• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

برد الغياب

برد الغياب

في إحدى الليالي اللندنية الباردة، ارتدت معطفها وهمت بالخروج. هي تحب البرد وتجذبها ارتعاشة الشتاء تجد فيها عزاءً في غيابه، تمشي في الشوارع الخالية، ترمي بعينيها في الزوايا بحثاً عن حركة بشرية تبعث فيها الحياة، تبعدها عن عالم اليقظة الذي يصطادها بين الفينة والأخرى. ولكن لا جدوى، فبينما الكل يختبئون في مخادعهم، تأخذها قدماها إلى ملعب كرة القدم الذي كان يرتاده، نعم إنها تستسلم لعالم اليقظة، بل إنها تستدعيه أيضاً بنفسها.

تقترب من سياج الملعب، تعانقه بأصابعها، تعلق أشواقها بهذا السياج وتحني رأسها إلى الأمام. تمعن النظر في هذا الفسيح، في حين أنها تحفظ أركانه التي كان يجلس فيها وخطوطه التي كان يعدو حولها، تهب نسائم باردة، وبين لمحة وأخرى من عينيها، يظهر طيفه أمامها في الملعب.. ينتفض جسدها بأكمله وتتسع عيناها، تتسارع أنفاسها كما دقات قلبها. ما زالت عيناها ترسمان طيفه أمامها، نجحت في إشعال الحنين الذي دفع بها إلى هز الشباك محاولةً اختراقه، بدأت تهزها أكثر فأكثر إلى أن تلاشى طيفه مع النسائم الباردة. ما زالت تحدق، ما زالت متمسكة بالشباك، تجمدت في مكانها وبدأت تطوقها حلقة الألم ومع مرور الدقائق كانت هذه الحلقة تزداد ضيقاً وتزيدها اختناقاً. بعد لحظات، انتفضت عن السياج رجعت إلى الوراء خطوات عدة، رفعت نظرها إلى السماء، رددت بصوتٍ خافت: "إلهي.. اشتاق له فأين هو؟".

استجمعت شتاتها ومضت إلى مقعد قريب لتجلس عليه كان على بعد بضعة أمتار. سارت مكتفة اليدين. ليس دفئاً، فبرد الغياب لا يعترف بهذا التكتيف ولا بالأغطية والمعاطف، برد الغياب يقتله دفء حضوره فقط، وبينما هي تتعثر بخطواتها لتصل إلى المقعد، أحست باهتزازه في جيبها. مدت يدها فأخرجت هاتفها لتجد رسالةً منه، فتحت الرسالة جالت بين سطورها مرة مرتين وثلاثاً، ارتجف قلبها وأدمعت عيناها، كتب لها: "آلاء.. أشتاق إليكِ فأين أنت؟".

ارسال التعليق

Top