في النوعية التي تملك الإيمان وروح الاستشهاد في سبيل الله.

ثانياً: إنّ الذين عادوا إلى ساحة القتال وقاتلوا بشجاعة فائقة إلى جانب النبيّ - صلّى الله عليه وآله وسلم - ومنهم الإمام عليّ (عليه السلام).. هم القلة المؤمنة فهؤلاء هم الذين حقّقوا الانتصار في حُنين، وهم الذين أنزل الله عليهم السكينة والطمأنينة والدعة، فثبتوا في الظروف الحرجة لما يملكونه من عقيدة راسخة، وإيمان قوي، وشجاعة فائقة، وإرادة صلبة، ويقين راسخ بلطف الله ونصره.

قال تعالى: ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ (التوبة/ 26). وعليه فالسرّ في انتصارهم النهائي هو ثبات النبيّ - صلّى الله عليه وآله وسلم - وعليّ (عليه السلام) والقلة من الصحابة الذين يملكون الإيمان، فهؤلاء هم الذين أنزل الله عليهم السكينة التي تعني نوعاً من الهدوء والاطمئنان الذي يبعد عنهم كلّ أنواع الشك والخوف والقلق وأيّدهم وشدَّ أزرهم وقوَّى معنوياتهم، وأوجد روح الثبات والاستقامة في نفوسهم وقلوبهم بجنود من الملائكة لم يروها.

والنص القرآني عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ إشارة إلى أنّ المنافقين وأهل الدنيا الذين كانوا مع المسلمين في المعركة لم ينالوا سهماً من السكينة والاطمئنان، بل كانت السكينة من نصيب المؤمنين فقط ولذا قال وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ولم يقل «وعليكم» مع أنّ جميع الجمل في الآية أتت بصيغة ضمير الخطاب «كم».

ونزول السكينة على الرسول - صلّى الله عليه وآله وسلم - لرفع الخوف الذي كان خوفاً على الرسالة والمؤمنين خاصّة بعد فرار أصحابه من المعركة وإلّا فهو كالجبل الشامخ لا تزلزله الرياح والعواصف، وكذلك ابن عمه عليّ (عليه السلام).

ثالثاً: إنّ على المسلمين أن يعتبروا من حوادث حُنين فلا يغتروا بكثرة العدد والعتاد فالكثرة وحدها لا تغني شيئاً، بل المهم في ساحة الجهاد وجود المؤمنين المنصهرين بالإيمان ذوي الإرادة الصلبة والعزيمة الراسخة حتى لو كانوا قلة. فإنّ القلة هي التي استطاعت أن تحوِّل الفشل في حُنين إلى انتصار كبير على العدو وكانت الكثرة بسبب غرورها في بادىء الأمر سبباً للفشل والفرار من ساحة المعركة.

ارسال التعليق

Top