◄إنّ القرب من الله تعالى هو غاية المنى، ولابدّ لمن جعل القرب هدفاً أن يسعى لتزكية نفسه لأنّه لا قرب بلا تزكية؛ ومن هنا فإنّ العبد كلما زكّى نفسه كلما حاز على درجة من درجات القرب، وإذا ارتقى في سبيل القرب فليس إلّا لأنّه أفلح في تزكية نفسه وتهذيبها.
وينبغي للمرء بعد أن يزيل أمراض نفسه أن يسعى لتكميلها وتربيتها حتى تغدو قادرة على حثّ الخطى في طريق السير والسلوك إلى الله.
وقد ثبت في محله أنّ النفس هي في حال حركة دائمة وبالتالي فهي إما أن تتحرك في الصراط المستقيم أو أن تنحرف في طريق الضلال، والذي يوصل إلى القرب هو الصراط المستقيم.
حقيقة القرب من الله:
توجد أقسام عديدة للقرب، منها:
1- القرب المكاني: وهو تقارب شيئين من حيث المكان.
2- القرب الزماني: وهو تقارب شيئين من حيث الزمان، وهذه المعاني ليست هي المقصودة في تعبيرنا "القرب من الله".
كما أنّ هذا القرب ليس قُرباً مجازياً كأن نقول إن فلاناً قريب من فلان بمعنى أنّه يحبه، بل المراد بهذا القرب هو القرب الحقيقي، لأنّه ذكّرنا أن حركة النفس هي حركة واقعية لا مجازية، فهذا القرب هو بمعنى: تكامل النفس وارتقائها المعنوي والروحي وبلوغها تلك الدرجات العالية في سيرها وسلوكها إلى الله تعالى. يقول تعالى: (كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (المطففين/ 18-21).
فئات البشر يوم القيامة:
يقسم القرآن البشر يوم القيامة إلى فئات: أصحاب الميمنة: وهم السعداء، وأصحاب المشأمة: وهم الأشقياء، والسابقون: وهم الذين نالوا القرب الإلهي.
يقول تعالى: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ* وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ* وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (الواقعة/ 7-12).
الإيمان والقرب:
إنّ المعرفة والإيمان بالله تعالى هما أساس التكامل والقرب الإلهي، فإن من لا يعرف هدفه والمصير الذي يؤول إليه ولا يؤمن بهما فإنّه لن يسعى للتزكية والقرب من الله تعالى، وبالتالي فإنّه لن يقطع مسافة على الصراط المستقيم؛ وبما أنّه في الدنيا لم يطوِ الطريق فإنّه في الآخرة لن يجوز الصراط.
يقول تعالى: (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ) (المؤمنون/ 74).
إنّ من لا يعرف الآخرة ولا يؤمن بها فإنّه لن يسعى لقطع المسافة على الصراط المستقيم بل سيضل عنه، ومن يضلّ عنه في الدنيا فإنّه لن يتجاوزه في الآخرة. ولذا على السالك أن يسعى لتقوية إيمانه وزيادة علمه حتى يرتقي أكثر في مقام القرب.
يقول تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة/ 11).
الإيمان والحياة:
إنّ عمل الإنسان حتى لو كان عملاً صالحاً فإنّه لن يثمر تلك الحياة الطيبة إذا لم يكن مقروناً بالإيمان، فالإيمان شرط أساس لوصول الإنسان إلى الحياة الطيبة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل/ 97).
والطيب لا يبقى في الأسفل بل يصعد إلى الله تعالى، حيث مقام القرب، يقول تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر/ 10).
وعليه: فإنّ الإيمان بالله تعالى وبالمعاد والمعرفة بهما يساعدان الإنسان على الوصول إلى مقام القرب الإلهي، ولا يمكن أن يصل إلى درجات القرب من لم يطهّر نفسه من دنس المعاصي ومساوئ الأخلاق، فالتزكية أساس لمن عزم على أن يكون من المقرَّبين.
أسباب التكامل والقرب:
يمكن الاستفادة من مجموعة وسائل لتكميل النفس وتربيتها والوصول بها إلى مقام القرب الإلهي، ومن أهمها:
الأوّل: ذكر الله، الثاني: مكارم الأخلاق، الثالث: العمل الصالح والصلاة الواجبة والنوافل وصلاة الليل، الرابع: الجهاد والشهادة، الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، السادس: الإحسان وخدمة الناس، غير ذلك..
المصدر: كتاب تزكية النفس
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق