الكلمة.. تجرح أو تشفي.. تضحك أو تبكي. تقدم الأمل أو اليأس. وبالكلمة نستطيع أن نفصح عن أنبل المشاعر أو نعبر عن أعمق العواطف والرغبات.
الكلمة لا تكتفي بخلق المشاعر العاطفية فحسب، بل الأفعال أيضاً. وتأثير الكلمات يعم جميع الناس، كما انّ لكلّ شعب كلماته الخالدة.
وانّ معظم القناعات تتشكل من الكلمات. والكلمات هي التي تبدل القناعات. والكلمات يمكن أن تستخدم لكي نحرّك أنفسنا عاطفياً ولكي نتحدى الصعاب ونبث الحماس والقوة في نفوسنا. ولكي نرفع أنفسنا إلى العمل ونحقق أكبر قدر من الخير في هذه الحياة.
الاختيار الفعّال للكلمات لوصف خبرتنا في الحياة من شأنه أن يعزز العواطف التي تعطينا أكبر قدر من القوة. أما الاختيار السيء للكلمات فمن شأنه أن يضعفنا ويدمرنا بنفس القوة والفاعلية والسرعة. والواقع أنّ معظمنا يختار كلماته دون وعي. حيث يعبر عن نفسه بتردد واحتمالات عديدة فعليك أن تدرك القوة التي تملكها كلماتك إن اخترتها بروية وحكمة. فالكلمات توفر لنا وسيلة التعبير عن خبراتنا ومشاركة الآخرين فيها. لكن معظمنا لا يدرك بأنّ الكلمات التي نختارها بحكم العادة تؤثر على الطريقة التي نتواصل بها مع أنفسنا، وبالتالي على ما نجربه ونختاره.
كما يمكن للكلمات أن تؤذي أنفسنا أو تشعل قلوبنا. ونستطيع أن نبدل أي تجربة عاطفية فوراً باختيار كلمات جديدة نصف لأنفسنا فيها ماهية وطبيعة شعورنا. إذا أخفقنا في اتقان استعمال الكلمات، وإذا سمحنا للعادة غير الواعية بأن تتحكم في اختيارها فإننا نعمل بذلك على التقليل من خبراتنا. مثلاً، إذا وصفت تجربة بأنّها "حسنة إلى حدّ ما" فهذا يعطي التجربة ضعفاً بسبب استخدامك المحدود لقاموسك اللغوي. فالناس الذين يستخدمون قاموساً فقيراً يعيشون حياة عاطفية فقيرة، بينما الناس الذين يستخدمون قاموساً غنياً يعيشون حياة غنية ذات ألوان غنية متعددة.
ويبدو انّك بمجرد تغييرك لقاموسك اللغوي المعتاد أي الكلمات التي تستخدمها باستمرار لكي تصف المشاعر والعواطف في حياتك، يمكنك أن تبدل على الفور كيفية تفكيرك، وكيف تشعر، وكيف تعيش حياتك.
قاموس تحويلي للكلمات:
إنّ الكلمات التي نختارها ونلصقها بتجربتنا هي التي تصبح تجربتنا. لذا فإنّ علينا أن نختار بوعي الكلمات التي نستخدمها في وصف وضعياتنا العاطفية، وإلّا سنعاني من خلق المزيد من الألم بما يفوق ما هو مناسب للحالة.
إننا نستخدم الكلمات لنقدم لأنفسنا من جديد تجربتنا في الحياة. وبإعادة تقديمها فهي تبدل مفاهيمنا ومشاعرنا. لنأخذ مثلاً ثلاثة أشخاص تعرضوا لنفس التجربة، غير انّ أحدهم قال إنّه يشعر بالسخط والثاني بالغضب والثالث بالانزعاج، فإنّ هذا يعني بكلّ وضوح انّ هذه الإحساسات قد تغيرت بترجمة كلّ منهم لها. وبما انّ الكلمات هي الأداة الأولية لفهم وترجمة ما نواجهه، فإنّ الطريقة التي نسمي تجربتنا بها تحوّل على الفور الأحاسيس الصادرة عن جهازنا العصبي لذا ينبغي أن ندرك بأنّ الكلمات تحدث بالفعل تأثيراً كيميائياً حيوياً فينا.
يقول الدوس هكسلي: "تشكل الكلمات الخيط الذي تنتظم عليه تجاربنا وخبراتنا". فتغيير الكلمات التي نستخدمها بإمكانه أن يحدث اختلافاً في تجارب حياتنا. والكلمات التي نستعملها باستمرار تؤثر على الطريقة التي نقيّم بها الأمور، وبالتالي الطريقة التي نفكر بها. لذا من المهم أن ندرك بكّل وضوح انّ الكلمات تشكل قناعاتنا وتؤثر تأثيراً قوياً على أفعالنا. والكلمات هي النسيج الذي تخاط منه كلّ الأسئلة بتغيير كلمة واحدة في السؤال نحصل على الفور على تغيير في الجواب الذي نتلقاه عن نوعية حياتنا.
إنّ الكلمات التي تنتقيها باستمرار تقرر مصيرك. كما أنّ الطريقة التي تمثل بها الأشياء في ذهنك هي التي تقرر نوعية شعورك إزاء الحياة. ولا يمكننا أن ننكر بأنّ قدرتنا على التلفظ بشيء ما تعطيه تجسيداً وبعداً إضافياً، ومن ثمّ إحساساً بكونه حقيقة واقعة. فالكلمات هي أدوات أساسية لتمثيل الأشياء وتقديمها لأنفسنا، وحين لا توجد كلمة فإنّه لا توجد طريقة في غالب الأحيان للتفكير في التجربة التي مرّت أمامنا.
المسميات تخلق عاطفة مطابقة لها:
ينبغي أن نكون دقيقين في الكلمات التي نستعملها لأنّها لا تحمل معاني لنا حول تجاربنا فقط، بل للآخرين أيضاً. فإن لم تقتنع بالنتائج التي تحصل عليها في تواصلك مع الآخرين، فينبغي أن تتحقق من الكلمات التي تستخدمها، واعمل على أن تعيد النظر في انتقائك لها.
وينبغي أن نكون حذرين وحريصين إزاء تقبل المسميات التي يطلقها الآخرون لأنّه ما إن يوضع مسمى على شيء ما فإننا نخلق عاطفة مقابلة لهذا المسمى. وهذا الأمر يصم بشكل خاص فيما يتعلق بالأمراض. حيث انّ الكلمات التي نستخدمها تؤدي إلى آثار كيميائية حيوية قوية. يقول الدكتور نورما كوزنز عن عمله مع الفي مريض في غضون اثني عشر سنة، انّه لاحظ مرة بعد مرة انّه في اللحظة التي يشخص فيها الداء الذي يعاني منه المريض حيث يلصق مسمى بما يعانيه من أعراض فإنّ حالة المريض تبدأ تسوء. فمسميات مثل "السرطان" و"داء في القلب" و"تصلب متعدد" كلّها تؤدي إلى شعور بالفزع لدى المرضى بما يؤدي إلى إحساسهم بأنّ لا حيلة لهم، بالإضافة إلى شعورهم بالقلق والاكتئاب مما يؤثر على فعالية الجهاز المناعي لديهم. كما أظهرت الدراسات بأنّه إذا أمكن تخليص المرضى من القلق والاكتئاب الناجم عن مسميات معينة فإنّ الجهاز المناعي في أجسامهم يظهر تنشيطاً مطابقاً بصورة أوتوماتيكية. وهكذا يتبين انّ الكلمات يمكن أن تنتج المرض كما انّها يمكن أن تقتل. ولذا يجب على الأطباء أن يكونوا حريصين جدّاً ويتصفوا بالحكمة في طريقة تعاملهم وتواصلهم مع المرضى.
ابدأ اليوم وخذ زمام أمورك بيدك، ولاحظ الكلمات التي تستعملها عادة واستبدلها بأخرى تمنحك القوة، بحيث تزيد أو تخفف من وضعيتك العاطفية، كما هو مناسب للحالة. ►
المصدر: كتاب أيقظ قوة عقلك الخارقة/ كيف تتحكّم في طاقاتك الخفية الذهنية والجسمية والروحية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق