أيمن حمودة*
الجو العائلي الهادئ يشبع الحاجات النفسية للطفل ويعزز شعوره بالأمان
الخوف حالة شعورية يصاحبها انفعال نفسي وبدني ينتاب الطفل عندما يتسبب مؤثر خارجي في إحساسه بالخطر، وهو قد يكون مستحباً إذا كان في حدود الطبيعة؛ باعتباره أهم آليات المحافظة على الذات، ووسيلة لحماية الأطفال من الحوادث والأخطار، ولكن إذا تجاوز الخوف الحد المعتاد والمعقول، فإنّه يسبب قلقاً نفسياً لهم، وبذلك يصبح مشكلة نفسية تستوجب البحث عن مسبباتها وسبل علاجها.
يقول المتخصصون في علم النفس: إنّ الطفل حديث الولادة تخيفه الضوضاء العالية والأصوات الشديدة المفاجئة، واعتباراً من الشهر السادس يخاف من الغرباء والأشخاص غير المألوفين لديه.
أمّا في السنتين الثالثة والرابعة من عمره فإنّه يخاف من الحيوانات والطيور والأماكن الغريبة والسيارات، ومع نموه تزداد مثيرات الخوف وتتنوع لديه.
أشكال وأنواع الخوف عند الأطفال:
المخاوف الأكثر شيوعاً، مخاوف محسوسة لها مصادر حقيقية يلمسها الآباء والأُمّهات في أطفالهم بسهولة، لأنهم يعبرون عنها بوضوح، ومن هذه المخاوف الخوف من:
1- الحيوانات والحشرات مثل الخوف من الفئران والقطط والكلاب والصراصير والثعابين.
2- أشخاص معينين كرجال الشرطة والأطباء والممرضين والممرضات.. إلخ.
3- بعض الأماكن مثل الأماكن المظلمة وخاصة عندما يرتبط بها وجود هواجس كالعفاريت والجن.
4- ركوب بعض المواصلات كالقطار أو الباخرة أو الطائرة.
5- بعض الأدوات مثل السكاكين والحقن وإبر الخياطة.
6- فقدان الثقة؛ إذ يعاني بعض الأطفال من الخوف في كثير من المواقف الاجتماعية، فيهابون مقابلة الزوار والضيوف، ويحجمون عن التكلم أمام الآخرين، خوفاً من النقد أو الخطأ. وهؤلاء الأطفال يعانون من ضعف الثقة بالنفس، وغالباً ما يكون سبب ذلك التربية الاجتماعية، واعتماد الطفل على والديه في كل شيء أو بسبب النقد المستمر من جانب الوالدين.
لماذا يخافون؟
لأسباب عدة منها:
1- قمع انفعال الخوف: كثير من الآباء والأُمّهات يستنكف أن يشعر أولاده بالخوف خشية أن يشبوا عليه أو أن يصبحوا كثيري الخوف عند الكبر، لذا يعاقبون أطفالهم عند ظهور انفعال الخوف عليهم، وبذلك يقمعون انفعالات الخوف التي تظهر على أبنائهم؛ اعتقاداً منهم بأن ذلك كفيل باستئصالها. وهذا الأسلوب الخاطئ يزيد من مخاوف الأطفال، ويعقد شخصياتهم.
2- تخويف الطفل: يلجأ بعض الآباء والأُمّهات والمربين إلى تخويف الطفل لدفعه لعمل معيّن مثل: مذاكرة دروسه أو إلزامه بالسكوت والهدوء، كأن يقال للطفل في دار الحضانة إنّه سيوضع في حجرة الفئران أو أنّ القطط ستأكله.. إلى غيرها من الأقوال. أو تلجأ الأُم إلى تخويف وليدها أو طفلها لينام في ساعة محددة فتهدده وتخوفه بالعفريت أو الطبيب أو الشرطي.
والخطأ في هذا الأسلوب أن إحاطة الطفل بجو من التهديد والتخويف بلا مبرر تؤدي إلى شعوره بالنقص، وفقدان الثقة بالنفس، وتزايد مخاوفه.
3- اضطراب المحيط العائلي: فتفشي المنازعات والمشاجرات بين الوالدين يؤدي إلى اضطراب الجو العائلي، وخاصة عندما تصاحبها شتائم وصراخ عال أمام الأبناء، مما يحرم الطفل من الاستقرار والشعور بالأمن والطمأنينة، ويفقده الثقة بالنفس، ومن ثمّ تتزايد مخاوفه.
4- النقص الجسماني: بعض الأطفال يعاني من ضعف أو نقص جسماني كالعرج أو الحول أو القصر الشديد أو السمنة أو النحافة الشديدة، فضلاً عن انخفاض مستوى الذكاء والتأخر الدراسي، وكلها عوامل تسبب للطفل عدم الثقة بالنفس وانخفاض تقديره لذاته، مما يزيد من مخاوفه عند تعرضه لأبسط المخاطر.
5- القلق المفرط والزائد من جانب الوالدين: قد يخاف الأطفال لأن والديهم مرضى بالقلق النفسي المفرط؛ إذ يقلقون عليهم بشكل مبالغ فيه، فإذا مرض الطفل أو جرح أو تعثر في طريقه أو وقع على الأرض أصاب الأُم أو الأب فزع وخوف شديدان، مما يجعل الطفل يخاف على نفسه، خوفاً شديداً، ويتعلم من والديه استجابته لمواقف الحياة بالفزع والهلع والارتباك، وبذلك ينشأ قلقاً وخائفاً.
ومن الأُمّهات من تدمن عرض طفلها على الطبيب دون مبرر، فينشأ الطفل قلقاً على صحته، ويخاف من الأمراض خوفاً شديداً.
6- السخرية من الطفل: يلجأ بعض الآباء والأُمّهات إلى السخرية من الطفل أثناء خوفه أو إثارة ضحك أفراد الأسرة عليه بسبب مخاوفه، وقد يتخذ الإخوة هذه المخاوف وسيلة للتسلية والضحك على حساب مشاعر الطفل المسكين، بل قد يلجأون إلى تخويفه بما يخاف منه فيعقدون بذلك شخصيته ويفقد الطفل ثقته بنفسه، وتزداد مخاوفه من أبسط الأخطار.
أساليب العلاج:
يمكن علاج مشكلة الخوف عند الأطفال باتباع الأساليب الآتية:
1- التفاهم مع الطفل حول الشيء المخيف إذا واجه الطفل ما يخيفه، فيجب عدم مساعدته على نسيانه لأنّ النسيان يدفن المخاوف في نفس الطفل ثمّ يصبح مصدراً للقلق والاضطراب، ولكن يجب على الوالدين التفاهم مع الطفل حول الشيء المخيف بالإقناع وليس بالخداع، فإذا كان يخاف من الشرطي مثلاً نوضح له أنّ الشرطي في خدمة الناس، ويسهر على راحتهم، ويوفر لهم الأمن والأمان، ويقوم بالقبض على المجرمين واللصوص.
2- تدريب الطفل على مواجهة مصادر الخوف بموافقته، ودون إرغامه على مواجهة الأماكن والمواقف والأشخاص والكائنات التي يخاف منها، فإذا كان يخاف من الطبيب مثلاً، يمكن أخذه للمستشفى لزياردة مريض ومعه باقة من الورود، وتشجيعه على مشاهدة الطبيب والممرضين والحُقن، وتعريفه أنّ الطبيب يقوم بمساعدة المرضى على الشفاء بتوفيق الله، وأنّ الحقن وأدوات العلاج مهمة لشفاء المرض، حتى يرجع لأهله سليماً معافى.
3- المحيط العائلي الهادئ واتزان سلوك الوالدين والمواقف الصعبة:
إنّ هذا الجو العائلي البعيد عن المشاجرات الزوجية يشبع حاجات الطفل النفسية ويشعره بالثقة بالنفس والأمن والطمأنينة، كما يجب أن يكون سلوك الطفل متزناً وعاقلاً خالياً من الذعر والخوف في المواقف الصعبة، وخاصة عند مرض الطفل.
4- تنمية روح الاستقلال والاعتماد على النفس لدى الطفل.
5- تشجيع الطفل على اكتساب الخبرة والممارسة والتجريب في القيام بالخبرات السارة غير المخيفة؛ حتى يعتاد التعامل مع مواقف الحياة ولا يهابها أو يخاف منها.
6- تنشئة الطفل منذ نعومة أظفاره على قوة الإيمان بالله تعالى وحسن الصلة به من خلال أداء الصلاة، وهو صغير وتلاوة القرآن الكريم وخاصة قصار السور التي يألفها ويسهل عليه قراءتها مثل الإخلاص والمعوذتين.
هذه التربية الإيمانية لا تجعله يخاف أو يجزع إذا أصابه مكروه. وقد أرشد القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى: (إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) (المعارج/ 19-23).
*كاتب من القاهرة
المصدر: مجلة المجتمع العدد (1475)
ارسال التعليق