لخُلق الرحمة أثر في السلوك الإقتصادي للمسلم مع المؤمنين، يقول الله تبارك وتعالى في تصوير سلوكيات المؤمنمع أخيه المؤمن: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الفتح/ 29)، ويستنبط من هذه الآية أن من سمات الجماعة المؤمنة الرحمة، كما أكد رسول الله (ص) على هذا في الحديث الشريف: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
ومن هذه الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف يتضح الجانب العملي في السلوك الإقتصادي للمسلم مع المؤمنين كما يلي:
- أولوية التعامل مع المؤمن في كل شيء، ومن ذلك المعاملات المالية والإقتصادية؛ فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ولقد قال أحد رجال الدعوة: "احرص يا أخي على أن تضع قرشك (مالك) في يد أخ مسلم".
- الإلتزام في التعامل مع المؤمن ومع غير المؤمن بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ليكون الجميع قدوة ونماذج عملية في إقامة الدين ليعم الخير والرحمة على الجميع، ولقد تمكن المؤمنون في صدر الإسلام من بناء الدولة الإسلامية، وطبقوا فيها الشريعة في كافة جوانب الحياة ومنها الإقتصادية.
- تطبيق أسس ونظم التكافل الإقتصادي بين أعضاء الجماعة المؤمنة فهذا رحمة وألفة، وأساليب ذلك الزكاة والصدقات والقرض الحسن والتبرع والهبة والوصايا والوقف وما في حكم ذلك.
- تجنب ما نهى الشرع عنه عند التعامل مع المؤمنين ومع غير المؤمنين، وفي هذا المقام يقول رسول الله (ص): "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا (ويشير إلى صدره ثلاث مرات) بحسب أمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه".
ولخُلق الرحمة أثر في السلوك الإقتصادي للمسلم مع الناس؛ حيث يعتبر إلتزام المسلم بالقيم والأخلاق بصفة عامة في كل علاقاته مع الناس بصرف النظر عن دياناتهم وأجناسهم قدوة ونموذجاً عملياً يحتذى به، ويظهر ذلك جلياً في المعاملات المالية والإقتصادية: حيث إنها المختبر الحقيقي لأثر هذه القيم على سلوكه في البيع والشراء والقضاء والاقتضاء، ولقد عبر عن ذلك رسول الله (ص) فقال: "غفر الله لرجل من قبلكم، كان سهلاً إذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى"، ولقد ربط الرسول (ص) السماحة بخلق الرحمة، وهذا هو السبيل إلى بقية السلوكيات الطيبة في المعاملات.
ومن نماذج خُلق الرحمة في السلوك الإقتصادي للمسلم مع عامة الناس التي يجب الإقتداء بها ما يلي:
- الوفاء بالعهود والعقود وبالمكاييل وبالموازين وما في حكم ذلك رحمة، يقول الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لآماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون/ 8)، فالوفاء رحمة.
- السماحة في المعاملات؛ لأنّها تؤدي إلى توثيق الحب والتيسير، فالتسامح في المعاملات رحمة.
- النصيحة بما ينفع الناس؛ لأنّها تقوي الثقة في المعاملات، وأصل ذلك قول الرسول (ص): "تلقت الملائكة روح ممن كان قبلكم، فقالوا: عملت من الخير شيئاً؟ فقال: لا، قالوا: تذكر، فقال: كنت أداين الناس، فآمر فتياني أن ينظروا المعسر، ويتجوزوا عن الموسر، قال: فقال الله: تجاوزا عنه".
- الصدق والأمانة، فلقد وصف الرسول (ص) التاجر الذي يرضي الله، فقال: "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء".
- التبيان والشفاهية؛ لأنّهما أساس البركة في الأرزاق، وأصل ذلك حديث رسول الله (ص): "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".
ولخُلق الرحمة أيضاً أثر في السلوك الإقتصادي للمسلم مع المجتمع (الوطن)؛ حيث يلتزم المسلم القيام بالوفاء بحقوق المجتمع التي شرعها الله، وأن يكون رحيماً بما فيه من مخلوقات، ومن نماذج ذلك المحافظة عليه وعدم الإضرار به وبمن يعيشون فيه ويتعاون معهم على الخير والمنفعة، ودليل ذلك من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/ 2).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
محمد رضوان
كلام جميل ويكون أجمل لو عملنا به وطبقناه في حياتنا وشكرا لكم على المقال المفيد.