• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حقّ الله تعالى وحقوق عباده

حقّ الله تعالى وحقوق عباده

◄جاءت الرسالات الإلهية لترشد الإنسان إلى أداء حقّ خالقه عليه، بمعرفته والإيمان به وتوحيده وعبادته وطاعته، هذا أوّلاً، وثانياً لتوجيهه لأداء حقوق الناس لتنتظم الحياة الاجتماعية بين بني البشر.

إنّ بعض آيات القرآن الكريم تشير إلى هذا الهدف كمحور أساس لرسالات الأنبياء، يقول تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ...) (الحديد/ 25).

كما تشير بعض الأحاديث والروايات إلى أنّ الله تعالى يسخطه الاعتداء على حقوق الناس أشد من ما يسخطه الاعتداء على شيء من حقوق عبادته وطاعته، عدا الشرك بالله تعالى. جاء عن رسول الله (ص) أنّه قال: "الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره الله، وظلم لا يتركه، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك، قال الله تعالى: (إنّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وأمّا الظلم الذي يغفره الله تعالى فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأمّا الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدين بعضهم من بعض".

ومثله جاء عن الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة: "ألا وأنّ الظلم ثلاثة فظلم لا يغفر، وظلم لا يترك، وظلم مغفور لا يطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، قال الله تعالى: (إنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ). وأمّا الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات. وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضاً. القصاص هناك شديد، ليس هو جرحاً بالمدى، ولا ضرباً بالسياط، ولكنّه ما يستصغر ذلك معه".

والنصوص الدينية التي تحذر من الظلم والعدوان على حقوق الآخرين كثيرة، كقوله تعالى: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران/ 57)، (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة/ 190)، وما روي عنه (ص): "اتقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة".

لكن ما يلاحظ على الخطاب الديني تركيزه على الدفاع عن حقوق الله تعالى، وضعف اهتمامه بالدفاع عن حقوق الإنسان.

تجد ذلك على مستوى البحث الفكري والفقهي، حيث تمتلئ المكتبة الإسلامية من البحوث العقدية والفقهية العبادية، كأحكام الصلاة والصيام والحج، والتي تستغرق مجلدات كثيرة، وتتفرع مسائلها إلى مختلف الصور والاحتمالات، حتى الخيالية منها، لكن قضايا حقوق الإنسان، لم يتبلور لها عنوان جامع في الفكر ولا في الفقه، ولا تطرح إلّا بشكل عابر ضمن أبواب فقهية مختلفة.

وعلى مستوى الإعلام والتثقيف الجماهيري غالباً ما يتحدث الخطباء بالحث على أداء الواجبات الشرعية العبادية، والتحذير من الذنوب والمعاصي المرتبطة بالجوانب الشخصية كالزنا وشرب الخمر وعدم التزام النساء بالحجاب، لكن الحديث عن حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية والفكرية، والتحذير من انتهاكها قليل نادر.

وإذا لاحظ الدُّعاة الإسلاميون تجاوزاً من سلطة تجاه قضية دينية كالصلاة أو الصوم، أو تهاوناً تجاه بعض المعاصي كالخمور والسفور وما أشبه، تقوم قيامتهم ولا تقعد، لكنهم لا يبدون اهتماماً في الغالب للتجاوز على حقوق المواطنين، أو اختلال ميزان العدالة، أو إهمال مصالح الناس ومطالبهم. ►

 

المصدر: كتاب الخطاب الإسلامي وحقوق الإنسان

ارسال التعليق

Top