أسرة
4- الإحسان إلى الوالدين:
قال تعالى:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا) (الإسراء/ 23-25).
- أمرَ تعالى بالإحسان إلى الوالدين نظراً لما أحسنا للولد في طفولته وصباه وشبابه وفي جميع مراحل حياته، وأوصى بهما في حال الكبر لأنّهما حينئذٍ أحوج إلى البرِّ، والقيام بحقوقهما لضعفهما، فليكونا في كنف الإبن وكفالته، ولا يقل لهما كلمة تُظهر الضجر والبرم بهما، ولا يزجرهما باغلاظ وفضاضة، بل يقول لهما القول الحسن اللّيِّن الطّيِّب وبكلّ أدب ووقار وتعظيم، ويلين لهما جانبه متواضعاً متذلِّلاً خاضعاً من فرط رحمته وعطفه عليهما، وأن يدعو لهما بالرحمة شاكراً لله من أحسناه إليه في تربيته حال الصِّغر، فإن علم الله صلاح الأبناء وقصدهم للبرِّ تجاوز عن سيِّئاتهم.
وإنما جاء التشديد في الوصية بالوالدين لأنّهما أقرب رحماً للإبن وأكثر الناس غاية وتضحية له، وأرفق الناس به صغيراً وكبيراً، ولأنّ علاقة البرّ بهما هي أجمل وأنبل بما يناسب تعب وتحمّل وصبر مَن ضحّى وأعطى كلّ شيء لفلذة كبده.
يقول تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف/ 15).
ونظراً لحرص الإسلام على العلاقة الأبوية البنويّة، أكّد تعالى على الإحسان إلى الوالدين حتى ولو كانا مشركين، بأن يبرّ الإبن والديه وينفق ويشفق عليهما، ولا يطيعهما في معصية الله، لأنّه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق.
5- دائرة الإحسان الإجتماعي الواسعة:
قال تعالى:
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا) (النساء/ 36).
- دائرة الإحسان الإجتماعي في الإسلام أوسع من علاقة برّ بالوالدين، فهي إذ تستوصي بهما خيراً وإنعاماً وإكراماً، توصي كذلك بالإحسان إلى الأقرباء عامّة، واليتامى والمساكين خاصّة. وتولي الجار القريب الذي له أكثر من حقّ: حقّ الجوار، وحقّ القرابة، وحقّ الإسلام، والجار الأجنبي الذي لا قرابةَ بينك وبينه، درجة عالية من الإحسان أيضاً، بل ويمتدّ جناح الإحسان ليطوي تحته رفيق السفر، والجار المُلاصق للدار، والقاعد إلى جنبك في مجلس أو صف دراسي (زميلاً او غير زميل)، ومَن له أدنى صُحبة. يُضاف إلى ذلك الإحسان إلى المُسافر الغريب الذي انقطع عن بلده وأهله إمّا لشحّة ماله أو نفاده نهائياً، وتتساعد لهجة التوصية بالإحسان بالعبيد والإماء وما يقابلهما اليوم من الخادمات والمستخدمين وسائر الأجراء، وكلّ مَن له فضل علينا صغيراً كان الفضل أو كبيراً.
6- رعاية الطبقة السُّفلى:
قال تعالى على لسان قوم نوح (ع):
(قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) (الشعراء/ 111-114).
- الطبقة السفلى في المجتمع هي البسطاء والضعفاء والفقراء والمساكين، ولقد احتجّ الأثرياء من قوم نوح (ع) على رعايته واهتمامه بهذه الطبقة الدونية في نظرهم، فما كان جوابه إلا أن قال أنّه ليس مطّلعاً على السرائر والضمائر، فذلك شأن الله فهو وحده العارِف ببواطن الأمور، ومَن هو أقرب إليه، وبالتالي فقد رفضَ إبعادهم وطردهم من مجلسه.
يقول الإمام علي (ع) في وصيّته لمالك الأشتر (رض) في ضرورة الاهتمام بالطبقة الإجتماعية السّفلى:
"ثمّ الطبقة السُّفلى من أهل الحاجة والمسكنة، الذين يحقّ رفدهم (مساعدتهم) ومعونتهم"[1].
مؤكِّداً أنّ الرعية (الشعب) طبقات لا يصلحُ بعضها إلا بعض.
7- دعوة الأقرباء إلى الصلاح:
قال تعالى:
(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ) (الشعراء/ 214).
- الأقربون أقرب إلى فهم قريبهم وربّما كانوا الأسرع في إجابة دعوتهم، فضلاً عمّا تعطيه دعوة الأقرباء إلى الهدى والإيمان والصلاح من صدقيّة لدعوة الداعية في إرادة الخير لأقربائه وذوي رحمه.
يقول الإمام علي (ع) في اعتبار العشيرة ظهيراً للإنسان المؤمن:
"وأكرم عشيرتك فإنّهم جناحكَ الذي به تطير، وأصلَكَ الذي إليه تصير، ويدكَ التي بها تصول"[2].
8- البيوتات الصالحة:
قال تعالى على لسان أخت موسى (ع):
(وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) (القصص/ 12).
- في الآية الكريمة إشارة إلى ضرورة انتخاب البيوت الصالحة والأسر الكريمة لرعاية الطفل وتربيته وتنشئته على الصلاح. بل إن انحدر الإنسان من بيتٍ صالحٍ باعث على الاطمئنان في توظيفه اجتماعيّاً.
يقول الإمام علي (ع) في عهده لمالك الأشتر (رض):
"ثمّ الصق بذوي المروءات والأحساب، وأهل البيوتات الصالحة، والسوابق الحسنة"[3].
على أنّ اختبار المُنحدِر من بيت صالح بالصدق والأمانة أمرٌ يفرضهُ العقل ومصلحة العمل.
9- ولاية المؤمنين:
قال تعالى:
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 71).
- المؤمنون إخوة في الدِّين يتناصرون ويتعاضدون في إرساء المجتمع الإيماني الصالح بما يلتزمون به من نهج الصلاة وخطّ الإستقامة، وبما يأمرون الناس بكلِّ خير وصالح وجميل يُرضي الله وينفع العباد، وينهوهم عن كلِّ سيِّئ ومُسيء يُغضِب الله وينفِّر الناس، بما يؤدّون حقّ شروط الصلاة الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر، وبما يعطون ويفعلون من إحسان بالزكاة والصدقات، وإطاعة الله في كلِّ أمر ونهي.
قال سبحانه: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) (الأحزاب/ 6).
وشرط الولاية في المجتمع الإيماني الصالح هو الحبّ في الله والبغض في الله، ففي الأوّل قوله تعالى:
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 68).
وقال عزّ وجلّ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) (آل عمران/ 31).
وفي الثاني، قول الحقّ سبحانه:
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران/ 28).
والإستثناء لِمَنْ يخاف الأذى والشر وتهديد حياته بالخطر، فإظهار الموالاة باللِّسان دون القلب حماية للفرد وللكيان.
10- الشفاعة الحسنة (الوساطة الحميدة):
قال تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا) (النساء/ 85).
يحتاج الإنسان في مسيرته الإجتماعية إلى مَن يشفع له شفاعة حسنة موافقة للشرع إذا كان مستضعفاً أو من ذوي الحاجة والمسكنة، فالشّفيع أو الوسيط الحميد إنّما يشكر الله على ما أنعمَ عليه في ما يخدم به الناس من مال أو ثروة أو جاه أو موقع.
11- التعالي على البيئة الإجتماعية الفاسدة أو اعتزالها:
قال تعالى في تعالي موسى (ع) على البيئة الفرعونيّة:
(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص/ 8).
وقال سبحانه في تعالي (آسية بنت مزاحم) زوجة فرعون على البيئة ذاتها:
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم/ 11).
- ليس من الضرورة إذا نشأ المؤمن في البيئة الكافرة أو الفاسدة أو المتحلِّلة أن يكون سنخاً أو جزءاً منها، فقد نشأ يوسف (ع) في بيت العزيز ولم تؤثِّر عليه أجواء التفسّخ الخُلقي، ونشأ موسى (ع) في بيت فرعون ولم يتأثّر بأجواء الغطرسة والإستبداد، ونشأت آسية بنت مزاحم في بيت فرعون وأبّهة السلطان وثروة الملك، ولم تنجرّ لمتاع الدنيا، ونشأ مؤمن آل فرعون في أوساط الكفر والطغيان، وتسامى بفكره وسلوكه عليها.
وقد لا يجد المؤمن سبيلاً للتعالي عن مجتمعه الفاسد والمنحطَ والغارق في الكفر والعصيان، فلا يرى أمامه إلا اعتزاله سبيلاً للنجاة بدينه، كما فعل إبراهيم (ع).
يقول تعالى على لسان إبراهيم (ع): (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) (مريم/ 48).
وقال سبحانه: (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ (٩٨)وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الصافات/ 98-99).
وكما فعل الفتية أصحاب الكهف حينما لم يجدوا حلاً سوى اللجوء إلى الكهف فراراً بدينهم من دين الشِّرك والضلالة.
قال تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا) (الكهف/ 10).
12- طبيعة العلاقة مع غير المسلمين:
قال تعالى:
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة/ 8-9).
- يريد الله تعالى للمؤمن أن يكون واعياً دقيقاً في علاقاته، وأن يكون إنسانياً إيجابيّاً فيها حتى مع الذين يختلفون معه في الرأي إذا لم يعادوه ويشنّوا الحرب ضدّه، فالآخر المسالم – حتى ولو اختلف معي في عقيدتي – يسمح لي بإقامة علاقات تعايش سلمي معه، بل ويدفعني إلى تقديم الخير إليه في شتى مجالاته المادية والمعنوية والعلمية، وأن أتعامل معه بالعدل، فالمعيار في التعامل مع الآخر غير المسلم والمسالم هو (الخير العملي) و(العدل الإسلامي).
أمّا الذين يقفون في الضد من حرِّية المسلمين، وحركتهم في الدعوة إلى الله، بل ويقاتلونهم على أساس العقيدة والعمل، فلا انفتاح عمليّاً عليهم. وقد تكون هناك ظروف ضاغطة يضطرّ فيها المسلمون إلى إقامة علاقات مع الدول المعادية من أجل المصلحة الإسلامية العُليا عندما يقدِّر المعنيّون ذلك أن يرجِّحون إيجابيات العلاقة على سلبيّات المقاطعة.
13- الصحبة الصالحة:
قال تعالى:
(الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف/ 67).
وقال سبحانه:
(وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولا) (الفرقان/ 27-29).
- الصحبة الصالحة هي التي تفضي بالأصدقاء والأخلاء والإخوان في الله إلى مرضاة الله وجنّته، فيما يسود بينهم من تواصي بالحقِّ والصبر وبالخير وبالمرحمة وبالبرِّ والإحسان والعمل الصالح، وبما يصنعون من مجتمعات إسلامية مصغّرة تجتذب الصالحين إليها، ولذلك تنقلب الصداقات الدنيوية في يوم القيامة إلى عداوات إلا صحبة الصالحين، فاكتساب أخ في الله يعني ضمانة بيت في الجنة، علاوة على ما يشيعانه من أجواء الصلاح في محيطهم الإجتماعي في الدنيا.
14- البنيان المرصوص:
قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/ 4).
- البناء الإجتماعي المتماسك ليس حاجةً في الحروب والمعارك فقط، بل هو مطلوب في كلِّ عملية بناء اجتماعي أسري أو مؤسِّي أو حكومي، والبنيان المرصوص هو البناء المحكم الذي تبدو قطعهُ وأجزاؤه – حتى الصغير منها – متلاحمة ومشدودة يشدّ بعضها بعضاً حتى لتبدو قطعة واحدة، وجسماً واحداً، وكياناً واحداً، وبناءً واحداً.
ولذلك كانت المجتمعات التي لا تستغني عن طاقةٍ من طاقات أبنائهما مهما بدت محدودة أو صغيرة، أكثر نجاحاً وتطوّراً من المجتمعات التي تهمل الطاقات البسيطة.
15- التنافس في الخيرات:
قال تعالى:
(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين/ 26).
وقال سبحانه:
(لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) (الصافات/ 61).
- المجتمع الصالح أشبه بخليّة نحل كلّ ما فيه عمل وحيوية ونشاط وإنتاج وأدوار ومسؤوليات، حتى إذا شذّ بعضه لفظتهُ الخليّة، وإذا تقاعس وتكاسل وقعد عن العمل بعض أفراده أبطلت الخليّة عضويّة انتمائه إليها. فليرغب المؤمنون العاملون بالمبادرة إلى طاعة الله، وليتسابقوا في الخيرات لنيل أعلى الدرجات، والتنافس مأخوذ من الشيء النفيس الذي يحرص الناس عليه.
فطالما أنّ أبناء المجتمع متّجهون إلى غايةٍ واحدة هي لقاء الله تعالى والفوز برضوانه وجنّته، كان لابدّ للعاملين أن لا يدخروا وسعاً، وأن يجتهد المجتهدون في اغتنام فرصة العمر المحدودة للفوز بالنعيم المقيم.
[1]- نهج البلاغة، عهد الإمام علي (ع) لمالك الأشتر، الكتاب 53.
[2]- نهج البلاغة، الكتاب 31.
[3]- المصدر السابق.
ارسال التعليق