يُحكى أنّ هناك – في غابر الزمان – ثمة معلم يقوم بتدريس ثلة من الطلاب الصغار وكان هذا المعلم يجري دروسه يومياً خارج نطاق الغرف والجدران فيخرج بالأطفال – كلّ صباح – إلى التلال والقفار، حيث الثلوج المتراكمة في فصل الشتاء، والهواء البارد الذي يثلج أصابع اليدين والرجلين، ويقضم بنسيمه القارس الآذان والأنوف.
وهكذا كان يمضي كلّ أيام الدراسة، دون اكتراث باستغاثة الأطفال وطلباتهم بالكف عن الخروج إلى زمهرير الثلوج الباردة.
وتواكبت الأيّام والشهور، حتى شبّ هؤلاء الأطفال وكبروا، وأصبحوا رجالاً في المجتمع، وشاءت الأقدار حتى أصبح أحدهم رئيساً للبلاد، يحكم بما يشاء، ويأمر فيطاع.
وبعد وصوله إلى سدة الحكم أمر فوراً بالقاء القبض على معلمه أيّام الصغر، وأودعه السجن انتقاماً منه لما كان يفعل في إخراجهم إلى الأماكن الثلجية الباردة أثناء الدروس.
ومضت الأيّام، والمعلم يعيش رهن الاعتقال، وتحت غضبة الرئيس الحاكم، حتى شاءت الأقدار وهجم جيش من الأعداء على البلاد، فخرج الرئيس يقود كتائب المقاومة ويدير الصراع حتى استطاع أن يرد كيد الأعداء في معركة مصيرية خطرة وبالطبع كان الفضل كلّه – في الانتصار – يرجع إلى شخصية القائد الصلدة القوية، التي كانت مثالاً رائعاً للمقاتلين الذين تجلدوا في مقاومة العدو برغم هطول الثلوج وقساوة الأجواء الباردة.
وحينما عاد الرئيس يقود كتائبه المنتصرة، توجه فوراً – بموكبه – إلى السجن وأطلق سراح معلمه بيده، وأكرمه إكراماً عظيماً، وأجله إجلالاً كبيراً، لأنّه عرف – حينئذ – الفائدة العظيمة لما كان يفعل المعلم بهم في أيّام الدراسة، ولولا تعوده على البرد وتحمله للثلوج، لما كان باستطاعته أن يكون المثل الأعلى لجنوده في الصبر والصمود والمقاومة، ولولا ذلك لم يكن حليفهم في أكثر الاحتمالات.
المصدر: كتاب الطريق إلى النجاح
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق