شكراً لكِ يا حضرة المديرة على شكي بإبرة أفاقتني من شرودي الذهني المقصود، وجعلتني أتجاوز ترددي في طرح نفسي على ساحة الأدب. في تلك اللحظة، بدأت في لملمة أوراقي المزدحمة بكلماتي والمتناثرة هنا وهناك، ورحت أقوم بترتيبها تحت بند: "كن وبكل ثقة"، لأتطفّل وبكل قوة على عالم الكتابة وأقف على رجلي في المكان الصحيح والمقدّر لي بعد متاهة دامت سنوات. لقد كانت كلماتك كالفيتامين الذي حقنتني به لتعطيني الإصرار على أن أكون. تعلمين أن لديّ المقدرة الأدبية على الكتابة، ولكنك نظرت إليها نظرة متواضعة. وما إن كان تقع في يدك ورقة من كتاباتي، حتى تبدئي في إرسال رسائل التحطيم والتقليل من قدرتي على مواكبة كتاب العصر، وانتقادي على اللغة والتعبير في الكتابة، فتثبطي عزيمتي، وتطفئي شعلتي الحسية. هكذا، قررت ألا أسمعك وأريك ما أكتب وألا أطلب رأيك في ما كتبت. قد تكون شخصيتك القوية، وقدرتك المتميزة على اتخاذ القرارات، وعملك كمديرة بنك، هي التي جعلت منك إنسانة عملية معجبة بنفسها. فقد كانت عادتك اللئيمة في قراءة المقالات والقصص القصيرة أمامي والتعليق عليها بإعجاب، ومن ثم المقارنة بينها وبين ما أكتب، بمثابة إشارة توحين لي من خلالها بعدم مقدرتي على الوصول إلى هذا المستوى يوماً ما. وكنت تستمتعين وأنت ترين حيرتي وعجزي عن المجابهة ولا تدرين أنك، وعن غير قصد، أشعلت نار الأدب في داخلي وفجرت أنهار الإبداع في خيالي، وحررتني من سلطة التردد في دخول هذا العالم بمبالغتك في أحد الأيام في تحدي موهبتي، عندما قلت لي: "إذا نجحت يوماً، وجذبت أنظار القراء، وكان لك اسمك في عالم الكتابة، فإن هذا ما سأراهنّ عليه باستقالتي من عملي وبقائي في المنزل لرعاية إبداعات الكاتب الموهوب". كلمات خرجت من فمك بكل ثقة بأنّها ستكون مجرد كلمات ولن تكون أفعالاً أبداً، فكان ذلك الرهان بوابتي لعالم الخيال والإبداع. فشمّرت عن ساعدي، وشددت على رأسي وانطلقت بطلبي من صديق "صحافي" في إحدى الجرائد أن يساعدني على نشر مقالاتي إن كانت صالحة للنشر، وفاجأني بخبر كان مثل الماء البارد في اليوم الحار بأنّ المقالات ليست صالحة، بل كانت أكثر من رائعة ,ان رئيس التحرير اقترح أن أكون كاتباً مستداماً في الجريدة. وكذلك كانت البداية تحت اسم مستعار "المراهن"، وبعد مرور أشهر عدة أصبح لي قرائي وأولهم "أنت.. عزيزتي" فكانت تبرق عيني في كل مرة تقرئين فيها مقالاً لي تعلقين عليه بإعجاب محاولة استفزازي، ولكن للأسف لم تكوني تلاحظين اختفاء حيرتي وقلقي. وبعد انقضاء سنة ونصف السنة.. أصدرت أوّل رواية لي فكانت "قنبلة الأدب" في فكرتها وأحداثها وحبكة سردها. لم يكن ذلك تعليقي أنا، إنما تعليق كبار نقاد الأدب الذين أشادوا بها كأوّل رواية تصدر عن كاتب مبتدئ، وتنبأوا لي بالمستقبل الذي غفلت أنت عنه. لا بل حاولت مراراً وتكراراً، ونجحت غالباً في هدمه بمعولك، معول التحطيم والإحباط. ها أنت اليوم تدخلين عليّ وفي يدك روايتي ولسانك يلهج بمدى روعتها، لتجدي هديتي لك بمناسبة كسبي الرهان في علبة مغلفة بأشرطة حمراء، فتحتها وأنت تسألينني عن مناسبة الإهداء، لتفاجئي بمسودة الرواية الأصلية، وبنظرة مني، وبأنني لأوّل مرة أبدو قادرة على المواجهة أمام نظرتك غير القادرة على التقاء نظرتي.. ها أنت قد عرفت أنني لن أتنازل عن رعايتك إبداعاتي الأدبية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق