• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تربية الذات وتزكيتها

فاطمة محمّد حسين

تربية الذات وتزكيتها

◄الإنسان عندما يمرض بمرض عضال – لا سمح الله – كوباء الأنفلونزا أو غيره من الأوبئة يذهب إلى الطبيب لأخذ اللقاح ضدّ المرض وحتى يكسب مناعة ضدّ أي ميكروب أو فيروس، وكذلك الجندي أو المحارب يلبس الدرع لأنّه يقيه من ضرر العدو والذي يريد أن يحمي نفسه من ضربة الشمس يستعمل المظلة الواقية.. وهكذا ألا تحتاج ذاتنا منا أن نربيها ونقوم بتزكيتها وحمايتها الأوبئة النفسية؟ وهنا يأتي دور التقوى فإنّها تقي الإنسان من الأوبئة النفسية (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة/ 197).

يقول الإمام علي (ع): "تقوى الله دواء قلوبكم وشفاء أجسادكم وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم" فليس المطلوب من الإنسان الإكثار في الصالحات بل القليل يكفي مع التقوى فكما جاء في الحديث: "قليل العمل خير من كثير العمل بلا تقوى".

 

كيف تتعامل مع الذات؟

الإسلام كثيراً ما اهتم بالذات الإنسانية وتزكيتها وتهذيبها حتى يصل الإنسان إلى مدارج الكمالات، لأن صلاح المجتمع هو صلاح النفس فأولى اهتمامات الإسلام لهذه النفس هو:

1-    عدم الإساءة إليها: جاء في الرسالة التي بعثها أبو ذر إلى رجل طلب منه النصيحة فكتب إليه: "لا تُعاد أحب الناس إليك ولا تسىء إليه".

2-    مجاهدة النفس: عندما بعث الرسول (ص) سرية فلما رجعوا قال لهم: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل يا رسول الله: "وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس". فجهاد النفس كما ورد في غرر الحكم: "جهاد النفس مهر الجنة".

3-    مخالفة الهوى: الهوى، الإفراط في حب الذات وبهذا يكون هذا الحب هو الحب السلبي وليس حباً إيجابياً للنفس وبالتالي يؤدي إلى الأنانية فلكي نعتدل في حبنا لذاتنا يجب أن لا نلبي كلّ ما تشتهي أنفسنا فإذا قالت النفس لك: نعم قل لها: لا. يقول الإمام عليّ (ع): "خالف الهوى تسلم" ويقول أيضاً (ع): "خالف نفسك تستقيم".

4-    معرفة النفس: هناك حقوق كثيرة للجوارح مذكورة في الرسالة العظيمة للإمام زين العابدين (ع) منها: حق اللسان، حق السمع، حق البصر، حق يدك، حرق رجليك حتى حق البطن والفرج مذكورة فيها. تقول الحكمة الشريفة: "من عرف نفسه كان لغيره أعرف". "رحم الله امرءاً عرف من أين؟ وفي أين؟ وإلى أين؟ بهذا تعرف مصيرك".

فتزكية النفس وتهذيبها هو الفوز الحقيقي والإصلاح ينبغي أن ينبع من داخلك، من أعماقك متجهاً إلى الخارج، وتكون صادقاً مع نفسك حتى تستطيع إصلاح ما يدور حولك وتعتني بذاتك وتكون صديقاً لها.

5-    مراقبة النفس ومحاسبتها: يجب على كلّ فرد منا أن يضع أمام أعينه بل في غرفة نومه لوحة جميلة مكتوب عليها هذه الآية: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء/ 1)، ويستوحي منها أن هناك كاميرا خفية في غرفته تلتقط الصورة بشريط فيديو بدقة متناهية لا مثيل لها وتحتفظ في سجل منضود عند مليك مقتدر، لأنّ الشاهد هو الحاكم يوم القيامة وسوف نشاهد هناك بثاً مباشراً عندما ترتفع عن أعيننا حجب الظلمات، عندئذٍ ما سيكون موقفنا؟

كن حاكماً ومحكوماً في آنٍ واحد بالنسبة لمحاسبة نفسك – كن أنت القاضي لمحكمة ضميرك لأنك سوف تعدل نفسك ولا تظلمها.

روّض نفسك بين فترة وأخرى فالنفس أمارة بالسوء بطبعها لأن محكمة الغير عادلة والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره من هنا فتزكية النفس مهمة للرقي وثمراتها لا تُحصى ولا تُعد "ومن أهم تلك الآثار الصلاح وحلول الحكمة وفرار الشيطان وكمال العقل ورضا الرب".►

 

المصدر: كتاب رحلة في اكتشاف الذات

ارسال التعليق

Top