يقول فيكتور هوغو: "إنّ الدموع هبة من الله، فغالباً ما نسترجع قوانا المنكسرة بعد البكاء". فهل علينا والحال هكذا أن نذرف الدموع بفرح؟ هل علينا أن نشدّ على البؤبؤ كي نذرف دموعاً أكثر غزارة؟ هل علينا ألا نُبالي بلمعة العينين حيين تخوناننا أمام مَن نخشى أن يرونا ضعفاء؟ هل علينا أن نخاف على نعمة البصر والنفس والجسد إذا جفت مآقينا من الدموع؟ وهل صحيح أنّ فوائد الدموع الطبيعية أهم أحياناً من أسباب حدوثها؟
كم من مناديل تبللت بين أيدي الفتيات قبيل مغادرتهنّ منازل أهاليهنّ وهنّ يرتدين الثوب الأبيض ويحلمن بحياة بيضاء مفروشة بورود حمراء، وكم من أُمّهات بكين وهنّ يشاهدنّ فلذاتهنّ يتسلمنّ شهادات وجوائز وأوسمة، وكم من فتيات وفتيان غطوا في نوم عميق بعد بكاء مرير بسبب رسوب أو حب مراهق فاشل أو تنبيه قاسٍ، وكم من بشرٍ بكوا على موتِ عزيز أو معاناة قريب أو من آلام جسدية مبرحة، وكم وكم وكم.. والنتيجة طبعاً جلية، واضحة، واحدة: سيلٌ من الدموع.
فهل علينا أن نعتاد أسر هذه الدموع في أعماقنا وعدم السماح لها بالتسرب خارج العينين؟ هل علينا أن نعصر قلوبنا كي لا تتحول مشاعرنا إلى دموع تنساب بحرِّية من المقلتين؟ وهل علينا أن نعض على شفاهنا كي نمنع آلامنا من أن تتفجر إلى دموع؟
لا، لا تفعلوا كلّ هذا بل اتركوا دموعكم تُبلل وجناتكم واستفيدوا طبيعياً من تأثيراتها الإيجابية الكثيرة.
توتر أقل وتمثيل غذائي أفضل:
فوائد الدموع كثيرة. فوائد البكاء هائلة. ولنحسم الموضوع منذ الآن: البكاء مفيد مفيد مفيد... فماذا بعد؟ ماذا في فوائد الدموع والبكاء؟ وهل أنواع الدموع التي قد تنهمر من مآقينا هي نفسها على اختلاف المشاعر والأسباب التي أدت إليها؟ هل تأثير الدموع الناتجة عن تقشير البصل، مثلاً، هي ذاتها كتأثير الدموع الناتجة عن فرح كبير أو ألم شديد؟
لا، ليست دموعنا واحدة، لا، ليست ذات نوع واحد، فالدموع العاطفية مثلاً تحتوي على نسبة أعلى من بروتين الألبومين الزائد عادة على حاجات أجسامنا، ما قد يُساعد على تحسين نظام التمثيل الغذائي. أما الدموع الناتجة عن التوتر فتساعد على التخلص من المواد الكيميائية السيئة مثل هورمون التوتر "الكورتيزول". تنتج الدموع أيضاً مادة "الأنكفلين" التي لها فعل المخدر وتسهم في تسكين الآلام، زدّ أنّ هناك أنزيم "الليزوزيوم"، الذي يحارب عدوى البكتيريا التي قد تصيب العينين، وهو قادر على أن يقضي على أكثر من تسعين في المئة من البكتيريا التي قد تصيب العينين في أقل من خمس دقائق، وهناك "الترانسفيرين اللبني" الذي هو على شكل بروتين يقتل البكتيريا والفطريات أيضاً... تسألون أو لنقل: تسألين عن سرّ تلك الإشراقة التي تظهر في عينيك بعد بكاء شديد؟ إليك هذا المعلومة: تبدو العين عادة أجمل وأكبر وأكثر رومانسية ولمعاناً بعد البكاء، لأنّ الدموع تعمل على ترطيبها، كما أنّ البكاء يسهم في استرخاء الملامح والانقباضات في الوجه، لاسيّما على الجبين وحول العينين، ما يُخفف من علامات العمر.
تُرى، ألا تستحق هذه المعلومة أن تبكي من الفرح؟
16 "رمشة عين" في الدقيقة:
ماذا لو كنتِ من الذين لا يذرفون الدموع بسهولة؟ ماذا لو كنتِ تتألمين وتحزنين وتقطعين البصل وتشعرين بالغبار يتسرب إلى عينيك، لكن من دون أن يسبب كلّ هذا دموعاً تُرطب عينيك؟
هناك أسباب كثيرة قد تؤدي إلى جفاف في العينين بينها: حالة الحمل والرضاعة أو انقطاع الدورة الشهرية أو حدوث تغيرات هرمونية طارئة، كما أنّ التدخين والرطوبة العالية والعوامل الوراثية واستخدام مجفف الشعر كلّها عوامل قد تؤثر، ومثلها أمراض المفاصل والعلاجات الهرمونية والجلوس طويلاً أمام شاشة الحاسوب، وقد يسبب جفاف العينين أيضاً نقص هرمون الأندروجين الذي يسهم عادة في حماية العينين من خلال تأثيره في بنية الدمع. لم ننتهِ بعد من الأسباب التي قد تؤدي إلى الجفاف، ومنها وجوب عدم الاستهتار بارتدادات بعض الأدوية على إفراز مجرى الدمع، لاسيّما أدوية الاكتئاب ومدرات البول وعلاجات السعال وتخفيف الآلام والأدوية المنومة. وثمة أمر آخر يؤثر أيضاً في ذلك هو تدني تحريك الجفنين، لهذا ينصح أطباء العيون الناس بالإكثار من رمش العينين، ليس أقل من 16 رمشة في الدقيقة الواحدة، بدل التركيز في اتّجاه ثابت واحد. تذييل العينين قد ينفع أيضاً إما بخفض جفاف العينين أو بزيادة جاذبيتهما وتأثيرهما. جربوا إذن هذه الطريقة وإذا لم تنفع فلن تضرّ!
ارحموا أنفسكم أيها الرجال:
قيل: أكبر لص على وجه الأرض هو الجمال الكائن في عيني المرأة اللتين أشبه ببحيرة قادرة على أن تُغرق أعظم السباحين. رائعٌ هو دائماً ما يُقال عن المرأة وعيني المرأة، لكن السؤال: تُرى لماذا بكاء المرأة أسهل من بكاء الرجل؟ هل لأنّها أكثر حساسية وتفيض بالمشاعر؟ أم لأنّ الرجال في عالمنا العربي يتربون على مفهوم أنّ البكاء ليس للرجال؟ وهل هذه المعادلة الاجتماعية تجعلنا نُعلن أنّ "عدم البكاء" هو أحد أسباب موت الرجال باكراً؟
البكاء هو طريقة الجسم الطبيعية للتخلص من التوترات اليومية التي تلاحقنا مثل ظلنا، وقد أثبتت الدراسات أنّ البكاء يطيل العمر، والامتناع عنه، بالقوة، كما يفعل أغلبية الرجال، يؤدي إلى حدوث تغيرات في الدم تزيد من معدلات الإصابة بنوبات صدرية وأمراض الشعب الهوائية وأمراض القلب والصداع وآلام المفاصل واضطرابات المعدة. تُرى هل لهذا يموت الرجال، في سن الأربعين، بالقلب أكثر من النساء؟ صحيح. والحل؟ أن يترك الرجال العنان لمشاعرهم أكثر، فلا ضيرَ أن يعترفوا بضعفهم في اللحظات الصعبة وأن تتبل مآقيهم بدموع بروتينية مالحة أحياناً إذا كان هذا انعكاساً لمشاعرهم الحقيقية. التعبير عن المشاعر بصدق، بلا كبت، يُعدّ مدخلاً وقائياً طبيعياً لكثير من الأمراض.
لم ننتهِ طبعاً من ذكر "منافع البكاء".. لماذا علينا أن نبكي؟
لأنّ البكاء يا سادة ويا سيدات يُخفف من مستوى معدن "المنغنيز" في الجسم المسؤول عن المزاج السيئ والعصبية التي قد تظهر على بعض الأشخاص وعن العدوانية غير المبررة. تُرى ألم تسمعوا امرأة أو رجلاً يرددان: حين بكينا شعرنا بالارتياح حتى ولو لم تتغير ظروفنا؟
البكاء يساعد أيضاً على تنظيف البكتيريا في الأنف وطرد الأوساخ منه وعلى الشفاء حتى من الصداع النصفي.
هكذا نبكي...
سؤال يطرح نفسه: كيف تحدث عملية الدمع؟
الجهاز الدمعي هو جهاز صغير جدّاً مكون من غدة دمعية موجودة في طرف العين الخارجي، تفرز الدموع وتتركها تسير فوق سطح مقلة العين والقرنية في اتّجاه الفتحة الرفيعة الموجودة في الجفون، مبقية على العين رطبة، لتعود وتصب في الكيس الدمعي وتنزل منه إلى الأنف عبر قناة تربط ما بين الكيس والأنف. ويتكون الجهاز الدمعي في الأسبوع الخامس بعد الولادة وهو من جزأين: الغدة الدمعية والقناة الدمعية. وتكون الغدة عادة تحت الجفنين العلويين وتعمل على إفراز الدموع باستمرار من أجل ترطيب العينين وغسلهما من التراكمات الضارة.
لا تبكون؟ تأبون أن تبكوا؟ تعانون جفاف الدمع؟ فقدتم إذن وسيلة طبيعية ممتازة لصحّة نفسية وجسدية أفضل... والحل؟ أليس هناك حل؟ هناك شبه حل يقضي باستخدامكم قطرات الدمع الاصطناعي مدى الحياة.
تبكون؟ لا؟ تأبون أن تطلقوا العنان لمشاعركم؟ لا تتساءلوا إذن من الآن وصاعداً عن أسباب الموت المفاجئ وعن ذاك الرجل الذي نام ولم يستيقظ، وعن هذا الذي ألمت به شاباً ذبحة قلبية جعلته يدخل على جناح السرعة غرفة العناية الفائقة؟ ولا تسألوا عن التوترات التي لا تنفع معها مسكنات ولا عن ذاك الإحمرار الداكن الذي يصيب عيونكم المنهكة المريضة؟
وهبتكم الله عناية استثنائية عبر تلك الدموع التي تتساقط من عيونكم، فلا تتذمروا في كلّ مرة تشعرون فيها برغبة في البكاء. ابكوا. وسترتاحون. جربوا.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق