تتعرض الحياة إلى مستجدات وتطوّرات، علينا أن نواكبها ونتهيأ لها بالشكل المناسب فأصبح العالم بين يدينا نتصرف به كيفما نشاء، نقلبه شرقاً وغرباً ببضع ثوان، فبعد أن كانت الحياة بسيطة ولا نجد فيها من يتحدث عن التكنولوجيا والتطور العلمي، أمسينا وأصبحنا بغمضة عين نواجه الثورة المعلوماتية التي تفجرت خلال 50 سنة الماضية، فقد أصبح الإنسان أكثر تحكماً وإلماماً بمن حوله حتى انّه يستطيع أن يرى ما يجري في الشرق والغرب في لحظات، فليست هناك مشكلة تواجه هذا العالم حالياً من الثورة المعلوماتية، إلا انّ هذه الثورة إذا لم تستغل وتسير في الاتجاه المناسب، فالعواقب ستكون وخيمة وجسيمة علينا، فكل هذه الأجهزة ما هي إلا للاستفادة ولإختصار الوقت من تلقي المعلومات، فالمسألة مرتبطة بالشخص نفسه، فهو الذي يوظف إستخداماته نحو ما يريده، ولكن ماذا لو استخدم هذا الجهاز وهذه الشبكات في تلقي أو إستقبال المواضيع التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فما يجري في بعض الأماكن التي يوجد فيها الانترنيت من غير حسيب ولا رقيب، إذ يستطيع أي شخص أن يدخل إلى تلك المواقع الفاحشة والمشمئزة التي يقشعر البدن من وضعها، فهل هناك رقابة فعلية على هذه الأعمال أم إن هناك حرية – كما يزعمون – مطلقة للمستخدم؟
- الابتعاد عن الأسرة:
كما إن هناك مضاراً أخرى للإنترنيت لا تقل خطورة عن سابقتها، فقد كشفت دراسة على مستخدمي الانترنيت، انّه كلما ازداد استخدام الانترنيت، زادت الضغوط النفسية في الحياة اليومية.
الا انّ الباحثين أوضحوا بأن مستخدمي الانترنيت يتعرضون إلى ضغوط لأن اطلاعهم على كميات متزايدة من البريد الالكتروني لا يتيح لهم وقتاً كافياً يقضونه مع أسرهم وأصدقائهم، فضلاً عن منعهم من التفكير في القيم الأصيلة، بل أكثر من ذلك التفكير نفسه، لأن عشق المجتمعات الحديثة للانترنيت يضعف قدرة الناس على تخزين المعلومات وحفظها.
- الآثار السلبية:
إدمان الإنترنيت، مصطلح مازال تحت الدراسة والتغيير حسب مستجدات الدراسات والبحوث، وآخر ما تم التوصل إليه في هذا المضمار هو أن مدمن الانترنيت هو من أصيب بخمسة من الأعراض:
1- التفكر الدائم في الإنترنيت حتى مع البعد عن الكمبيوتر.
2- الشعور بالرغبة في زيادة عدد ساعات إستخدام الانترنيت.
3- المكوث على الشبكة لفترة أطول من المخطط له.4- الفشل مراراً من ضبط عدد ساعات إستخدام الإنترنيت.
5- التوتر لعدم إستخدام الإنترنيت.6- الشعور بالندم على فقد مكتسبات معينة وعلاقات والتزامات بسبب كثرة إستخدام الإنترنيت.
7- الكذب على المحيطين لأجل التضرع للمزيد من إستخدام الإنترنيت.
8- اللجوء للإنترنيت للهروب من مشاكل الحياة.ولا شكّ انّ السلبيات والنتائج المؤذية، تظهر عندما يُساء إستعمال الإنترنيت، ولعل هذه الآثار السلبية تكون أكثر إيذاءً وإضراراً في مجال الحياة الأسرية، عندما يدمن بعض أفراد الأسرة على الإنترنيت ليصبح لديهم كالمخدرات، وينسى أفرادها واجباتهم وما حولهم، وكذلك إذا استغله بعضهم في علاقات غير أخلاقية أو في المخالفات الشرعية.
ونظراً لارتباط آثار الإنترنيت السلبية لاسيما الإدمان على الانترنيت، بعضها ببعض إرتباطاً وثيقاً، فإنّه يصعب طرح أحدها بمعزل عن البقية وتتجلى أسبابها في سوء إدارة الوقت وإهمال المسؤوليات الأسرية والمنزلية لأفراد العائلة، ولعل من أبرز الدوافع، كون الانشغال بالانترنيت وسيلة هروب سهلة من المشاكل الأسرية، أو طريقاً لتعويض الأصدقاء عن طريق الشبكة عبر المحادثة أو التراسل الإلكتروني، ويحدث ذلك غالباً في ظل إنشغال الأبوين وإنصرافهما عن تربية أبنائهما التربية الصالحة، فوقت المسلم ثمين ويفترض أن يكون قادراً على شغله في الأمور المفيدة والنافعة.
- ومن قصص الإنترنيت المؤسفة، القصة التالية:
درجت العادة أن نسمع عن أمهات ضحين بكل شيء من أجل سعادة أولادهنّ حتى لو كان ذلك على حساب صحتهنّ أو سعادتهن، لكن القصة التي أعرضها على القراء والقارئات على النقيض من ذلك تماماً لأن بطلتها ضحت بطفلتيها بعد أن تعرفت على رجل بواسطة الانترنيت، ولم تكتف بذلك فحسب، بل تركت البلد بكامله، وسافرت لتلتقي بفارس أحلامها، تاركة ورائها طفلتين في عمر الزهور.
وتعود تفاصيل هذه القصة الغريبة عندما انتهى زواج هذه المرأة بالفشل بعد خمس سنوات قضتها مع زوجها السابق، وأنجبت منه طفلتين، فقررت المرأة مغادرة عش الزوجية، وتبتدىء حياة جديدة، لكن بسبب الفراغ الكبير الذي أصبحت تعيشه وحيدة، بدأت تقضي جل وقتها في شبكة الإنترنيت، ولم تمض سوى أسابيع قليلة على ذلك حتى تعرفت بواسطة الانترنيت على رجل مجهول ونشأت بينهما علاقة عن طريق البريد الالكتروني علاقة قوية جدّاً أنستها طفلتيها، غير أن هذه العلاقة لم تتوقف عند حد الرسائل الالكترونية فحسب، فبعد مرور وقت قصير على قصة تعارفهما، تلقت المرأة دعوة من الرجل الذي عرض عليها الزواج مباشرة بعد لقائهما الأوّل، فوافقت على الفور وتركت طفلتيها يندبان حظهما العاثر.
وليست هذه القصة الواقعية إلا نموذج من مئات القصص المأساوية التي نتجت عن الادمان على الانترنيت.
- نصائح للحد من هذه الحالة الصحيحة:
إذاً.. الإدمان على الإنترنيت ظاهرة لا يكاد مستخدم الإنترنيت وخاصة الشباب أن ينجو منها، ولا سيما مع اعتقاد الكثيرين بكونها ظاهرة إيجابية.
واقع الأمر أنها ظاهرة غير صحية، وقد بدأت بعض الجهات الصحية بالتصدي لها، بل ان مراجع طبية أمريكية اعتبرت الإدمان على الإنترنيت حالة مرضية تستدعي علاجاً جوهرياً، ومن المهم هنا أن نذكّر الآباء تحديداً ان قضاء أبنائهم فترات طويلة يومياً أمام الإنترنيت ليس دائماً ظاهرة صحية، بل قد يمثل كثير من الحالات، ظاهرة مرضية ينبغي معالجتها، ومع غياب نشاطات تربوية وحتى علاجية في البلدان العربية والإسلامية لمتابعة هذه الظاهرة، فمن المهم هنا أن يلعب الآباء دوراً مهماً في مراقبة سلوك أبنائهم تجاه الإنترنيت، وأي انعكاسات قد تحدث نتيجة لذلك على السلوك الاجتماعي للشباب.
ونذكر هنا انّ الاستفادة المثلى من الانترنيت تتطلب تحقيق أهداف إيجابية ملموسة، وليس تمضية الوقت أو التسلية. ومن المهم أن يلعب الآباء دوراً في تعليم أبنائهم كيفية الاستفادة المثلى من الإنترنيت، خاصة السنوات المبكرة.
ونقدم هنا مجموعة من النصائح لكل من المستخدمين والآباء للتعامل مع ظاهرة إدمان الإنترنيت.
* حدّد الهدف الذي تستخدم الإنترنيت من أجله: إن وجود هدف واضح وعملي ومفيد سيساعدك على حصر نشاطاتك في الإنترنيت في هذا الهدف، ويشعرك انتقاء مبرر الوجود اللحظي على الشبكة عند تحقيقه.
* إستخدم الأدوات السليمة للوصول إلى هدفك واضمن الأدوات السلمية هنا أن تختصر على نفسك الوقت، بل وأن تقدر مسبقاً الوقت الذي تحتاجه على الشبكة، والأدوات السليمة التي نتحدث عنها تشمل أدوات البحث والمواقع المرغوبة وأدوات الاتصال المناسبة.
* لا تجعل الانترنيت وسيلتك الوحيدة للإتصال بمن حولك.
أما نصائحنا للآباء، فهي ما يلي:1- انتبه لوقت أبنائك، فليس سليماً أن تقضي أنت أو ابنك وقتاً بالساعات يومياً على شبكة الإنترنيت، خاصة إذا لم يكن عملك يقتضي مثل هذا الاتصال.
2- إنّ كثير من الآباء لا يعرفون عن الإنترنيت شيئاً ولذلك يعتقدون أن أبنائهم يحسنون صنعاً بمجرد الدخول إلى الشبكة. والأب الذي يعرف ما هي الشبكة يستطيع أن يساعد أبناءه على حسن الاستفادة منها.
3- ليكن الآباء قدوة لأبنائه، ومن المهم أن يقتدي الأبناء بأبيهم في تنظيم وقت تعاملهم مع الإنترنيت، وفي عدم الانقياد لها، وكذلك في استخدام وسائل إتصال بشرية موازية.
4- ظاهرة إدمان الإنترنيت، تعتبر ظاهرة مرضية، لذا إذا لاحظ الأب إن سلوك أحد أبنائه قد تجاوز المعهود مع الانترنيت وبدأت حياته تتأثر فأصبح انطوائياً، فينبغي عليه استشارة الطبيب فوراً.
- حاجة ماسة ولكن!
وأخيراً، نؤكد أيضاً انّ الإنترنيت في هذا الوقت أصبح حاجة أساسية فكل عمل من الأعمال يتطلب إستخدام هذا النظام وأخذ المعلومات بشكل أسرع وأفضل ومن المحتمل أن يكون لقضاء وقت الفراغ ولكن بشكل مفيد، بل وأصبح حتى شراء الملابس عبر الإنترنيت وهذا دليل على أهمية الإنترنيت في حياتنا، وأن مميزاته وإيجابياته أكثر من سلبياته وهذا راجع إلى المستخدم لهذا النظام نفسه، ماذا يريد وعمّ يبحث، فالإجابة تدل على هذا الشخص، ولا يقتصر الإنترنيت على فئة مثقفة وأخرى غير مثقفة فهو عام للجميع وليس محتكراً على أحد.
وان أهم نقطة هي الرقابة الذاتية على النفس، فالإنسان إذا لم يراقب نفسه ينجر نحو مشاكل ومفاسد كثيرة جدّاً، فتحصين النفس أهم نقطة من النقاط، وثانياً الرقابة الأسرية، فلا تكون متشددة بحيث يستخدم الشاب إستخداماً سيئاً نتيجة القسوة أو القوة في التعامل ولكن النصح والإرشاد أهم طرق التفهم والاقناع. فالبيت والأسرة والمدرسة والأصدقاء، جميعاً يشكلون كتلة واحدة في ردع الفتيان والفتيات عن الاستخدام السيء للإنترنيت، وذلك خوفاً على مستقبلهم وحياتهم التي تتلاشى وتضيع بسبب الجهل وعدم معرفة الشكل اللازم والمتقن، فالحياة تتجدد وتتغير بين حين وآخر وإذا لم نستفد ونبالي بتلك التغيرات والمستحدثات ونستخدمها بالشكل المرغوب والمطلوب، حصل التخلف وعدم الإحساس بالمسؤولية وبالتالي ضياع العمر وهو نتاج عملنا أوّلاً وآخراً.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق