إنّ هذه الآية تريد أن تقول: أيها العبد الفقير إذا أردت ان تسأل ربك حاجة فلا تترك قلبك في دارك وتبتعد بل إدخل إلى دار قلبك، فالمسافة بينك وبين الله هي نفسها بينك وبين ذاتك، بل هي أقرب لأنك ستجد ربك في الطريق يهديك إلى دار لطالما إغتربت عنها (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق/ 16)، فإذا حضرت بكلك ودخلت إلى دار قلبك وجدته بلاط الله وعرش الرحمن تسأله فيجيبك وتدعوه فيستجيب لك...
وهذه الرحلة تختصر أعظم الكمالات التي ينبغي على النفس تحصيلها وصولاً إلى تمامية العبودية.. إنها رحلة ما في العقل من قناعات! إلى ما في القلب من مشاعر وما في الحس من حدود إلى ما في الحدس من اللاحدود وباختصار رحلة العلم إلى الإيمان. ومن هنا كان التأكيد (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). وبتعبير آخر لا يكفي أن تعرف إن الله قريب وانّه يجيب دعوة الداع إذا دعاه، بل عليك أن تستجيب لهذه الحقيقة وتفعّلها في حياتك وشرط هذا التفعيل هو تسليم القلب بما عرفه العقل والمسافة بين المعرفة والتسليم هي نفسها المسافة بين العلم والإيمان وفي مصهر التسليم القلبي تتحول الأفكار إلى مشاعر والمشاعر طاقة محركة باتجاه العمل وعندها تصل الاستجابة إلى أوج تجليها. قال رسول الله (ص): "الإيمان عمل كله"، وفي المناجاة الشعبانية: "اللّهمّ إجعلني ممن ناديته فأجابك، ولاحظته فصعق لجلالك، فناجيته سراً وعمل لك جهراً". فكل ما يحتاجه الإنسان، ليكون صاحب دعوة مستجابة هو أن يكون عبداً مكتمل العبودية ولهذا قيل: "الدعاء مخ العبادة". أما العبد فقد عرّفه رسول الله (ص) في "مصباح الشريعة" فقال: "حروف العبد ثلاثة: فالعين علمه بالله، والباء بونه عمن سواه، والدال، دنوه من الله بلا كيف ولا حجاب".►مقالات ذات صلة
ارسال التعليق