• ٣٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تأملات في حديث «الدين النصيحة»

تأملات في حديث «الدين النصيحة»

◄لقد جعل الله سبحانه وتعالى النصيحة من صفات المُرْسَلين، وألزَم بها عباده الصالحين، فالنصيحة هي دعامة من دعامات الإسلام، وهي لبّ الدِّين وجَوْهر الإيمان، وهي دليل على حُبّ الخير للآخرين وبُغض الشرّ لهم، وفي النصيحة صَلاح للمجتمع لما فيها من تواصٍ بالحق والفضل والصبر، وفيها صلاح لنفس الناصح، لأنّ النصيحة الصادقة لا تأتي إلا مع اشتغال النفس باستكمال الفضائل فهو مِن تمام النُّصح.

إنّ النصيحة هي أحد الحقوق التي يجب على المسلم أن يؤديها لإخوانه المسلمين. قال رسول الله (ص): "حقّ المسلم على المسلم ستٌّ، قيلَ: ما هُنَّ يا رسول الله؟ قال: إذا لقيتَهُ فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْهُ، وإذا استنصَحَكَ فانْصَحْ لَهُ، وإذا عَطَسَ فَحَمدَ الله فشَمِّتْهُ، وإذا مَرِضَ فَعُدْهُ، وإذا مات فاتَّبِعه". وللنصيحة جملة من الآداب، منها ما يتعلق بالناصح، ومنها ما يتعلق بالمنصوح.

ان النصيحة من أخلاق الأنبياء والأمناء، وميزة الأتقياء وسمة الفُضلاء. وقد حَثّ الدين على النصيحة وأمر بها، وجعلها شاملة لمفهوم الإيمان والإسلام والإحسان، بل إنّ هذه الأمور الثلاثة تدخل في مفهوم النصيحة، كيف لا والنصيحة تشمل كلّ ما هو متعلق بالأحكام العملية والعقدية وأبواب الدين..

فالنصيحة هي كلمة جامعة يُراد بها الخير للمنصوح له، وكما قال البعض فليس يمكن أن يُعبّر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمعها غير هذه الكلمة. وقول رسول الله (ص): "الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ". أي عماد الدين وقوامه. فالنصيحة هي القاعدة التي تستند إليها الشريعة الإسلامية، وهي عمادها، وهي فرض يُجزئ فيه مَن قام به، ويسقط عن الباقين. والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنّ يُقبل نصحه ويُطاع أمره وأمن على نفسه الأذى.

ولابدّ أن يبتدئ الناصح بنصح نفسه أوّلاً، وأن يكون عالماً بما ينصح به مُتفقّهاً في دينه. وممّا تجدر الإشارة إليه في هذا المَوْضِوع، هو ما يقوم به بعض الناس في النُّصح والإرشاد وهم على جَهَالة من أمرهم، بل إنهم قد يتطاولون على طالب العلم مُشدّدين بذلك ومُصرّين على موقفهم، فلابدّ للإنسان من التريُّث في ما يقول والتأكد من نصيحته وعلمه. وللنصيحة أثر في استقرار المجتمع ووحدته، فيصبح المجتمع على يد واحدة، ينصح بعضهم بعضاً متى ما انحرف أحدهم عن الطريق السليم، ما يُسهم بشكل كبير في وحدة المجتمع.

 

أنواع النصيحة:

من حديث رسول الله (ص)، نستطيع أن نستنبط أنّ النصيحة تُقسم إلى أربعة أقسام.

أوّلاً: النصيحة لله عزّ وجلّ. والمقصود من النصيحة لله عزّ وجلّ، أن ينصرف الإنسان إلى الأيمان بالله تعالى، ونفي الشِّرك عنه، وفعل ما أمرنا الله عزّ وجلّ به، واجتناب ما نهانا عنه، والإيمان بصفاته وكتابه، واعتقاد ربوبيته بأنّه هو الرزّاق العفو الغفور المدبّر المُحيي المُميت، ولا يُشرك به شيئاً. ولا يُقصد بالنصيحة لله ما قد يتراود إلى أذهان بعضهم، فالله تعالى غَنيٌّ عن العالمين. وحقيقة هذه الأوصاف راجعة إلى العبد في نصحه نفسه، فإنّ الله سبحانه وتعالى غَنيٌّ عن نصح الناصح. وممّا تجدر الإشارة إليه، أنّ النصيحة لله تكون في الاعتقاد بأنّ الله تعالى هو الرزّاق المُعطي، فلا يجب التوسُّل والطلب من أحد إلا الله تعالى.

ثانياً: النصيحة لكتاب الله: وهو القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى، وتكون النصيحة للقرآن الكريم بالإيمان، بأنّه كلام الله تعالى مُنَزَّل من عنده، ولا يشبهه شيء من كلام البشر، وتعظيمه وتلاوته حق تلاوته، والخشوع عند قراءته، والعمل بأحكامه التي أنزلها الله تعالى، وفَهْم علومه والاعتبار به والتفكُّر فيه عَزّ وجلّ، وكلّ ما فيه تعظيم للقرآن، فهو مطلوب وهو من النصيحة لكتاب الله.

ثالثاً: النصيحة لرسول الله (ص): أما النصيحة لرسول الله (ص) فتكون بالإيمان به وبنبوّته وأنّه مُرسل من عند الله تعالى، والاقتداء به والاعتقاد بأنّه معصوم في ما يبلغ من عند الله تعالى، وأنّه أعظم الخلق وأشرفهم وأتقاهم إلى الله تعالى، ويخرج من ذلك ما يحدث في أوساط المسلمين من غلوّ في الدين وخروج على سنّة رسول الله (ص) وتشريعاته. فرسول الله (ص) ليس في حاجة إلى النصيحة فهو الناصح والقائد، إنما تكون النصيحة للرسول (ص)، في ما سبق ذكره.

رابعاً: النصيحة لأئمة المسلمين وعامّتهم: أما النصيحة لأئمة المسلمين فهي على قدر الجاه والمنزلة عندهم، فإذا أمن من ضرّهم فعليه أن ينصحهم، فإذا خشي على نفسه فحسبه أن يُغير بقلبه، وإن علم أنّه لا يقدر على نصحهم فلا يدخل عليهم. وتكون النصيحة لأئمة المسلمين بطاعتهم في ما لم يحرم الله، والحفاظ على بيعتهم. أما النصيحة لعامّة المسلمين فتكون بإرادة الخير لهم، وتعليمهم وتعريفهم، وهدايتهم إلى الطريق السليم. ومن الناس مَن لا يَقبَل النصيحة، لذلك ممّا يجدر للناصح أن يقوم به، أن يختار الوقت المناسب والأسلوب المناسب للشخص المناسب، وأن يستفتح نصيحته بالكلام الطيّب والمدح والثناء للمنصوح.

 

آداب النصيحة:

ما يجدر معرفته أنّ النصيحة لها آدابها، ووقتها، لذلك لابدّ للمسلم أن يتّسم في نصيحته لأخيه المسلم بخصال عديدة، أهمها:

-         أن يقصد بالنصيحة وجه الله تعالى، فيستحضر النية أن تكون هذه الموعظة لرفع راية الإسلام وتوجيه الناس للخير.

-         أن يكون عالماً بهذه النصيحة التي سيؤديها من الكتاب أو من السنّة، وعنده الإتقان في هذه المسألة التي سينصح فيها. وهذا يؤكد ما تَقَدَّم من كلام أنّه يجب على الناصح أن يكون عالماً بنصيحته متفقّهاً فيها.

-         أن تكون النصيحة برفق وأدب ولطف، لما في ذلك من إسهام في تَقبُّل الطرف الآخر النصيحة، فقد قال تعالى: (.. وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ...) (آل عمران/ 159).

-         أن يكون هذا النُّصح سرّاً لا علانيةً أو جهاراً، لدرء المفاسد التي قد تحصل، فلا يُقصد بهذه النصيحة التشهير أو الإهانة.

-         عدم التعيين وتوجيه الخطاب المباشر، لما في ذلك من الاستفزاز المؤدي إلى عدم قبول النصيحة، وإنما يتكلم عن الموضوع بصفة عامة، كما فعل رسول الله (ص).

-         اختيار الوقت المناسب لأداء النصيحة، وهذا عامل مهم جدّاً حتى يتقبّل الطرف الآخر النصيحة.

-         الصبر على الأذى في النصيحة، فقد تجد المُتقبِّل وغير المتقبّل للنصيحة، وليكن الناصح مستعداً لمواجهة الأذى الذي قد يصيبه، فلا يملّ ولا يكلّ، وليستمر في ذلك، فهو على خير كبير.►

ارسال التعليق

Top