فاطمة الزهراء (عليها السلام)، مظهر حيّ لفضائل أهل البيت (عليهم السلام) في كلّ كلماتها وأعمالها، في زُهدها وعبادتها، في أخلاقها ومشاعرها، في إيمانها وتقواها. فاطمة (عليها السلام).. هي الإسلام الذي عندما نذكره أو نتذكّره فإنّه لا يوحي لنا إلّا بالطهارة كأصفى ما تكون الطهارة، وبالنقاء كأعذب ما يكون النقاء، وبالإنسانية التي تعطي الإنسان قيمته، وبالعصمة التي تتمثلها فكراً في فكرها، وخلقاً في أخلاقها، وسلوكاً في كلّ حياتها، وشجاعة في الموقف مع الحقّ، شجاعة رسالية لا شجاعة انفعالية.. كانت وقفاتها من أجل الحقّ، وكان حزنها حزن القضية وفرحها فرح الرسالة، ومثّلت عمق الإسلام في عمق شخصيتها، واختزنت في داخلها كلّ الفضائل الإنسانية الإسلامية، باعتبار أنّ كونها سيِّدة نساء العالمين، يفرض أن تكون في المستوى الأعلى من حيث القيمة الروحية والأخلاقية.
كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تكتسب العلم عن أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى أنّها كانت أوّل مؤلفة في الإسلام، حيث كانت تلقي دروساً على نساء المهاجرين والأنصار اللواتي كنّ يجتمعن عندها لغرض التعلم. الدرس المُستفاد من ذلك هو أنّ على المرأة المسلمة والمثقفة إسلامياً أن تجعل حياتها في خدمة الدعوة الإسلامية، وهذا يفرض عليها أوّلاً أن تنمي ثقافتها الإسلامية وتغنيها بالمعارف الإلهية.
إنّ المرأة لابدّ أن تتحمل مسؤولية العلم، مسؤولية ما تقرأ وتدرس وتعقل، مسؤولية أن تكتب بحسب إمكاناتها في الكتابة، ومسؤولية أن تنقل ما تعلمه إلى الآخرين ما أمكنها ذلك، كما كانت الزهراء (عليها السلام) تنقل علمها للاخرين.
إنّ على المرأة أن لا تحتقر طاقاتها أو تستصغر إمكاناتها، فقد يكتشف الإنسان نفسه بالتجربة، فإذا لم يجرب فلن يكتشف نفسه. هنا دعوة إلى حركة المرأة الفكرية والثقافية وحركة المرأة الأدبية وحركة المرأة السياسية والجهادية، أن تستهدي بالزهراء (عليها السلام) في كلّ خطواتها، لأنّنا عندما ندرس شخصية الزهراء (عليها السلام)، فإنّنا نجد أنّها تمثل الشرعية في كلّ ما عاشته وانطلقت فيه ودخلت فيه من ساحات، لهذا علينا أن ننطلق لنأخذ إيجابيات هذه المرأة العظيمة - وكلّها إيجابيات - في حياتها الحركية، حتى نصل إلى مرحلة يتكامل فيها الرجال والنِّساء في المجتمع الإسلامي، فلا تكون المرأة كميةً مهملة على هامش الواقع الثقافي والسياسي والاجتماعي العام للرجل، فالله تعالى يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71).
إنّ نداء السيِّدة فاطمة (عليها السلام) للمرأة في العالم: هو كوني إنسانة مع الله ومع الناس، إنسانة بالمعنى الروحي والعقلي والحركي، وكوني رسالية تفكر بالرسالة لا بالذات، فتقدم الذات فداءً للرسالة.
وإن الإسلام يقول للمرأة في العالم، وكذلك للرجل، بفضائلها، ولهذا انطلقوا للتعلموا منها كيف يكون الحبّ للإنسان والعطاء للإنسان وكيف تكون المسؤولية الثقافية وكيف تكون المواجهة والمعارضة والانحراف، ولتكن الزهراء (عليها السلام) قدوتكم في العبادة وقدوتكم في الأخلاق والجهاد والعطاء والإيثار.
إنّ نداء فاطمة الزهراء (عليها السلام) للمؤمنين والمؤمنات هو أن يكونوا للإسلام بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم وحركاتهم وأفعالهم وأقوالهم وكلّ حياتهم، كما كانت هي للإسلام.
فقد كانت للإسلام عندما وقفت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخفّفت عنه الأذى الذي لحقه من المشركين، وكذلك آنذاك في عمر الطفولة، وقد احتضنته وخففت عنه الهموم والآلام حتى قال عنها إنّها: "أُم أبيها". وكانت للإسلام عندما بذلك وأنفقت وجاهدت في سبيل الله، وكانت للإسلام بكلّ وجودها وكيانها وحياتها. هذا هو نداء فاطمة الزهراء (عليها السلام): «كونوا للإسلام وأعملوا من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى».
من هنا حاجتنا إلى الزهراء (عليها السلام).. حاجتنا إليها هي حاجتنا إلى القدوة والمثل والنموذج، حاجتنا إليها هي حاجتنا إلى الشخصية التي جمعت كلّ العناصر الحيّة التي تتوازن وتتكامل فيها الشخصية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق