أسرة
1- الإحسان إلى (الصلاة) في القرآن الكريم:
أ- إقامتها، أي الإلتزام بما يترتّب عليها من أمر بالمعروف ونهي عن المُنكر:
قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45).
ب- المُحافظة عليها: أداءً وإقامةً والتزاماً بشروطها:
قال سبحانه: (حافِظوا على الصلوات) (البقرة/ 238).
ت- أداؤها في أوقاتها:
قال عزّ وجلّ: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء/ 103).
ث- المواظبة والمداومة عليها طيلة الحياة لحاجة الحياة الدائمة إليها:
قال جلّ جلاله على لسان عيسى (ع):
(وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (مريم/ 31).
ج- إقامتها بشروطها وحثّ الناس عليها في حال التمكين في الأرض (الحكومة الإسلامية):
قال تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ) (الحج/ 41).
ح- إقامتها جماعةً وجُمعةً، لما يترتّب على الصلاتين من وحدة للصّفِّ الإسلامي، وتقارب نفسي وروحي وإخواني، وما يُجتنى من الإجتماع من ثمرات أخرى:
قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة/ 9).
خ- الخشوع فيها: أي إظهار حالة التوجّه والإنقطاع إلى الله أثناء أدائها لتؤتي ثمارها وتؤدِّي الغرض المطلوب منها:
قال عزّ وجلّ: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون/ 1-2).
د- الإبتعاد بها الرياء، وأن تكون خالصة لله تعالى:
قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام/ 162).
ذ- عدم تضييعها بالغفلة عن محتواها ومضمونها ومُرادها، أو بالإنقطاع عنها، أو بمخالفة السر الذي من أجله وُضعت بارتكاب المُنكر أو اجتناب المعروف:
قال عزّ وجلّ: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون/ 4-5).
وقال سبحانه: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) (مريم/ 59).
ر- أمر الأهل بها لتكون الأسرة أسرةً مُصلِّيةً عابدةً لله:
قال تعالى في إسماعيل (ع): (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ) (مريم/ 55).
2- الإحسان إلى (الصلاة) في الأحاديث والروايات:
أ- الإنتهاء عمّا تنهى عنه:
قال رسول الله (ص): "مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمُنكر، لم يزدد من الله إلا بُعداً".
وقال (ص): "لا صلاة لمن لم يُطِع الصلاة، وطاعةُ الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمُنكر".
ومعنى (لا صلاة): أي لا صلاة كاملة مستوفية للشروط والمعاني.
ب- التوجّه والإنقطاع إلى الله تعالى، أي الإنصراف عمّا سواه أثناء الصلاة، وهو الخشوع:
قال رسول الله (ص) مُخاطباً عليّاً (ع):
"يا عليّ! والذي بعثني بالحقِّ بشيراً ونذيراً، إن أحدكم ليقوم من وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل (يفرغ أو ينتهي) وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمّه، فإن أصاب شيئاً بين الصلاتين (ارتكبَ ذنباً) كان له مثل ذلك، حتى عدّ الصلوات الخمس".
وقال (ص): "الخشوع زينة الصلاة".
وسُئل (ص) عن الخشوع في الصلاة، فقال: "التواضع في الصلاة، وأن يُقبِل العبد بقلبه كلّه على ربِّه".
وقال الإمام الصادق (ع): "الخشوع: غضّ البَصَر في الصلاة"، أي لا ترفع بصرك عن موضع سجودك، ولا تلتفت يميناً ولا شمالاً، ولا تعبث بلحيتك.
ت- أن يستمرّ أثر الصلاة منعكساً على حياة المُصلِّي حتى تكون قد فعلت فعلها في قلبه ونفسه ووجدانه:
أوحى الله تعالى إلى داود (ع): "كم ركعةٍ طويلةٍ فيها بكاءٌ بخشيةٍ قد صلاّها صاحبها لا تُساوي عندي فتيلاً، حين نظرتُ في قلبه ووجدته إن سلّمَ من الصلاة وبرزت له امرأةً وعرضت عليه نفسها أجابها، وإن عاملهُ مؤمنٌ خانه"!
وفي الحديث القدسي أيضاً:
"إنّما أقبلُ الصلاة:
1- لِمَن تواضع لعظمتي!
2- ويكفّ نفسه عن الشهوات من أجلي. (أي خشيةً منِّي لتقوى مناعته).
3- ويقطع نهاره بذكري. (أي لا يعني الجلوس في المسجد طوال النهار، بل أن يتذكّر الله في كلِّ مواقفه وحركاته وسلوكه).
4- ولا يتعاظَم على خلقي. (يتواضع للناس ويخفض لهم جناح الذّل).
5- ويُطعِم الجائع.
6- ويكسو العاري.
7- ويرحم المُصاب.
8- ويؤوي الغَريب.
فذلك يشرق نوره مثل الشمس، أجعلُ له في الظلمات نوراً، وفي الجهالة علماً".
وفي الحديث: "إنّ الله عزّ وجل لا يقبل إلا الحسن، فكيف يقبل ما يُستخفُّ به"؟!
ث- أن تعي ما تقول في صلاتك، تفهم معنى الحمد والثناء على الله، وملكيّته ليوم القيامة، ودعاءك بالإستقامة، وتوحيده سبحانه، وأنّك إذ تركع وتسجد تُعبِّر له عن طاعتك له وحده:
قال (ص): "إنّ العبد ليُصلِّي الصلاة لا يكتَب له سُدسها ولا عُشرها، وإنّما يُكتَب من صلاته ما عقل منها".
وكان (ص) يقول: "إذا قمتَ في صلاتِكَ فاقبل على الله بوجهكَ، يُقبَل عليك".
وكان (ص) يوصي أبا ذرّ، فيقول: "يا أبا ذرّ! ركعتان مُقتصِدَتان (خفيفتان) في تفكُّرٍ، خيرٌ من قيام ليلة والقلبُ ساهٍ".
وقال (ص): "مَن صلّى ركعتين ولم يُحدِّث فيهما نفسه بشيءٍ من أمور الدنيا، غفرَ اللهُ له ذنوبه".
وبشّر المسلمين بقوله (ص): "مَن قبلَ الله منه صلاةً واحدةً لم يُعذِّبه، ومَن قبل منه حسنةً لم يُعذِّبه".
ج- من الإحسان إلى الصلاة أن تنفض عنكَ الكسل والنّعاس والتثاقل، حتى تعرف أنّك مُقبِلٌ على الرحمة والمغفرة فتنشط:
قال الإمام الباقر (ع): "لا تقم إلى الصلاة مُتكاسلاً ولا مُتناعساً ولا مُتثاقلاً، فإنّها من خِلَلِ (صفات) النِّفاق، وإنّ الله نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة، وهم سُكارى، يعني من النوم".
ح- أقِم الصلاة لوقتها، ففيه الفضل والفضيلة والثواب الأكبر، وفيه درس في الإنضباط في المواعيد، وفيه استجابة لما يحبّه الله تعالى:
قال (ص): "أحَبُّ الأعمال إلى الله، الصلاة على وقتها".
وعن الإمام الباقر (ع): إعلَم أنّ أوّل الوقت أبداً أفضل، فعجِّل بالخير ما استطعت، وأحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ ما دامَ العبدُ عليه وإن قَلّ".
وقال الإمام الصادق (ع): "إنّ العبد إذا صلى لوقتها وحافظ عليها، ارتفعت بيضاء نقيّة، تقول: حفظتني حفظك الله، وإذا لم يُصلِّها لوقتها ولم يُحافظ عليها، رجعت سوداء مُظلمة، تقول: ضيّعتني ضيّعكَ الله"!
خ- لا تتعجّل بالصلاة بتخفيفها، فإنّ من الإحساس إليها التمهّل والتريّث، وإلا كنت سارقاً:
قال رسول الله (ص): "ليس السارق مَن يسرق الناس، ولكنّه الذي يسرق الصلاة"(1)، الذي لا يُشبع قراءتها وركوعها وسجودها، بل ينقرها كنقر الغراب. ولا بأس من الإيجاز في الصلاة مع إتمامها في حال كان هناك شيخ أو عاجز أو امرأة ينتظرها طفلها، أو أيّ ضعيف.
والنهي – كما هو معلوم – في حال لا يوجد هناك مسوّغات للتخفيف.
د- أن تؤدِّيها جماعةً – ما استطعت – لما ورد من فضل صلاة الجماعة، ولما فيها من آثار التوحيد والإخلاص والإسلام وحُسن الظنّ بك:
قال (ص): "مَن صلّى الخَمْس في جماعةٍ، فظنّوا به خيراً"!
3- الإحسان إلى (الصلاة) في الأدب:
إنّ معرفة قيمة الصلاة هو من بعض الإحسان إليها:
يقول الشاعر (عبدالله المبارك) عمّن عرفَ قيمة الصلاة فأقبل عليها بقلبه:
إذا ما اللّيلُ أظلمَ كابَدُوهُ **** فيُسْفِرُ عنهم وهُم رُكوعُ
أطارَ الخوفُ نَومَهم فقاموا **** وأهل الأرض في الدنيا هجوعُ
وقال (البُحتري):
مُتهجِّدٌ يُخفي الصلاة وقد أبى **** إخفاءَها أثرُ السجود البادي
وقال (أوين فاندام): "ينبغي أن تكون الصلاة مفتاح الصباح وقفل المساء"!
وقال الرئيس الأميركي الأسبق (جيمي كارتر): "الذين يُصلّون يُقدِّمون للعالم أكثر من الذين يُقاتلون. وإذا كان العالم يتّجه نحو الشرّ، فلأنّ الذين يُقاتلون أكثر من الذين يُصلّون"!
وتقول (كريستيان برنارد): "مَن يُصلِّي ويعمل، يرفع قلبه بيدِهِ نحَ الله"!
ويقول (أيزونهاور): "لمن أفضل الأمور في الصلاة الصامتة، أنّها تُبعِد عنكَ جلبة العالم"(2).
ويقول (دوق ولنغتون): "الصّلاة الربانية تحوي على خلاصة الدِّين والأخلاق".
وقال (غاندي): "بغير الصلاة، كان يتحتّم عليَّ أن أغدو معتوهاً منذ أمدٍ طويل"!
وقال (آنون): "الصلاة تُغيِّر الأشياء"!
وقال أيضاً: "عندما لا تنحني الركبتان في الصلاة كثيراً، عاجلاً سوف تنزلق القدمان"!!
وقال، كذلك: "الرّب ينتظر الفرصة بشوقٍ ليُبارك الشخص الذي اتّجه قلبه نحوه".
وقال (وليم لو): "مَن تعلّم الصلاة فقد عرفَ أعظم سرّ حول الحياة السعيدة والكاملة".
وفي الأمثال الروسية: "وصَلِّ للرّبِّ، لكن حافِظ على التجذيف نحو الشاطئ".
ورُويَ عن (عمر بن الخطاب) أنّه رأى شخصاً يُخفِّف في صلاته ويدعو أن يرزقه الله تعالى الحور العين، فقال له: "لقد أعظَمْتَ الخِطبة، وأسأتَ المَهْر"!
4- برنامج الإحسان إلى (الصلاة):
أ- يقول الإمام زين العابدين (ع) في (حقِّ الصلاة):
"وحقّ الصلاة أن تعلم:
1- أنّها وفادة إلى الله عزّ وجلّ. (أي رحلةٌ أو سفرٌ إليه طلباً للوصال معه).
2- وإنّك فيها قائم بين يدي الله عزّ وجلّ. (أي ماثلٌ في حضرته).
فإذا علمتَ ذلك:
1- قُمتَ مقام الذليل الحقير.
2- الرّاغب الراهب.
3- الراجي الخائف.
4- المُستكين المُتضرِّع.
5- المُعظِّم لِمَن كان بين يديه بالسكون والوقار.
6- وتُقبِل عليها بقلبك.
7- وتُقيهما بحدودها وحقوقها"!
ب- ويُعرِّف الإمام الصادق (ع) بآداب الصلاة، فيقول:
"إذا استقبلتَ القبلة:
1- فانسَ الدنيا وما فيها، والخَلْقَ وما هُم فيه.
2- واستفرغ قلبكَ عن كل شاغلٍ يشغلك عن الله.
3- وعاين بسرِّك عظمة الله.
4- واذكر وقوفك بين يديه يوم تبلو كلُّ نفسٍ ما أسلفت ورُدّوا إلى الله مولاهم الحق.
5- وقِف على قدم الخوف والرّجاء.
فإذا كبرتَ:
1- فاستصغر ما بين السماوات العُلى والثّرى دون كبريائه، فإنّ الله تعالى إذا اطّلع على قلب العبد وهو يُكبِّر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره، قال: يا كاذب، أتخدعني؟! وعزّتي وجلالي لأحرمنّك حلاوة ذكري، ولأحجبنّك عن قُربي والمُسارّة بمناجاتي.
2- واعلم أنّه غير محتاج إلى خدمتك، وهو غنيّ عن عبادتكَ ودعائك، وإنّما دعاكَ بفضله ليرحمكَ ويُبعدكَ عن عقوبته"!
ت- وجاء في (صحف إدريس (ع)):
إذا دخلتُم في الصلاة:
1- فاصرفوا لها خواطركم وأفكاركم.
2- وادعوا الله دعاءً طاهراً مُتفرِّغاً.
3- وسلوهُ مصالحكم ومنافعكم بخضوعٍ وخشوعٍ وطاعةٍ واستكانة.
وإذا ركعتم وسجدتم:
فابعدوا عن نفوسكم أفكار الدنيا، وهواجس السوء، وأفعال الشرِّ، واعتقاء المكر، ومآكل السحت، والعدوان والأحقاد، واطرحوا بينكم ذلك كلّه"!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) المفهوم من الحديث ليسَ أنّ مَن يسرق مالاً ليسَ سارقاً، وإلا كيف أمر الله بقطع يده. ولم يقطع يد سارق الصلاة، ولكنّه (ص) يريد أن يُبيِّن أنّ سرقة الصلاة، أشدّ وأشنع من سرقة المال، لأنّها سرقة من الله تعالى، الذي يُفترَض أن تكون الصلاة فرصة اللّقاء به.
(2) لا يخفى أنّ صلاة المسلمين تختلف عن صلاة المسيحيين أو صلاة الدِّيانات الأخرى، ولكنّها في جميع الديانات عبادة، والصلاة الصامتة، يُراد بها التأمّل والدعاء، وقد يُراد بها الصلاة في هدأة، سواء باعتزال صخب النّهار، أو في سكون اللّيل.
ارسال التعليق