• ٦ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الحث على التكافل في تزويج الآخرين

علي الحسيني

الحث على التكافل في تزويج الآخرين
◄لم يكتف المنهج الإسلامي بالدعوة إلى الزواج والتشجيع عليه، بل وضع برنامجاً لجعله واقعاً ملموساً يساهم المجتمع في إقامة وتشييد صرحه، فرغَّب المجتمع بالسعي لجمع الجنسين في علاقة مشروعة. قال رسول الله (ص): "أفضل الشفاعة أن يشفع في نكاح بين اثنين". وقال أمير المؤمنين (ع): "أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع الله بينهما". وقد وجّه رسول الله (ص) الأنظار والعقول والمشاعر إلى النعيم الدائم في الدار الآخرة لمن قام بجمع الجنسين في حياة زوجية، وهو خير ترغيب في ذلك عندما يتوجه الإنسان في سلّم المعنويات والروحيات قال (ص): "ومن عمل في تزويج بين مؤمنين، حتى يجمع بينهما زوَّجه الله عزّ وجلّ ألف امرأة من الحور العين...". وتوالت توجيهات أئمة أهل البيت وإرشاداتهم في الترغيب بالأعمال الصالحة، والتشجيع على القيام بالجمع بين الجنسين في ظل حياة زوجية لكي تتجذر في عقول الناس وقلوبهم وممارساتهم العملية. قال الإمام جعفر الصادق (ع): "مَن زوّج أعزباً كان ممن ينظر الله عزّ وجلّ إليه يوم القيامة". ووجه الإمام موسى الكاظم (ع) الأنظار إلى النعيم الروحي الأبدي الذي يحصل عليه المحسن الباذل نفسه في تزويج العزاب، فقال: "ثلاثة يستظلون بظل عرش الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، رجل زوَّج أخاه المسلم أو خدمه أو كتم له سراً". والمنهج الترغيبي في الحث على تزويج الشباب والشابات يوجِّه الناس توجيهاً إنسانياً بتركيزه على القيم المعنوية واستحضارها وتقريرها وتعميقها في نفوسهم، ويهيء القلوب للتلقي والإستجابة لبذل الجهد والوقت للسعي في التزويج، ويرغِّب أيضاً في تسهيل وتيسير الخطوات اللاحقة للخطبة وعقد القرآن باستيحاء القلوب وتوجيهها للانفاق المالي والمساهمة في دفع نفقات الزواج، حيث يركز على التعويض الأبدي للذين يساهمون في دفع عجلة الزواج أشواطاً إلى الإمام متعالين على شهوة المال وربقة الحرص وثقلة الشح والبخل. والتربية الإسلامية الشاملة تدفع الإنسان للتطلع إلى أفق أعلى وإلى اهتمامات أرفع من المال والثروة، فيتوجه للمساهمة في أعمال الخير عن رضى وقبول، وينتقل من مرحلة التأثير الوجداني بالتعاليم والإرشادات إلى مرحلة العمل الإيجابي. وقد وجدنا في بعض المجتمعات الإسلامية كثيراً من المحسنين الذين ساهموا في تزويج الكثير من العزاب وتحمل نفقات الزواج منذ الخطبة حتى الاستقرار في حياة زوجية هانئة. وجدنا بعض االمحسنين الذين تكفلوا عدداً من الفتيات لتزويجهنّ، وكانوا يتحركون بأنفسهم على الشباب ويشجعونهم على الزواج. وهنالك مراسيم جماعية لتزويج مئات الشباب والشابات والأرامل توزع فيها الهدايا على جميع من يحظر مثل هذه الاحتفالات. وهنالك جمعيات ومؤسسات خيرية تتبنى هذا الأمر استجابة لتعاليم أهل البيت وإرشاداتهم. ولم يقتصر المنهج الإسلامي على الإرشاد في تزويج العزاب والمحتاجين للزواج بل فرض على الأغنياء أن يدفعوا زكاة أموالهم للفقراء والمحتاجين ومنهم الشباب المحتاجين إلى الزواج، وجعل هذا الدفع عبادة تقرب الإنسان إلى الله تعالى وهو حق مفروض لا يسقط وجوبه إلا بالدفع. وأوجب على الدولة الإسلامية أن تقوم بمسؤوليتها في الإنفاق على الشباب لكي يتزوجوا، فإن لهم حقاً في بيت مال المسلمين وأوجب رسول الله (ص) على حاكم المسلمين النظر في حوائج الناس – ونها الحاجة إلى الزواج – فقال: "من ولي شيئاً من أمر المسلمين لم ينظر الله في حاجته حتى ينظر في حوائجهم". والمنهج الإسلامي أن أُحسن تطبيقه فإنّ الشباب سيندفعون للزواج اطمئناناً منهم لعدالة المنهج والنظام الإسلامي في التوزيع والعطاء، حيث إنّه ينص على انفاق ما في بيت المال على ذوي العيال والمجاعة كل في بلدته وتدفع الزيادة إلى الخزينة المركزية للدولة، كتب أمير المؤمنين (ع) إلى عامله على مكة: "... وانظر ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيباً به مواضع الفاقة والخلات، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا". ومن واجب الحاكم الإسلامي إشباع جميع الحاجات من مأكل وملبس ومسكن ومن واجبه قضاء ديون المدينين التي لا يستطيعون تسديدها وقد أنفقوها على ضروراتهم الحياتية. والحث على الزواج وسن القوانين المشجعة له من شأنه أن يمنع الانحراف ويساهم في بناء المجتمع بناءً سليماً.►   المصدر: مجلة الغري/ العدد الثاني عشر لسنة 2002م

ارسال التعليق

Top