• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحياة رسالة

عادل بن حبيب

الحياة رسالة

الحياة رسالة..

وأيُّ رسالةٍ هذه التي جعلتنا نجوب طرق أعمارنا كل يومٍ بالرؤية والتجربة وسوء المنقلب؟!

.. منذ زمانٍ بعيدٍ فاق العقد والنصف من أحجار المحابس الملونة بالخنصر والبُنصر.. همس في أُذني قائلاً:

هكذا أنا مذ أن رحل أبي وأصدقائي (رحمهم الله)، لم أبرح أتعهد يومياتي بزيارة المقبرة، فكل برهةٍ هناك لي قصة، وما أكثر العبر،

وجمال الدرر، وإياك أعني واسمعي يا جاره.. كما تعاهدته الأجيال، وأرجحته الأحوال، والعاقبة للمتقين.

 

 

الشاهد (رحمة الله على أمٍ جابته) ما زال صاحبنا يهمس بالطوال، ويُجندل الأطوال، ويؤطر الأحوال بالشارة والإشارة،

وهو من أهل الله لا يرتجي قبلة يدٍ مقلوبة، وطبخة مسلوبة إلا بالمديح بسماع المستهل، وتناغم اللطمة برنيم المقامات (والقريز)!

 

 

كان جبينه يشع بالإيمان كأرض سمراء قد جدبته أيادي الحرث، وهل تنحني سنابل القمح إلا للفعال ونيل الخصال؟

ولا للتشدق فيما بيننا، فمنظور العمر قد سجلته المجاهر، وهل أضحى (إلكسندر فلمنج) بتجديد مخترعه "البنسلين".. ليحقنه بالعقول الواهية، والأفواه البالية بالتناقص، والأنامل المبتورة بكنا وكانوا، ونحن هُنا؟!

الجميل في الأمر أن ترصد الجُل بالمعرفة القريبة، والوثبة الأريبة، للأغلب الأعم.. "وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تُر لهم بذاكا"!

 

 

يقول صاحبنا صابر في نيل المآثر: ما أحلى طريق المقابر إذا كان ذلك لــ نجاة بالترحم، فشهادة الشاهد تُزيل العواقب، وتشذب النوائب، وما أكثر من يترنح بالأقوال والأهوال،

(وما ميش لبن من اسقه االقايله، وشبت الزيزي يا بعدي)، (والشق أكبر من الرقعة يا ولد حليب النيدو).. كما قيل وقالوا!

 

 

ولم يبرح يسترسل بالإثبات.. لا بتوزيع حلاوة غندور، فالدنيا تدور، والله يكفينا شر المستور، ومُحصلة الأثر بجناب الكيف لا بمصالحة الكم!

يقول: أتعجب لأيوب الصبر، ومُلين الحديد بطرقات المسامير.. على سفينة تجلّى فحواها، وتخاذل نجواها، والرحمة الرحمة يا طالب السيرة والبصيرة..

فـ هُنا كانوا وارتحلوا، وظلت قبورهم بالشواهد مهجورة، وأزلامهم لخيوط المآل مبتورة، وكيف ننظر وينظرون.. أبأداة حديدية لتثبيت الأوزان، وتطيين الجُمان؟!

 

 

وما زال يقول ويقول إلى أن استوقفني على حصير من الخوص، و (كرب) البسوس، وليف (المحيوس) بالاستفهام والتعجب:

 

ــــ  ما حال دار التراب التي أضحت مهجورة من دعاتها بالتعاهد في "إنها تُذكركم بالآخرة"، ولا ترى البعض إلا للتصوير والتخدير؟!

 

ــــ  ما حال من يأمر بالمُستحب، وفمه ما زال يتلون بالدسم، وحزمة النسبة بالعاملين عليها، ويتناسى الواجب وبطون جيرانه يتضورون جوعاً وفقراً!

 

ــــ  ما حال من (طينها وعماها).. باستجداء المارة وهو يزدري الأسعار، وكل يومٍ يتعاهد له زوجة جديدة؟!

 

ــــ  ما حال من يتظاهر بشيء، ولا يتورع بأشياء شتى.. لمسميات قل نظيرها وتأطر ضميرها؟!  

 

ــــ  ما حال من يندس بالوسادة، وصريره بالرماد مهرولاَ؟!

 

ــــ  ما حال من تُسيره الألسنة في شيء، وساعة (الحباصي والدراهم أفهم يا فهيم، وروح دور ربعك)؟!

 

ــــ  ما حال أعمارنا بين من قال: "... ربما هي عادة اعتاد عليها، فاختبروه في صدق الحديث،

وأداء الأمانة"، " والناس عبيد الدنيا، و الدين لعق على ألسنتهم".. وبين من ينسج الهواء بالغبار؟!

 

ــــ  ما حال اليراع بين مُتملقٍ فاضح، وكلامٍ واضح؟!

 

 

وما زال الحال وهو يصدح بالتثبيت: من أراد أن يرفع سقف إنسانيته فليزر قبور أهله وعترته الموصوفة بالورق الملتف بالشجرِ..

لا أن نُجعجع بالأقاويل: أخرجوا قوت عاشر، ولنا أضعاف المعاشر بالأجر والنسبة، وما يجري عليكم لا يرنوه إلا خواص بعضنا بالتذكير..

فزكوا أنفسكم باتباع الدهن، وتغافلوا عمن سواكم ببذل الهمم، وكثرة العزائم والغنائم، وتذوق كل الأطباق!

ارسال التعليق

Top