ماذا عن قوة كلمة نعم؟ باستخدام تكنولوجيا مسح الدماغ، لدينا الآن فكرة جيِّدة جدّاً عمّا يحدث عندما نسمع كلمات وعبارات إيجابية. ماذا نرى؟ ليس كثيراً! لا تُشكِّل الكلمات الإيجابية تهديداً لبقائنا، ولهذا فإنّ دماغنا ليس بحاجة إلى أن يستجيب لها بالسرعة نفسها التي يستجيب بها لكلمة لا. يطرح هذا مشكلة، لأنّ الدليل يُظهِر بازدياد أنّ التفكير الإيجابي أساسيٌّ لتطوير علاقات مزدهرة وإنتاجية في العمل.
هل يمكننا أن ندرِّب دماغنا ليصبح أكثر استجابةً لكلمة نعم؟ نعتقد أنّ هذا ممكن، ولكن من خلال طريقة غير مباشرة تتمثّل بالتركيز الشديد المتكرِّر على الصور، والمشاعر، والاعتقادات الإيجابية. ولا يهمّ إذا كان التفكير الإيجابي مترسِّخاً في العلم، أو العمل. والواقع أنّ الاعتقادات الإيجابية غير العقلانية قد أثبتت أيضاً أنّها تُعزِّز إحساس المرء بالسعادة، وحُسْن الحال، والرضا عن الحياة.
في دراسةٍ بارزة تُظهِرُ أهمية السيكولوجيا الإيجابية، طُلِب من مجموعة كبيرة من الراشدين، تتراوح أعمارهم بين 35 و54 سنة، أن يدوِّنوا كلّ ليلة ثلاثة أشياء جرت على ما يرام بالنسبة إليهم في ذلك اليوم، وأن يقدِّموا تفسيراً موجزاً للسبب. على مدى الشهور الثلاثة التالية، استمرّت درجات السعادة لديهم في الازدياد، بينما استمرّت مشاعرهم الكئيبة بالتناقص، رغم أنّها توقّفوا عن تجربة الكتابة. وهكذا، باستخدام اللغة لمساعدتنا على تأمُّل الأفكار والعواطف الإيجابية، يمكننا أن نُعزِّز حُسْن حالنا الإيجابي، وأن نُحسِّن وظيفة دماغنا.
تستحثّ الكلمات والأفكار الإيجابية المراكز التحفيزية في الدماغ للعمل، وتساعدنا على بناء المرونة عند مواجهة مشاك الحياة الكثيرة. وفقاً لسونجا ليوبوميرسكي، وهي باحثة عالمية رائدة في مجال السعادة، إذا أردتَ أن تطوِّر رضاً يدوم مدى الحياة، عليك أن تنهمك بانتظام في التفكير الإيجابي في شأن نفسك، وأن تُشرِك الآخرين في أحداثك الأسعد، وأن تستمتع بكل تجربة إيجابية في حياتك. إذا استخدمتَ لغتك – حواراتك الداخلية ومحادثاتك مع الآخرين، وكلماتك، وكلامك – بشكلٍ تفاؤلي وإيجابي، ستجد نفسك مُتحرِّكاً في اتجاه أكثر تعزيزاً للحياة.
هل يمكن للتفكير الإيجابي أن يعطي عكس النتائج المرجوّة؟ نعم، خصوصاً إذا تورّطت في المبالغة. قد يبدأ الناس في عدم الثقة بك لآن الاستعمال المفرط للكلمات الإيجابية المتطرّفة في الكلام أو الكتابة يمكن أن يكون إشارةً على كونك مُخادِعاً. يحدث هذا في أحيان كثيرة في مجالي التواصل والإعلان في العمل، وليس السبب في ذلك أنّ عامّة الناس قد أصبحوا أكثر ذكاءً. إنها فقط وظيفة طبيعية للدماغ، المُصمَّم بصورة خاصة للبحث عن الكذب في وجه الشخص أو نبرة صوته. حلّ مشكلة التواصل هذه هو أن تكون إيجابياً، ولكن صادقاً. لست بحاجة إلى أن تُفرِط في الحماسة، لأنك إذا كنت مقتنعاً حقاً بالمنتَج أو الخدمة التي تقدّمها – إذا كانت كلماتك تبدو حقيقة بالنسبة إليك – فإنّ الشخص الآخر سيتمكّن من حدس صدقك من تلميحات التواصل غير اللفظية الصادرة عنك.
إليك بعض الأمثلة لكلمات يمكنها أن تتسبّب في إعراض أصدقاء أو زبائن مُحتمَلين عنك: مذهل، ممتاز، هائل، خيالي، لا يُصدَّق، مدهش، عظيم، استثنائي، فخم، رائع. ومن سخرية القدر أنّ الكلمات السلبية المتطرِّفة، خصوصاً إذا كانت موجّهة نحو الخصم، تُعطي المتكلِّم، على ما يبدو، مصداقيةً أكبر في عينَيّ المستمع من خلال التشكيك في الخصم. إنّه مثالٌ آخر فقط لقوة لا.
يمكن للناس أيضاً أن يكتسبوا مناعةً ضدّ استعمالهم المفرط لكلمات إيجابية أو سلبية قوية، حيث ينقص إدراكهم وحساسيتهم، ولهذا نجد أنّ المدمنين على التذمُّر يكونون غالباً غير مدركين لسلبيتهم وللضرر العاطفي الذي يسبّبونه.
- يمكن للكلمات أن تُغيِّر جيناتك:
كما ذكرنا آنفاً، يمكن لكلمات إيجابية معيّنة، إذا رُكِّز عليها لمدّة 10 إلى 20 دقيقة يومياً، أن تؤثِّر على التعبير الجيني في دماغك. في دراسة حديثة، اكتشف فريق الدكتور هربرت بنسون في مستشفى ماساشيوستس العامّ أنّ تكرار كلمات ذات معنى للشخص الذي يكرّرها يمكن أن يُشغِّل فعلياً جينات تقليل الإجهاد. ولكن عليك أن تبقى في حالة من الاسترخاء العميق. من أجل مساعدتهم على بلوغ هذه الحالة، تمّ تعليمهم تقنية استجابة الاسترخاء لبنسون. إنها سهلة جدّاً، وقد وصفنا شكلاً مختلفاً لها في الشريط الجانبي المُرفَق.
- شغِّل جيناتك، وأخمد إجهادك:
اجلس في كرسي مريح وأغمض عينيك. خذ عشرة أنفاس عميقة بينما تُرخي كلّ عضلة في جسمك. والآن كرِّر بينك وبين نفسك، بصمت أو بصوت عال، كلمة أو عبارة قصيرة تمنحك شعوراً بالسكون، أو السلام، أو الفرح. واصل التمرين لمدّة 10 إلى 20 دقيقة بينما تتنفّس ببطء من خلال أنفك. ومتى ما راودتك فكرة أو مشاعر مشتِّتة، لاحظها فقط من دون اعتبار ودعها تمرّ بينما تعود إلى تكرار كلمتك أو عبارتك. عندما تنتهي، افتح عينيك ولاحظ كيف تشعر. بعد بضعة أسابيع من التمرين، ستشعر أنك أكثر استرخاءً وتيقُّظاً، وأقلّ قلقاً واكتئاباً. وقد تجد حتى إنك تفقد بعضاً من رغبتك في التدخين، أو الإفراط في الأكل.
تمكّن الجميع، بمن فيهم المبتدئون الذين لم يمارسوا أبداً أيّ شكل من التأمل أو استراتيجيات الاسترخاءن من تغيير تعبيرهم الجيني في غضون ثمانية أسابيع. أُعطِي كلُّ خاضع للتجربة قرصاً مدمجاً CD مدّته 20 دقيقة لإرشاد المستمعين خلال تمارين مشتملة على تنفّس بطني (من طريق حركات الحجاب الحاجز)، و"مسح للجسم" حيث يوجّه الشخص انتباهه عمداً إلى مناطق التوتّر في الجسم، وتكرار كلمة أو عبارة تولِّد إحساساً بالسلام وحُسن الحال لذلك الشخص. اقترح الباحثون أنّ هناك ممارسات أخرى، بما فيها أشكالٌ من التأمُّل، والدعاء المتكرِّر، واليوغا، والتاي تشي، وتمارين التنفس، واسترخاء العضلات التدريجي، والتغذية الراجعة الحيوية، والتخيُّل الموجَّه، لها تأثيرات مماثلة على جيناتنا. وكما سترى في الفصل الثامن، يشتمل تمرين التواصل التعاطفي خاصّتنا على تمرين استرخاء مماثل.
ماذا عن الكلمات السلبية؟ هناك دليل متزايد على أنّ التعابير السلبية القوية يمكن أن تعيق التعبير الطبيعي للجينات التي تنظِّم واحداً من أهمّ مراكز اللغة في الدماغ، أو ما يُعرَف باسم منطقة ويرنيك. هنا حيث نتعلّم كيفية تفسير معاني الكلمات. يبدو أيضاً أنّ اللغة العدائية تشوِّش عمل جينات محدّدة تُعتبَر فعّالة في إنتاج الكيماويات العصبية التي تحمينا من الإجهاد الفسيولوجي، وإذا تعرّضنا لهكذا لغة خلال مرحلة الطفولة، فإنّ بإمكانها أن تُضعِف قدرتنا على مجابهة القلق، والاكتئاب، والخوف. تبيّن أيضاً أنّ سماع اللغة العدائية يؤدِّي إلى أفكار سلبية، يمكنها أيضاً أن تتلف دماغنا.
- هل يمكن للكلمات غير المحسوسة Subliminal أن تؤثِّر على السلوك:
وفقاً للأبحاث الجديدة، نعم. فالكلمات والعبارات المكرَّرة بصوت خفيض بالكاد يمكننا سماعه يمكن أن تُنتج تغييرات دقيقة في المزاج. ستحفِّز الكلمات السلبية القلق، بينما بإمكان الكلمات الإيجابية أن تخفضه، ولكنّ الدراسات تُظهِر بصورة ثابتة أنّ الدماغ يُولي انتباهاً أكبر للكلمات السلبية، حتى لو لم نكن مدركين أننا سمعناها. يعزّز هذا حجّتنا بأنّ أيّ شكل من أشكال السلبية، مهما كان دقيقاً، يمكنه أن يُفسِد علاقة. قد نتمتم بشكوى همساً، ولكنّ صوتنا ووجهنا سيفشيان أمرنا.
من الناحية الإيجابية، يمكن استخدام الرسائل غير المحسوسة لتحفيزنا على القيام بعملٍ أفضل. وفي العلاقات الشخصية، يمكن لكلمات الحُبّ غير المحسوسة أن تستحثّ أفكاراً مرتبطة بالمودّة والألفة. لا يجب أن يثير هذا دهشتنا. المدهش حقاً هو ما يبدو من أنّ هذه الكلمات تحسِّن استراتيجيات حلّ النزاعات لدى الشخص! والواقع أنّ مجرد سماع اسم شخص حبيب، حتى لو كنّا غير واعين لذلك، سيحفِّز الدوائر المرتبطة بلعاطفة الجيّاشة، بينما لا يؤدي سماع اسم صديق إلى تحفيز هذه الدوائر.
لهذا الأمر نتائج قوية في ما يختصّ بالعلاقات الحميمة، لأنّنه يخبرنا كم هو هامّ أن ننقل مشاعرنا الحبّية لمن نحب قدر الإمكان. للأسف أننا اعتدنا غالباً على أخذ أحبائنا كأمرٍ مسلَّم به، ولهذا يكون من شأننا غالباً أن نفصح عن مشاعرنا فقط عندما يزعجنا شيء.
لكنّ الكلمات غير المحسوسة ليست فعّالة بقدر الرسائل المقنِعة الملفوظة أو المكتوبة بشكلٍ واضح. في جامعة كاليفورنيا، في لوس أنجلوص، وصل الباحثون الخاضعين للتجربة بماسح fMRI وطُلِب إليهم أن يقرأوا ويستمعوا إلى رسائل تُشجِّع استعمال الواقي الشمسي. وُجِد أنّه كلّما كان تعرُّض الخاضعين للتجربة إلى الرسائل أكثر، كان استعمالهم للواقي الشمسي أكثر في الأسبوع التالي للتجربة، بالرغم من أنهم لم يُشجِّعوا على فِعل ذلك من قِبَل الباحثين. وكرّر الباحثون تجربتهم مع المدخِّنين، ووجدوا أنّ جميع المدخِّنين قلّلوا عدد السجائر على مدى الشهر التالي للتجربة، وأظهر أولئك ذوو الزيادة الأكبر في النشاط الدماغي انخفاضاً أكبر في التدخين.
- تحويل الواقع:
من خلال الاحتفاظ بفكرة إيجابية أو تفاؤلية في ذهنك، أنت تُحفِّز نشاط الفصّ الجبهي. تشتمل هذه المنطقة على مراكز اللغة التي تتصل مباشرة بالقشرة الحركية المسؤولة عن دفعك إلى القيام بفعل. وكما أظهر بحثنا، كلّما ركّزت لفترة أطول على تلك الكلمات الإيجابية، كنتَ أسرع في التأثير على مناطق أخرى في الدماغ. تبدأ وظيفة الفصّ الجداري بالتغيُّر، وهذا يغيِّر إدراكك لنفسك وللناس الذين تتفاعل معهم. ستؤدّي نظرتك الإيجابية بشأن نفسك إلى جعلك ترى الأشياء نحو الشكّ والارتياب. ومع مرور الوقت، سيتغيّر تركيب المهاد، ونحن نعتقد أنّ هذا يؤثّر على طرقة إدراكك (أو فهمك) للواقع.
دعني أعطيك مثالاً. إذا ركّزت تكراراً على كلمة سلام، بأن تقولها بصوت عال أو بصمت، ستبدأ في اختبار إحساس بالسلام في نفسك وفي الآخرين. سيستجيب المهاد لرسالة السلام الواردة هذه وسيرحّل المعلومة إلى بقية الدماغ. ستُطلَق كيماويات السرور مثل الدوبامين، وسيُحفَّز نظام المكافأة في دماغك، وتتلاشى المخاوف والشكوك، وسيسترخي كلّ جسمك. وإذا مارست هذا التمرين بصورة ثابتة لفترة من الزمن، سينمو إحساسك بالتعاطف والحنوّ. والواقع أنّ بعضاً من أحدث الدراسات تُظهر أنّ هذا النوع من التمارين سيزيد سماكة قشرتك العصبية ويُقلِّص حجم لوزتك الدماغية، المسؤولة عن آلية المواجهة أو الهروب في دماغك.
يُظهر بحثنا المستخدِم مسح الدماغ أنّ التركيز والتأمّل في الأفكار، والمشاعر، والنتائج الإيجابية يمكن أن يكون فعّالاً أكثر من أيّ دواء في العالم، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بتغيير العادات، والتصرّفات، والمعتقدات القديمة. ووفقاً لأفضل ما توصّلنا إليه من معرفة ومعلومات، فإنّ العملية بأكملها تُقاد بعمليات الدماغ المستندة إلى اللغة.
بتغيير الطريقة التي تستعمل بها اللغة، أنت تغيِّر وعيك، وهذا بدوره يؤثِّر على كلّ فكرة، وشعوره، وتصرّف في حياتك. ومع الوقت، قد تبدأ حتى في تحسين الذكريات المقيِّدة والمزعجة بالتحدّث عنها بطريقة إيجابية وخالية من التوتُّر. وعندما تقوم بهذا، تتغيّر الذكرى القديمة وتُخزَّن بطريقة مختلفة قليلاً. ثمّ، في المرة التالية التي تستعيد بها هذه الذكرى، ستراها مشتملة على بعضٍ من اللغة الإيجابية الجديدة التي شفّرتها بها.
تبيّن أنّ إعادة التركيز الإيجابية، والتوكيدات الإيجابية، وتمارين الإدراك المستندة إلى القبول، والاسترخاء، والتنويم المغنطيسي، والتأمّل فعّالةٌ جميعها في إعاقة التأمّلات السلبية والأفكار الباعثة على الاكتئاب، ولهذا ما المانع من شملها في أعمالنا اليومية الروتينية؟ بتغيير لغتك الداخلية، يمكنك أن تحوِّل الواقع الذي تعيش فيه.
- منع التأمُّلات السلبية:
من أجل إضعاف التأمُّلات السلبية، يوصيك روبرت ليهي، وهو بروفيسور سريري في علم النفس في كلية طبّ ويل كورنيل، بما يلي:
1- اسأل نفسك إن كان التفكير السلبي قد ساعدك أبداً في الماضي. عادةً ما تكون الإجابة لا.
2- دوِّن سلبيتك، ثمّ ضع الورقة جانباً. ولاحقاً، عندما تنظر إليها، لن تبدو المشكلة كبيرة بالقدر نفسه.
3- اسأل نفسك إن كانت المشكلة حقيقية أو خيالية. هل هي جزءٌ من الحاضر، أو جزءٌ من الماضي. تقبَّل الماضي ودعه يذهب.
4- بدلاً من التركيز على مشكلتك، ركِّز على هدف حالي يمكنك إنجازه.
5- تقبَّل حقيقة أنّ العديد من المشاكل هي بغيضة، وصعبة، وجائرة، وأنّ بعضها لا يمكن أن يُحلّ.
6- خذ فرصة وركِّز على شيء ممتع لتفعله.
إنّ الدماغ البشري مبدعٌ إلى حدّ لا يُصدَّق، وهو يتخيّل سيناريوهات إيجابية وسلبية طوال اليوم. ولكنّ معظمنا غير مدرك لهذه الأشكال من الثرثرة العقلية. وحتى عندما نكتشفها، يمكنها أن تستمرّ في تكرار نفسها مثل أخدود متهرِّئ في أسطوانة تسجيل. لماذا؟ لأنّ أنماط التفكير التكرارية تشكِّل ممرّات عصبية تقاوِم التغيير إلى حدّ كبير. ولهذا السبب علينا أن نفرض باستمرار أساليب جديدة للتفكير، والتكلُّم، والاستماع من أجل السماح لدوائر عصبية جديدة بالتشكُّل.
تلك هي قوة الخيال: يمكنه أن يوقعنا في شرك حلزوني نازل من الأفكار السلبية، أو يمكننا استخدامه لتغيير عقود من السلوك المعتاد الذي لم يعد يفيدنا.
- تدبُّر كلماتنا:
الخطوة الأولى هي أن نميِّز أنّ لدينا أفكاراً سلبية تتدفّق من دون وعي عبر ذهننا. ومع ذلك فإنّ كلّ ما علينا فعله هو أن نحوِّل إدراكنا إلى الباطن ونتبه جيِّداً لعمليات الدماغ المشغول. ليس علينا أن نفعل أيّ شيء بما نراه أو نسمعه. علينا فقط أن نراقب، من دون حُكم، التغيّرات اللحظية لأفكارنا ومشاعرنا وأحاسيسنا. هذا هو التعريف الاصطلاحي للتيقُّظ، وهو أداة هامّة جدّاً عندما يتعلق الأمر بتغيير الطريقة التي تفكّر فيها ونشعر بها.
قم بهذه التجربة الآن. أغمض عينيك وانظر كم من الوقت يمكنك أن تبقى خالي الذهن قبل أن تطرأ على ذهنك فكرة أو شعور. إذا كنت تمارس هذا التمرين لأوّل مرّة، فقد تتمكّن من الجلوس في صمت داخلي كامل لمدّة 5 أو 10 ثوان فقط. وحتى إذا كنت متمرِّساًً في التيقُّظ، نادراً ما ستتمكّن من الاستمرار في صمتك الداخلي لأكثر من 30 ثانية قبل أن تداهمك الثرثرة العقلية.
ليست الغاية من التيقُّظ أن تبقى صامتاً، بل أن تصبح مدركاً للتغيُّرات المستمرة للوعي الآخذة في الحدوث، وهو وعي تقوده اللغة في الدرجة الأولى ومليء بالأفكار، والاعتقادات، والتخمينات، والخطط، مع بصيرة أو اثنتين بين الفينة والأخرى. بتعلُّم كيفية المراقبة السلبية لكلّ هذا الصوت الداخلي، ستصبح مدركاً للأصوات الأخرى التي تجاهلها عقلك.
بعدئذٍ – حين تظنّ أنك قد أسكتّ عقلك – قد تثور فيه شكاوى متنافرة. على سبيل المثال، قد تجد نفسك تفكِّر، "هذا غباء! لدي أمور أهمّ لأقوم بها!". في ممارسة التيقُّظ، ستلاحظ هذه الفكرة، ثمّ ستسمح لها أن تتلاشى بينما تعيد انتباهك مجدداً إلى حالةٍ من الصمت الداخلي، أو إلى نفسك. ولكن لن يمرّ وقتٌ طويل قبل أن تَرِد فكرةٌ أو شعورٌ آخر، مثل ظهري يؤلمني!
يبدو أنّ حوارك الداخلي لا يتوقّف أبداً، وليس عليه ذلك. مهمّتك فقط أن تراقب، من دون حُكم. إنّه شكلٌ فريد من الإدراك يجعل فصَّيك الجبهيَّين يضيئان. عندما يحدث هذا، تُكبَح قابلية الدماغ على توليد مشاعر القلق، أو النزق، أو الإجهاد. وهكذا، عندما تتعلّم كيف تبقى في هذه الحالة من الإدراك أثناء عملك، ستنجز المزيد من دون أن تُنهَك. ستشعر بمزيد من الرضا عن نفسك وعن عملك، ووفقاً لبعض أحدث الأبحاث، ستتصرَّف بمساحةٍ أكبر من الآخرين. وكما علّق أحد باحثي الشركات، سيحسِّن هذا إجمالي السعادة القومية. هذا هو علم الاقتصاد العصبي لعلم نفس الأعمال، وتُظهِر الأبحاث أنّه عندما يراقب المرء الأصوات الداخلية للوعي بتيقُّظ ويُغيِّرها، فإنّ التعاون والإدارة في الشركة يتحسّنان.
عندما تضيف التفكير الإيجابي إلى هذه المعادلة، يمكنك بالفعل أن تضيف سنتَين إلى عمرك. هذا ما توصّلت إليه مايو كلينك المُعتَبرة، التي تابعت 7000 شخص لأكثر من أربعين سنة. ولهذا اختر كلماتك بحكمة، لأنّها ستؤثّر على سعادتك، وعلاقاتك، وثروتك الشخصية.
ارسال التعليق