◄قبل البدء في العلاج العملي للقلق عليك أن تتعرف على سبب أو أسباب قلقك. إنّ معرفة السبب هو أوّل طريق للعلاج الصحيح. هناك مئات الأسباب لكنها لا تتعدى أن تكون في نطاق هذه الأسباب العامة الآتية:
1- أنت قلِق لأنك اكتسبت نزعة القلق: لقد تعلمت من العائلة التي تربيت فيها كيف تُظهر عاطفة (أو تكتم عاطفة) من ملاحظة أحد والديك أو كلاهما في ظروف اجتماعية، لهذا اكتسبت نزعة القلق (Inherited Proclivity).
لو أن والدك كلما كان يقود السيارة كان يقلق فإنك أخذت رسالة مبكرة منه تقول إنّ القيادة تسبب القلق. لهذا السبب قد تكون القيادة ظرفاً عندك للقلق.
قلقك موروث. لقد تعلمت أن تتصرف بنفس الطريقة التي يتصرف بها من تحترم أو تحب. في علم النفس تسمى هذه الظاهرة الاقتداء (Modeling) كثير من تصرفات وسلوكيات الإنسان تكون مكتسبة من آخرين لهم تقدير عنده.
وهذا علاجه بالبرمجة الذاتية الإيجابية المستمرة.
2- أنت قلِق لأنك من نوع شخصية (أ) (Personality A):
شخصية (أ) هي التي فيها الصفات التالية:
· لديه غلو في تحقيق التفوق والنجاح.
· معتاد لإجبار النفس على العمل لأهداف غير واقعية.
· في منافسة مستمرة.
· مراقب دائماً للوقت وميال للسرعة.
· سريع الغضب.
· متهكم أو مُستخف.
لعل كثيراً من الذين تعرفهم يأتون ضمن هذه القائمة المذكورة وهم يعيشون حياتهم بنجاح. هذا صحيح، لكنهم مدمنون على القلق. ليس من الضروري أن تكون قلقاً حتى تنجح، يمكنك أن تكون ناجحاً ومطمئناً معاً.
3- أنت قلِق لأنك تشعر بالخوف أو التشاؤم: إن تكثيف التفكير في الكوارث والمصائب التي تمر علينا في الحياة، والاهتمام بأسوأ البدائل الممكنة. وتوقع الأسوأ يُنتج قلقاً مستمراً، لو خسرت في تجارتك لشهر سبتمبر فإنك تتوقع الخسارة التامة مع نهاية السنة. متى شعرت ببعض الألم أو الضيق فإنك تضخمه. الورم الحميد قد تفسره على أنّه سرطان خبيث، وعسر بسيط في الهضم قد تفسره على أنّه قرحة في المعدة، والمتابعة المستمرة من رئيسك في العمل تفسرها على أنها نذير الفصل من العمل.. هذا التشاؤم سبب رئيس في القلق.
القيود الفكرية التي نعتقدها تكون أحياناً خطأ وقد تسبب لنا قلقاً عظيماً أيضاً، ويسميها علماء النفس المحدثون "الافتراضات" (Shoulds)، أو كما يسميها ممارسو البرمجة اللغوية العصبية (NLP) المعتقدات (Beliefs). وهو ما تقوله لنفسك من الافتراضات. كأن تقول من المفروض أن أفعل كذا أو أفكر هكذا أو أقول كذا.. هناك أناس يتشاءمون من الرقم (13) ويسبب لهم إزعاجاً عظيماً، وربما غيّروا قرارات كانوا يودون اتخاذها. هناك أناس يتشاءمون من سقوط كأس أو ملعقة.. إلخ.
قوانين يفرضها الإنسان على نفسه. وللأسف فإنّ هذه القوانين الفرضية لا تسمح لك بمعرفة إدراكك الصحيح تجاه الأشياء. مثل أن تعتقد بأنّ الناس يجب أن تتصرف وتعتقد بالطريقة التي تعتقدها أنت؛ لأنها عندك من المسلّمات ومن ضمن قائمة قوانينك. ولو أنّهم لم يفعلوا ذلك فهم عصاة أو كسالى أو فوضويون أو غير مبالين.. إلخ، هكذا تُفسرها. هذا النوع من التفكير يسبب قلقاً.
وهذا علاجه بتغيير الاعتقادات الفاسدة والمضِرة وذلك من خلال البرمجة الإيجابية. مثل برمجة: "تفاءلوا بالخير تجدوه" و"كلّ يوم يمر فاليوم الذي يليه أفضل"، و"مع كلّ إشراقة صباح أمل جديد".. إلخ.
4- أنت قلِق بسبب ألم أو ضيق خارج عن إرادتك: هذا القلق سببه عضوي أو روحي. فقد يكون السبب مرضاً مزمناً وهذا المرض يجعلك تشعر بأنك الضحية، فتسأل نفسك: لماذا أعاني؟ ولم أنا عالة على الآخرين؟
قد يكون السبب كذلك فراغاً روحياً في البحث عن أسئلة في غاية الأهمية لابدّ للعقل الباطن أن يجد لها إجابات مقنعة: مَن خلقنا؟ ومن أين جئنا؟ وأين سنذهب؟.. تلك الأسئلة الإيمانية العميقة والتي فصّل فيها الدين الإسلامي السمح في محكم التنزيل. قد يكون السبب ضرراً شيطانياً متعمَّداً، وهو ما يسميه العلماء المحدثون بما وراء الطبيعة (Abnormal)، وتدرسه مدارس الباراسيكولوجي (Parapsychology)، وهو عند علماء المسلمين الحسد والسحر والعين.
أما النوع الأوّل: وهو العضوي فهذا تخصص الأطباء البشريين.
وأما النوع الثاني: وهو الروحي فهذا تخصص علماء الإسلام ودعاته.
وأما النوع الثالث: وهو الباراسيكولوجي فهذا تخصص أهل الرقية الموثوقين العالمين بهذا العالم.
5- أنت قلِق لأنك ترفض تقبُّل مشاعر وأحاسيس مهمة مثل الألم والغضب والحزن: البعض يرفض بتاتاً أي صورة من هذه المشاعر لأنّه يعتبر ذلك جذور الانتحار الذاتي أو الانهيار الكامل، ولذلك فهم يتجاهلون هذه المشاعر ولا يفهمونها أو ربما لا يودون أن يفهموها. لا مانع من ألم أو غضب أو حزن بسيط بعض الوقت، فهذه مشاعر إنسانية مقبولة. إن كبت هذه المشاعر تماماً قد يؤدي إلى كوارث نفسية يطول علاجها. إنّ علاج هذا النوع بتقبل أحاسيسنا كما هي.
6- أنت قلِق بسبب حادثة أو حوادث محددة ظهرت فأثرت عليك جسمياً أو نفسياً: فكّر في حادثة حصلت لك فجعلتك قلقاً. تصور لو بدأت يومك بصراخ الأولاد وهروب أحدهم من المدرسة، ثمّ حاولت أن تشغّل السيارة فلم تستجب إلا بعد عناء، ثمّ وجدت الولد وأخذته إلى المدرسة ولم يكن استقبال الناظر تجاهك جيداً، ثمّ تأخرت عن العمل وسمعت كلاماً لا يليق بك من مسؤولك، ثمّ طُلب منك أن تسلم المهمة التي كُلفت بها فتذكرت أنك نسيتها في البيت، ثمّ خرجت من العمل فوجدت سيارتك مصدومة!!.. إلخ. أحياناً تأتي البلايا مجتمعة فتسبب ما يسميه العلماء المحدثون بالبرمجة السلبية (Negative Programming)، وعلاجه التفاؤل أو البرمجة الإيجابية (Positive Programming).
7- أنت قلِق لأنك تعاني من نقص غذائي: يرى بعض الأطباء والنفسيين أن هناك علاقة بين السكر والكافين والنيكوتين والكحول من جانب والقلق من جانب آخر، فالزيادة في هذه المكونات يعني الزيادة من حدة قلقك. ويرون أيضاً أنّ النقص في مجموعة فيتامين (ب) (Vitamin B Complex) المتواجدة في اللحوم والخضروات ومنتجات الألبان، تسبب الاضطرابات. إن كنت تعاني من قلق وأنت أيضاً تعاني من نقص فيما ذكرنا فإن قلقك قد يتزايد.
8- إن كنتِ امرأة فقد تعانين من القلق كإحدى مضاعفات ما قبل الدورة الشهرية (PMS): قد يسبق فترة الدورة الشهرية، عند الكثيرات من النساء، قلق يصاحبه تلهف للسكر أو الملح، وكسل، وصداع، وزيادة وزن، وحساسية في الثديين.
لهذا الحد نكون قد بينا أسباب القلق، تعرّف على سبب قلقك فإنّ التشخيص أوّل العلاج. ►
المصدر: كتاب كن مطمئناً.. تغلب على القلق
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق