◄يمثل النقل العمومي جزء أساسي من حياة الناس في المدن، إذ هو عماد حياتهم في تنقلاتهم اليومية من وإلى أعمالهم، غير أن الوسيلة الاقتصادية هذه، لا تلبث أن تتغير بتغيير الفصول والمناسبات، وبالأخص في شهر رمضان المبارك الذي تتغير فيه وقع الحياة حيث يلهث الناس في اللحاق بأعمالهم صباحا، كما يسرعون للحاق بمنازلهم مساء للإفطار.
ويتأثر إيقاع الحياة بالنسبة للصائمين عموما بهذه الأجواء الرمضانية، فتختلف انفعالات الناس وردود فعلهم ووقع حياتهم في رمضان، كل بحسب ما يواجه من صعوبات ذاهبا كان إلى عمله أو عائدا إلى منزله.
وهذه العوامل عادة إذا ما اجتمعت لدى أفراد من ذوى الشخصيات الانفعالية، ومن ذوي التمثل الخاطئ للصيام، فقد يجدون أنفسهم على موعد مع التوتر والتشنج والانفعال، وبالتالي يكونون عرضة للتسبب في اندلاع مشاكل ومشادات خاصة إذا ما تعرضوا إلى أماكن مزدحمة كوسائل النقل العمومي.
فالحر والجوع والاكتظاظ، وضغط الوقت والعجلة والتعب، جميعها عوامل تحول البعض إلى قنبلة موقوتة خاصة في بيئة مثل بيئات وسائل النقل العمومي، حيث يمر الوقت ثقيلا بطيئا ومتعبا، ويصبح التحكم في الأعصاب لدى البعض غاية في العسر في الشهر الكريم.
مسرح للغضب
في وسائل النقل العمومية نجد الصائم العابد والصائم المعتاد، والمشكلة عادة تقع مع الصنف الثاني من الناس، خاصة إذا وضعوا في إطار يضاعف من توترهم، لتغدو وسائل النقل العمومية مسرحا لمتابعة قصصهم اليومية تقريبا مع الغضب.
قد تبدأ المشكلة مع هؤلاء الناس من شباك التذاكر، فإن وجد صفا طويلا أمامه، كان ذلك فاتحة لبداية انفعاله، وبداية للتحضير لعاصفة قادمة قد تنفجر قريبا وإما لاحقا. فقد لا يطيق هؤلاء صبرا إذا تم تبجيل أحد الضعفاء سواء أكانوا من كبار السن أو غيرهم لاقتطاع تذكرة لهه قبله، ما يتسبب في تأخيره أكثر وبالتالي عدم تحصيله للحافلة أو القطار أو المترو أو غيره من منظوره، فيتضاعف توتره ويتعالى منسوب إساءته للآخرين، فيؤذي بذلك نفسه وغيره.
وقد تحدث المشادة على شباك التذاكر نفسه مع الموظف لثقل حركته وهو يهم باستلام النقود واقتطاع التذكرة مثلا، وهذا عامل قد يستفز البعض، ويعطل الطابور المنتظر للدور وبالتالي يضاعف من متاعب البعض.
أما بوابة القطار أو الحافلة أو المترو، فتحد آخر لكثيرين، فالتسابق لبلوغ المقاعد وركوب وسيلة النقل سريعا قبل اكتظاظها بالناس، هو إطار متعب لكثيرين ممن لا يتخلفون يوما عن هذه الوسائل، وكذلك عامل محفز لاندلاع مشادات بين البعض، وفي هذا أيضا متاعب وضغط على مستعملي هذه الوسائل.
وكذلك المقاعد المحدودة داخل هذه الوسائل والمحفوفة بحشود الناس من كل الجوانب، تعزز من متاعب اليوم لدى العديدين، وتجعل آخرين على أهبة الاستعداد لدخول في مشاحنات لأسباب أحيانا يمكن تجاوزها بسهولة، هذا غير ما قد يطرأ من احتمالات تعطل أو توقف وسائل النقل مما يستحيل على الصائم تحمله بأي شكل من الأشكال.
ورغم التوتر الذي ينتظر الصائم في مثل هذه المواقف، إلا أن الأمر لا يخلو من الطرافة رغم صعوبته في بعض الأحيان.
في الذاكرة
رغم أن المشادات والغضب خاصة في الشهر الكريم أمران غير مقبولان ومفسدان للصيام وروحانيته، إلا أن هناك جوانب في هذه الحكايات التي يتناقلها الناس فيما بينهم لا تخلو من طرائف.
فملاحقة الحافلات وهي تهم بمغادرة المحاطات وقرع أبوابها لتحصيل فرصة الالتحاق بها، وهي تكاد تعجز عن الحركة من كثرة المتكدسين بداخلها، مشهد إذا أعيد بالصور البطيئة قد يضحك حتى صاحب الفعل نفسه.
والعصبية التي تصيب البعض في مرحلة الحصول على تذكرة قد تقود البعض إلى التمادي في انفعالهم وركوب الحافلة أو القطار دون اقتناء تذكرة ليكون بعد الصعود على موعد مع موظف تفقد التذاكر، وبالتالي تكبد دفع ضريبة هذا التجاوز أضاعف سعر التذكرة نفسها.
كما أن سقوط البعض في شرك الانفعالات وانفلات الأعصاب قد يحملهم على الأقدام على حركات وردود أفعال مضحكة كضرب الخصم بكيس من اللبن أو غيره والتسبب بالتالي في فوضى عارمة والدخول في مشاحنات مع جماهير غاصبة من حوله.
والقصص كثيرة والمواقف مختلفة، لكن الحقيقة تبقى في أن شهر رمضان هو فرصة لامتحان الذوات في كل المواقف التي اعتدنا عليها أو لم نعتدها، وإخفاقنا في الامتحان يعنى أننا لم نستوعب الدرس الرمضاني حق استيعابه. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق