ديل كارنيجي/ ترجمة: بهاء الدين خطاب
يقول الدكتور وليم راملي:
كلنا يسعى إلى النجاح والفوز في الحياة.. بعضنا ينجح، وأكثرنا يفشل، فلماذا ينجح هؤلاء، ويفشل أولئك؟
منذ بدء الخليفة، والإنسان عن معيار دقيق يقيّم به الناس، بل ويقيّم به نفسه، حتى يكن على بينّة من اختيار صحبه، أو شريكة حياته، أو دائرة عمله. ولو رجعنا إلى علماء النفس المعاصرين، لما وجدنا عندهم مقياساً لتلك الأعراض أدق من مقياس الكياسة، أو "السلوك الذكي". وتعريفها لديهم من اليسر والوضوح بمكان.
الشخص الكيّس هو الذي يستطيع بسلوكه في بيئة معينة.. أن يحل المشاكل التي تعترضه في تلك البيئة.
وقد اشتركت في لجنة من أكبر اللجان لدارسة مشاكل البيئات وأسباب فشل الناس في حلها، وخرجت من دراستي الطويلة بأن الكياسة تقوم على ثلاث دعائم أساسية:
· الدعامة الأولى هي رغبة الشخص في حل المشكلة.
· والدعامة الثانية هي قابليته لحلها.
· والدعامة الثالثة هي كفاءته لعلاج العلاقات الإنسانية المتصلة بتلك المشكلة على تشابك تلك العلاقات وتعقدها.
ولعل أهم العوامل هو حسن فهمك للناس عامة، حتى يتسنى لك أن تفهم من حولك منهم في بيئة معينة، وكل إنسان منذ طفولته إلى مماته مولع بمقارنة نفسه بسواه من البشر، وبالحكم على سواه من البشر.
وطريقة فهمنا للناس هي التي تعين وتقرر مدى نجاحنا في عملنا مثلاً، وهل نحسن اختيار الرئيس الذي يدفعنا إلى الأمام، أم نظل خاضعين لرئاسة رجل يكبت مرؤوسيه ويميت مواهبهم ويخمد جذوة الفلاح فيهم ويدّعي لنفسه كل ما يؤدونه من خير، ويفزعهم من العزل عند أقل هفوة.
وطريقة فهمنا للناس هي التي تعين وتقرر مدى توفيقنا في اختيار شريك الحياة، وتمتعنا بحياة عائلية سعيدة، أم نحن من وقود محاكم الأحوال الشخصية الذين لا يرجى لهم وفاق زوجي مهما بدلوا من أزواج..
وطريقة فهمنا للناس هي التي تعيّن وتقرر مدى فلاحنا في تخيّر الصديق الذين يعيننا على التقدم والتوفيق في بلوغ غاياتنا من الحياة. أم نحن لا نختار إلا أصدقاء السراء، الذين تختفي آثارهم عند أول نكبة نبتلي بها؟ وإذا نظرنا إلى الدعائم الثلاث للكياسة، وجدنا أنها تقسم الناس إلى سبعة ضروب واضحة:
1- النوع الأول من الناس تتوافر لديه القدرة على حل مشاكل بيئة ما، ولكنه يفتقر إلى الرغبة في ذلك الحل، والكفاءة في معاملة الناس الذين يتصل بهم ذلك الحل.. وأكثر من نعرفهم من الفاشلين ينتمون إلى هذا الضرب. وأنا شخصياً أعرف رساماً من أبرع الرسامين. وهو أستاذ لامع في رسم الإعلانات. وكلما ذهب إليه عميل لا يرفع نظره إليه، جاعلاً البرود والتجاهل يسودان اللقاء. وقد أخبرني هذا الرسام أنه يحتقر رسم الإعلانات، ويرى أنه غبن في تقرير مهنته، لأنه خُلق للفن الرفيع، ولذا لا يجد رغبة في عمله ولا ميلاً لحسن استقبال عملائه، ففشل في الرسم التجاري، ولم يستطع تحقيق أمنيته في الرسم الرفيع، لأنه غير راغب فيه الرغبة الكافية وعليه احتمال بؤس الفقر والحرمان إلى أن تواتيه الشهرة.
2- والنوع الثاني من الناس تتوافر لديه الرغبة في حل مشاكل بيئة ما، ولكنه يفتقر إلى القدرة على حل تلك المشاكل، وإلى الكفاءة في معاملة الناس الذين تتصل بهم تلك المشاكل. وأكثر الشبان الحديثي التخرج في المعاهد والمدارس ينتمون إلى ذلك الطراز. ولا يرجى لهم فلاح ما لم يرتفعوا عن مكانهم، فالرغبة في النجاح لا تكفي للنجاح، ما لم يسعف الرغبة اقتدار وحسن فهم للناس. وما أكثر من يتمنين تألق كواكب الشاشة، ولكنهن خاليات من مواهبهن الفنية ومن حسن فهم أهل تلك الصناعة وطريقة معاملتهم. وما أكثر من يتمنون صوتاً ذهبياً وشهرة في عالم الغناء، ولكنهم بغير موهبة الغناء لن يصلوا لشيء غير الإخفاق. ومع ذلك يضيقون بالناس إذا شكوا في مواهبهم أو أبوا الاعتراف لهم بالحنجرة السماوية والأذن الموسيقية.
3- والنوع الثالث من الناس لديه الكفاءة في معاملة الناس وحسن التفاهم معهم لحل مشاكل بيئة ما، ولكنه يفتقر إلى الرغبة في ذلك الحل وإلى القدرة عليه. وإلى هذا النوع ينتمي كثيرون جداً من الأشخاص المحبوبين الذين لا يقدر لهم أن يظفروا بنجاح كبير في أي شيء. فملايين وملايين من الناس يحظون بالاستمرار والبقاء في وظائفهم ومهنهم، لا لجدارة فيهم، أو حبهم لتلك المهن، بل لأن الناس يستريحون إلى معاملتهم رغم قلة كفايتهم المهنية أو رغبتهم في إنماء تلك الكفاية.
ومثل هؤلاء تزدحم بهم المؤسسات، ويمكنك الحصول على خدمات أي عدد منهم إذا زدت راتبهم دراهم معدودات، ولن يصلوا إلى شيء ذي بال في الحياة. كما لا يمكن الاعتماد عليهم في المهام الجسام.
4- والنوع الرابع من الناس لديه القدرة على حل مشاكل بيئة ما، ولديه كذلك الرغبة في ذلك الحل، ولكنه يفتقر إلى حسن التفاهم مع الأشخاص المتصلين بتلك المشاكل. وإلى هذا الضرب ينتمي الكثيرون ممن نسميهم "خبراء فنيين".. وكل واحد منهم أشبه بالشهاب الثاقب الذي يسبق زمنه ويضيف إضافات كبيرة بارزة إلى العلم أو إلى الصناعة أو الإدارة الحكومية، ثم يحترق من غير أن يحظى بثمرات جهوده، لأنه لم يؤت حسن فهم للناس في بيئته وعصره.
أعرف شخصاً محامياً من هذا الطراز، لا توجد ثغرة واحدة في البناء المنطقي الذي يستخدمه في دفاعه عن قضاياه، ورغبته في كسب تلك القضايا قوية دون شك. ولكني رأيته يخسر قضايا كثيرة، لا لشيء إلا لأنه لم يحسن فهم عقلية المحلفين والقضاة، فكان يغفل زوايا إنسانية كثيرة يراها تفاهة القمة، فتكون هي القاضية عليه.
ومعظم هؤلاء الخبراء الثقات ينهزمون لاعن خطأ في عملهم، بل عن قصور في فهم العامل الإنساني وإعطائه حقه من عنايتهم الذهنية الخارقة. فلا يحاولون تفتيق أذهان الناس واستمالتهم إليهم وكسب ثقتهم، مع أن نجاحهم متوقف على الظفر بتلك الثقة في نهاية المطاف. أي أنهم ينسون وهم يعملون للناس ومع الناس ما لهؤلاء الناس من اعتبار وأهمية وقوة مقاومة.
5- والنوع الخامس من الناس لديه القدرة على حل مشاكل بيئة ما، ولديه الكفاءة في معاملة الناس وحسن فهمهم، ولكنه يفتقر إلى الرغبة في إيجاد ذلك الحل. وإلى هذا الفريق ينتمي أولئك الظرفاء ذوو الكفاية الفنية العالية الذين نحار جميعاً لماذا لم يلمع نجمهم كما يستحقون. وحقيقة الأمر إنهم لا يشعرون بالاهتمام الكافي أو الرغبة في هدف معين. وليسوا مستعدين للكفاح في سبيل أي شيء.. إن لديهم الكفاية والذكاء ولديهم حسن الفهم للناس، ولكن تعوزهم الهمة العالية والرغبة الحافزة.
6- والنوع السادس من الناس لديه الرغبة في حل مشاكل بيئة ما، ولديه الكفاءة لفهم الأشخاص المتصلين بتلك المشاكل، ولكن تنقصه القدرة الموضوعية على إيجاد ذلك الحل. وكثيرات من الزوجات العصريات ينتمين إلى هذا الفريق. فهن محبات لأزواجهن، راغبات في إسعادهم، ولكنهن لا يعرفن كيف يرتبن البيت و ويحفظن توازن الميزانية أو يطهين الطعام.
ولماذا نذهب بعيداً؟ إن الكثيرين ممن يظفرون بالمناصب عن طريق الانتخاب في الأمم الديموقراطية إنما يعود ظفرهم إلى حسن علاقتهم بالناس، وخفة دمهم، وإلى رغبتهم في القيام بأعباء تلك المناصب، ولكنهم دون المستوى المطلوب فنياً وعقلياً لأداء تلك الأعمال على الوجه الأكمل. وهكذا نسمع وعوداً ضخمة في معارك الانتخابات، لا نراها تتحقق بعد المعركة لا عن سوء نية، بل عن نقص في القدرة.
7- والنوع السابق من الناس هو الفريق السعيد حقاً، لأنه يملك القدرة على حل مشاكل بيئة ما، ولديه الرغبة الصادقة في إيجاد ذلك الحل، ولديه كذلك الكفاءة لحسن فهم من يتلون بتلك المشاكل، ولحسن التعامل معهم. ولسنا نزعم أن هذا الشخص الكامل موجود بصورته المثلى، ولكننا نقول أن بعض النقص في صفة أو صفتين خير من انعدامهما جميعاً. وكل نقص يمكن تكميله بحسن الرغبة، وبالنقد الذاتي.
ومن حسن طالعنا أننا في عصر تعاوني، فمن تنقصه بعض الجوانب عليه أن يعرف نقصه ويستكمله عن طريق معاونين موهوبين في تلك الجوانب.
وما دام الشخص واثقاً من سيطرته على مشاكل بيئته، وكفاءته لحلها، مهما كانت تلك البيئة، فلن يساوره الخوف أو القلق. وإنما يشعر بذلك حينما يأنس في نفس العجز أو النقص.
ونحن قد اتفتنا على أن الكياسة هي جماع التوفيق في حل مشاكل بيئة ما، وإن لها ثلاث دعائم:
1- الرغبة في حل المشاكل.
2- والقدرة على إيجاد ذلك الحل.
3- والكفاءة للتفاهم مع من بيدهم تنفيذ ذلك الحل.
وعلى ذلك يكون الفشل، أو الخوف من الفشل، ناجماً عن نقص في الرغبة أو قصور في القدرة، أو عجز عن التفاهم مع الناس. وتلك هي المصادر الثلاثة الممكنة لجميع المخاوف في أيه بيئه من البيئات.
وعلى ذلك يمكن أن نصل من دراسة المخاوف وعلاقتها بالكياسة – التي هي سبيل النجاح المثالي – إلى نتائج محدود في أربعة عناصر:
1- أن مخاوفنا اليومية تتبدى في صور شتى، منها تغير المزاج، والكدر الغام، وتوتر الأعصاب، والشعور العام بالعجز، والميل للنعاس في غير أوانه الطبيعي، أو في الحالات القصوى على صورة شلل ذهني يعجزه عن التفكير المنظم.
2- إن معظم مخاوفنا لا شعورية، وفيما عدا الحالات القصوى، لا ندرك أن اضطرابنا الذهني ناجم عن المخاوف والقلق.
3- إن معظم البالغين فيما عدا الحالات القصوى، لا يحبون الإقرار أمام أنفسهم ولا أمام سواهم أنهم خائفون من أي شيء. ولا يبدو عليهم أنهم مدركون أن الخوف يؤدي لهم – أو يمكن أن يؤدي لهم – خدمات جليلة بما يتيحه لهم من نذير بالمخاطر الكامنة لهم في بيئتهم.
ما من شخص إلى وقد خامره الخوف في وقت ما، ولا يمكن استئصال الخوف من نفس أي إنسان وفي جميع البيئات التي يعيش فيها، لأنه يستحيل أن يسيطر شخص ما على بيئة العمل وبيئة البيت وبيئة الرفاق وغيرها من جميع الوجوه سيطرة تامة، فحتى القياصرة والأنبياء كانت تنتابهم مشاكل تشقيهم في بعض البيئات. فالسعيد في سلطانه قد لا يكون سعيداً في زواجه، أو العكس.
4- وحينما يشعر المرء بخوف لا شعوري في بيئة ما، فأول ما يجنح إليه هو الهرب من البيئة التي سببت له ذلك الخوف. وهناك صور كثيرة للهرب، مثل النشاط المفرط أو اللهو المفرط، لأن حمى العمل وحمى اللهو تنسيان الهموم والقلق. ومثل المكابرة ورفض الاعتراف بالخطر، ومثل الانغماس في الشراب أو المخدرات. فما أكثر مرضى القلب الذين يكابرون فيلعبون الجولف والتنس! كأنما الإنكار يمحو الواقع ويقضي عليه، وليسوا إلا على أنفسهم يقضون! وما أشبه أولئك بالنعامة تدفن بالنعامة تدفن رأسها في الرمل حتى لا ترى بندقية الصياد وهو لها بالمرصاد!
وحتى عندما يكون الشخص واعياً لمصدر خوفه تمام الوعي، فإنه ما لم يعرف كيف يواجهه مشكلاته، فلسوف يجنح حتماً إلى الهرب من مواجهته.
وأسوأ ما في صور هذا السلوك الهارب من المسؤوليات، أنه لا يتيح للمرء إلا مسكنات وقتية، يزيد بعدها الداء استفحالاً ويوشك أن يستعصي على العلاج. ولذا كانت الكياسة بدعائمها الثلاث هي الموئل الأمين من المخاوف دون مكابرة أو روغان. والكياسة تستطيع وحدها أن تؤمننا من خوف.. بما توجهنا إليه من حل لمشكلات بيئاتنا.. وجماعها خطوات ثلاث لا أمان لنا من الخوف بسواها!
1- أول خطوة يجب أن نتخذها متى شعرها باضطراب غامض، هي تقصي مصدره حتى البيئة التي نبع منها، كي نعرف متى وأين وقع الخوف وما محوره ومداه الحقيقي.
2- والخطوة الثانية أن ننظر إلى المصادر الثالثة الممكنة لذلك الخوف، وهي نقص الرغبة أو نقص القدرة، أو نقص التفاهم الإنساني، ونسأل أنفسنا أي هذه الدعائم الثلاث هي السبب في فشلنا وعجزنا عن حل المشكلة.
3- والخطوة الثالثة والأخيرة، أن نقرر ما تحققناه من علة فشلنا.. وهل ننوي بذلك الجهد لإصلاح ذلك النقص، أم ننوي بذلك أقصى الجهد للانسجاب من تلك البيئة المقلقة نهائياً، فقد يكون من الحكمة أحياناً أن يقصر الشخص حياته على الميادين التي يأنس في نفسه الكفاءة لها، ولا يقرب سواها.
وما أكثر المداد الذي أريق في موضوع الخوف والقلق، وما أكثر النصائح التي بذلت لمحاولة الإصلاح. وكم قيل لنا أن نطرد الأفكار السلبية كلها من أذهاننا ونحل محلها أفكاراً إيجابية عن الشجاعة والإيمان. وأنا مؤمن أن الخائف أحوج ما يكون إلى جرعات من الشجاعة والإيمان. ولكن العقدة كلها هي أن الخائف وإن زعم أن مخاوفه ناجمة عن أخطاء سواه أو عن ظروف خارجية لا إرادة له فيها، إنما هو في الحقيقة خائف من ذات نفسه، بمعنى أنه خائف من قصوره عن ملاقاة المشكلة وحلها، إما لنقص في رغبته، أو نقص في فهمه للناس وطريقة تعامله معهم.
وما لم يتخذ خطوات إيجابية محددة لإصلاح ذلك النقص، أو يتجنب تلك البيئة التي أشاعت في نفسه الخوف، فلابد أن يتلاشى إيمانه بنفسه، لأن ذلك الإيمان سيكون دون سند حقيقي من قدرة أو رغبة أو كفاءة في معاملة الناس.
وكثيراً ما قيل لنا أن نشغل أنفسنا عن مخاوفنا بالانهماك في أي شيء يشغلنا أو يلهينا. ولكن ليس كافياً أن نشغل أنفسنا بأي شيء حيثما اتفق، فإن الخائف المضطرب حري أن يقدم على عمل أحمق يهلكه أو يزيد مشكلته وخوفه استعاراً. وليس بالنادر أن يكون ذلك العمل جريمة قتل، أو جريمة انتحار.
مما نحن بحاجة إلى معرفته حقاً حينما نشعر بالخوف والقلق، هو ما يجب أن نعمل بالضبط، لا أن نعمل فحسب وأنا شخصياً حين يقلقني أمر ما، أتقصّى قلقي إلى أن أصل إلى البيئة المحددة التي صدر منها القلق والخوف. ثم أسأل نفسي ثلاثة أسئلة:
1- هل أنا حريص حقاً على البقاء في تلك البيئة؟ هل يهمني أن أحل مشكلتها؟ فإن كان الجواب بالنفي القاطع، تركت تلك البيئة نهائياً.
2- وإن كان الجواب بالإيجاب، سألت نفسي هل عندي القدرة على حل المشاكل التي هي من طبيعة تلك البيئة؟ وهل أبذل جهداً صادقاً لزيادة تلك القدرة لدي؟ فإن كان الجواب بالنفي، سعيت للاستعانة بمن هم أقدر مني على حلها أو لتقويتي على مواجهتها..
3- وأسأل نفسي: هل أخطأت في فهم أصحاب تلك البيئة؟ وهل حاولت إدراك وجهة نظرهم قبل أن أنعتها بالخطأ؟ وهل سعيت بما فيه الكفاية لكسب ثقتهم واطلاعهم على وجهة نظري وإقناعهم بها؟ أو هل أخفقت في تنفيذ وعد قطعته لهم؟ وهل أثق بهم أم أزدريهم وأتوجس منهم؟
فإن كان الجواب النفي وجب أن أصلح سياستي، أو أستعين على الاتصال بالناس بأشخاص يحذقون معاملة الناس ويسهلون لي قضاء مصالحي.
وهذا على كل حال هو طراز الأسئلة التي ألقيها على نفسي في نهاية كل يوم، لمعرفة رصيدي الحقيقي من الكياسة التي تؤمنني من الخوف والقلق.
عقول الناس الذين تتعامل معهم، وعقلك أنت أيضاً، لابد أن تنتمي إلى أحد مستويات أربعة:
1- المستوى الأول من العقول، يعارض أصحابه كل اقتراح يعرض عليهم. مهما كان ذلك الاقتراح، فعقولهم مقفلة.
2- المستوى الثاني من العقول، يصغي أصحابه لكل اقتراح يعرض عليهم مهما كان ذلك الاقتراح، فعقولهم مفتوحة. ولكنهم لا يتابعونك إلا ببرهان كافٍ.
3- المستوى الثالث من العقول، يثق أصحابه بما يعرض عليهم، وهم مستعدون لمتابعتك عند أول برهان تبديه، فعقولهم طيّعة.
4- والمستوى الرابع من العقول يتابعك أصحابه من غير مناقشة أو تردد وبغير حاجة إلى برهان منك، فعقولهم مؤمنو.
والنمط الرابع لا يثير لك أية مشكلة، ولو كان الناس كلهم على هذا المنوال ما أصابك قلق. وإنما مصدر القلق. العقول المقفلة أولاً، فما لم تعرف مفتاح تلك العقول فلن تحظى منها بطائل. وكل شخص له مفتاح. فهذا مفتاحه الإطراء، وإذا مفتاحه المتابعة بعض الطريق، فيتابعك بعد ذلك وقد أنِسَ إليك، فعليك بدراسة شخصية ذي العقل المقفل كي تعرف مفتاحه الصحيح وإلا فشلت.
وأما النمط الثاني وهو العقل المفتوح، والثالث وهو العقل الطيّع، فكل ما تحتاج إليه معهما هو قوة الحجة والقدرة على الإقناع.
وهناك صفة يجب أن تتذرع بها، وهي استجلاب عطف الناس وموافقتهم لك، وبالغضّ عن هفواتهم، وإبراز ومحاسنهم أمام نفسك، والإعراب لهم عن تقديرك، ولو كانوا من مرؤوسيك. فإن ذلك يدفعه إلى الاستزادة من إعجابك بمزيد من الصواب، ونقص من الخطأ والتقصير.
واسأل نفسك قبل كل شيء: هل أنت مقفل العقل؟ فإن كنت دعوت الناس إلى إيصاد عقولهم وقلوبهم دونك! فافتح عقلك تفتح لك مغاليق العقول، وأحبب الناس تفتح لك مغاليق القلوب، ومتى فتح لك عقل إنسان وقلبه، فما أيسر المشكلة بعد ذلك. إن هي إلا الحجة الناهضة حتى تظفر بما تريد، وإن لم تظفر به عاجلاً، فقد ظفرت بصداقة صاحبه وحسن ظنه، وذلك حري أن يوصلك إلى غرضك يوماً ما.
المصدر: كتاب كيف تكسب النجاح- التفوق والثروة في حياتك
ارسال التعليق