• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إن لم تستحي...

نجاة غفران

إن لم تستحي...

 

شعرت ببعض الحر. قال إنّه سينتظرها في المطعم. نظرت إلى ساعتها. مازال لديها الوقت الكافي لتجلس في الحديقة القريبة، وتفكر فيما قاله الطبيب. لن يكون من السهل إقناع عدنان. لن يقبل. تعرفه. "لا أمل لديك مدام. فكري في أمر التلقيح الاصطناعي". خضرة المكان تبعث شيئاً من السكينة في نفسها. لمحت مقعداً خالياً، تحت شجرة وارفة. اتجهت إليه وهي تفكر فيما ستقوله لعدنان. تريد طفلاً، ولا يهمها ما سيقوله الآخرون. لا يعيشون عذابها، لا يشعرون بحرمانها. عليه أن يضع سعادتهما في كفة، وكلام الناس في كفة أخرى. ويختار. تجاوزتها سيدة مستعجلة، قصدت الكرسي الذي كانت تتجه نحوه، وجلست، ووضعت جنبها كيساً مليئاً بالأغراض. بدا واضحاً أنها تعمدت أن تسبقها إلى المكان الذي اختارته. التفتت حولها. ثمة مقاعد شاغرة كثيرة. نظرت للمرأة التي كانت تبتسم بزهو من غبن الآخرين وحصل على ما كانوا يطلبونه. استفزها المنظر. خطت باتجاه نفس الكرسي، وجلست على الطرف الثاني منه. فتحت المرأة كيسها، وأخرجت بعض الأكل. حولت نظراتها عنها إلى حيث يمرح الأطفال في ساحة رملية صغيرة مليئة باللعب. تتوق لأن تنجب. ليس من حق عدنان أن يقف في وجه رغبتها. عليه أن يقدر. خمس سنوات وهي تجوب المستشفيات. عليه أن يرحمها. دمعت عيناها، ودسَّت يدها في حقيبتها تبحث عن منديل. لم يبق إلا أن تفرج الناس عليها. المرأة الجالسة قربها تتناول غداءها، ولا تلتفت إليها. لم تجد شيئاً. حقيبتها الكبيرة تمتلئ في العادة بكل ما تحتاج إليه. لا تدري ما حدث لها هذا الصباح. تنهدت، وقامت تقصد أحد الأكشاك المتناثرة بين ممرات الحديقة. اشترت علبة مناديل كبيرة، دستها في حقيبتها، وعادت إلى مكانها. رائحة الدجاج المتبل والبطاطا المقلية تثير غثيانها. شيء ثقيل يجثم على صدرها، ويخنقها. تريد أن تشعر بالحياة في بطنها، تريد أن تحمل طفلها بين يديها، وتعانقه، وتقبله، وتشم رائحته، وتضحك معه. دمعت عيناها ثانية، ومدت يدها إلى علبة المناديل الورقية، وشعرت بالمرأة التي تشاركها المقعد تمد يدها أيضاً، وتسحب بعض المناديل من العلبة. جففت عينيها، والتفتت إلى المرأة التي لم يبد عليها أي ارتباك. بل بالعكس. أنهت ساندويتشها، وتناولت المزيد من المناديل ومسحت يديها وفمها ولفت بقايا الطعام في كيسها. تملّكها الحنق. كل هذه الوقاحة! تسطو أوّلاً على مقعدها ثمّ تمد يدها إلى أغراضها دون كلمة استئذان!؟ "فعلاً، إن لم تستحي فافعل ما شئت!" قذفت في وجهها، وحملت علبة مناديلها، وقامت تغادر المكان بانفعال. أو قفت سيارة أجرة وفتحت حقيبتها لتدس فيها علبة المناديل، وكم كانت صدمتها كبيرة عندما وجدت فيها علبة مناديل أخرى جديدة، لم تُفتح بعد!

ارسال التعليق

Top