إبراهيم خشان
◄يا أيها الشباب، قال الله تعالى: (الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (الزخرف/ 67-68).
وقال رسول الله (ص): "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمّا أن يحذيك وإمّا أن تبتاع منه وإمّا أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إمّا يحرق ثيابك وإمّا أن تجد منه ريحاً خبيثة".
إقتضت الحكمة الإلهية أن تتأثر النفوس بمن حولها وتتجانس الطبائع بطبائع من تجالسها وتخالطها وتصاحبها وتصادقها فإن كان من يحيطون بالمرء أناس سمت أخلاقهم وشرفت غاياتهم وصفت عقيدتهم وسرائرهم وحسنت معاشرتهم ومصادقتهم كان المرء كذلك، وإذا كانوا أناساً مجرمين وقرناء متلونين وأصدقاء غشاشين فالمرء على خطر عظيم لكونه يعيش وسط بلاء جسيم والمصير الذي يسير إليه سيء مرذول والعاقبة وخيمة.
والمؤمن الصادق في إيمانه التقي الغيور على شرفه وكرامته هو الذي يبحث عن النفوس الطيبة وأهل الإيمان والخير الأتقياء الذين يخافون الله فيصادقهم ويجالسهم ويلازمهم وصدق رسول الله: "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها أئتلف وما تناكر منها اختلف" والمرء منا لا يستطيع اعتزال الناس جميعاً، انّه مدني بالطبع مضطر إلى العمل وله فيه زملاء ومضطر للسكن فيكون له جيران ومحتاج أحياناً إلى السفر والسعي، انّه محتاج للتعامل ليقضي حاجاته ومستلزماته فلا مفر له من التعارف والاختلاط والصداقة ولا يصح أن يصاحب الإنسان كل من يصادفه وكل من يلقاه، ففي الناس أخيار وأشرار، بل الواجب تخير الأصدقاء وانتقاء الأصحاب ووزن الناس قبل الاختلاط بهم والبحث عن تدينهم وخلقهم ومعاملاتهم قبل الارتباط معهم، وبما أننا سنتأثر بطبائعهم وسنقلدهم في عاداتهم فعلينا أن ندقق في مصاحبة البشر تماماً كما نهتم وندقق في شراء ملابسنا واستئجار مساكننا واختيار أكلنا وشرابنا، إذ انّنا ننتقي الملابس الجيِّدة المتينة لتكسبنا مظهراً ووقاية فلم لا ننتقي صديقاً جيِّد النفس متين الخلق ليكسبنا هداية ورفعة، ونحن نخشى من الأكل الفاسد والشراب الملوث فكيف لا نخشى صاحباً فسد طبعه وتعفنت أخلاقه وتلوثت نفسه بالإثم والفجور، إنسان في صورته الخارجية شيطان في الصورة الداخلية لا يعرف ربه ولا يذكر خالقه إنسان مهزوم في داخله يعبد دنياه ويتبع هواه مثل هذا أمرنا الله بمقاطعته والابتعاد عن مصادقته ومصاحبته، قال تعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) (النجم/ 29-30).
وقال رسول الله (ص): "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
أيها الأخوة الشباب: إنّ أكثر الناس اليوم تسلطت عليهم الشهوات والملذات المحرمة حتى اعلنوها وجاهروا بها فكيف نندفع في صحبة لا نفع فيها وكيف ننساق مع صداقة لا تزيدنا علماً ولا تديناً ولا تهذيباً.
واجب على كل فرد مسلم الابتعاد عن مصاحبة كل إنسان عرف بين الناس بسخفه وحماقته ومجونه وفجوره وكذلك عدم ارتياد المحافل التي ظهر فيها الالحاد واعلن فيها الفساد باسم العلم والثقافة أو جرى فيها الخوض في كلام الله تضليلاً (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (الأنعام/ 68-69).
وقد روى ان أناساً شربوا الخمر فجيء بهم إلى أمير المؤمنين (ع) عمر بن عبدالعزيز (رض) فأمر بجلدهم فقيل له: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) (النساء/ 140).
أيها الأخوة: كم من شاب مهذب متعلم كان مثال الاستقامة والأخلاق الحميدة انقلب متهتكاً فاسقاً وتبحث عن سر انقلابه فتجده صاحب الاشرار وخالط الفجار وكم من رجل كان من رواد بيوت الله كان رفيق العبادة صديق النزاهة والشرف أصبح أخا الحانات وصديق الميسر والخمر لأنّه واصل قرناء السوء وصدق الله العظيم.
(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) (الزخرف/ 36-38)، ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا، يا ويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً.
الأحبة الشباب:
يجب أن يكون الدين في قمة القمة من اهتماماتنا التي نعيش بها ولها، به كنا ونكون وبغيره لا مكان لنا تحت الشمس انّه الروح وهل يعيش الإنسان بلا روح؟ انّه المظلة التي تحفظ لنا عفاف أنفسنا وطهارة أهلنا ومستقبل أولادنا وبناتنا فليكن أحدنا أو كلنا شهماً قوياً في عقيدته وإيمانه فإنّ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، فلنفر من قرناء السوء وأصحاب المنكر وعشاق الفجور والعصيان اللاهثين وراء المتع الرخيصة والمترخصين في المبادئ والقيم ولنبحث عمن تذكرنا بالله رؤيته ويدلنا على الله حاله والذين يتقون الله ممن تحكي حياتهم قصة إيمانهم وتعكس أخلاقهم صفاء عقيدتهم (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف/ 28).
(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة/ 56).►
ارسال التعليق