• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أوصاف القرآن من القرآن

أسرة البلاغ

أوصاف القرآن من القرآن

   (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم/ 1).

الهدف: التعريف بأهمّ خصائص ومميّزات القرآن الكريم كما وردت به، وبيان فضل تعلّم القرآن وتعليمه.

القرآن الكريم مصدر للحياة وإنّ ممّا يدل على سموّ الهدف، ونبل المقصد الذي لأجله نزل القرآن هذه الأوصاف التي أطلقها الله على كتابه، فهو، حسبما وصفه ربُّ العزّة، القرآن الكريم، والقرآن المجيد، والكتاب العزيز، والكتاب المبين، والذكر الحكيم، والذكر المبارك، والصحف المطهّرة، وأحسن القَصص، وأحسن الحديث، والبرهان، والفرقان، والحقّ، والسراج، والبلاغ، إلى آخر هذه الأسماء والأوصاف التي تعبّر عن جلال وعظمة القرآن في ذاته، وعظمة وسموّ الغاية التي لأجلها نزل. فكثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى، ألا ترى أنّ كثرة أسماء النبيّ (ص) دلّت على علوّ رتبته وسموّ درجته؟ وكذلك كثرة أسماء القرآن دلت على شرفه وفضيلته.

 

خصائص القرآن في القرآن:

إلى جانب الأوصاف المذكورة نجد ربَّ العزّة تبارك وتعالى يُثني على كتابه بصفات تتعدّى إلى من أُنزل القرآن من أجلهم، والذين خوطبوا به.

إنّه الروح: وذلك في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) (الشورى/ 52)، وفي هذا الوصف إشارة إلى أنّ بالقرآن تحيا القلوب، كما أنّ بالروح تحيا الأبدان وهو ما أشارت إليه آية أخرى هي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).

أنّه نور: وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) (النساء/ 174). وفي وصفه بالنور ما يشير إلى كونه سبباً في تلاشي الظلمات وتبديد حلكتها به، كما قال في آية أخرى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).

إنّه موعظة وشفاء لما في الصدور وهدىً ورحمةً للمؤمنين: ذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس/ 57). والموعظة هي بمعنى النصح والتذكير بالعواقب.

وفي وصف القرآن بأنّه شفاء لما في الصدور بيان لكون القرآن يبني النفس الإنسانية بدفعها إلى الخيرات، ووقايتها من السيِّئات، فهو شفاء للقلب والنفس والروح من كافّة الأدواء والعلل، مثل: الوسوسة، والشكّ والشرك، والنفاق، والطمع، والحسد، والبغي، وحبّ الظلم، وغير ذلك من العلل القاتلة.

وفي وصف القرآن الكريم بالهدى دليل على استقامة الطريق به، فلا إعوجاج ولا انحراف كما قال تعالى في آية أخرى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء/ 9).

القرآن نور وهداية وباعتبار أنّ الهداية أصل في إنزال القرآن، ومظهر من مظاهر إعجازه، لذا نجد الله سبحانه وتعالى يؤكّد على هذا في العديد من الآيات، وقد أحصيت ما وصف الله فيه كتابه بالهدى فزادت على عشرين مرّة، وأحياناً كان يذكرها في الآية الواحدة مرّتين، وذلك كقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة/ 185).

ينتج من هذا كلّه أن يكون القرآن الكريم رحمة من الله ساقها لعباده، وهو ما ختمت به الآية الكريمة من أوصاف القرآن الكريم.

إنّه نعمة: لم يخصّ الله بها رسوله فقط، بل هو لكلّ الناس، وشكرها واجب عليهم جميعاً، فقال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) (البقرة/ 231). فمن اتعظ بالقرآن كان له رحمة، ومن خالف أوامره كان عليه لعنة.

إنّه أحسن الحديث: قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (الزّمر/ 23)، لأنّه يقدم للإنسان سبيل خلاصه مستفيداً من تجارب الماضين وعبر الحاضر.

وهكذا كلّ وصف أطلقه الله على القرآن الكريم نجد جانباً مشرقاً يعبر عن سمو الغاية، ونبل الهدف الذي لأجله أنزل الله القرآن، والحقيقة أنّ الدنيا كلّها لو أشبعت القرآن ثناء فلن توفّيه حقّه؛ لأنّها لا تحيط به علماً. فما سجلوه في حقّ القرآن قطرة من بحر، بجانب ما ذكره الله تعالى في وصف كتابه، وأبان به عن سموّ غايته، وجلال رسالته. هذا الخير العظيم الذي احتوى عليه القرآن الكريم في آياته ظهرت ثمراته وبركاته واضحة جليّة على أصحاب النبيّ (ص) والأجيال التي تلتهم، فأعزّهم الله بعد ذلّ وجمعهم بعد فرقة، وأصبحوا سادة بعد أن كانوا عبيداً، ودعاة بعد أن كانوا رعاة.

السرُّ في تحوّل العرب وقوتهم: لقد كان السرّ وراء هذا التحوّل كلّه في حياة العرب نزول القرآن الكريم، إذ لم يكن بديارهم قبل نزول القرآن معاهد للتعليم، ولا أساتذة للتربية، وكانوا إلى جانب ذلك فقراء في أسباب الحضارة ومظاهرها، فهم قبائل مشتّتة يثور فيما بينهم التنازع لأتفه الأسباب، ومعبوداتهم من الأصنام والأوثان، وحالتهم الاجتماعية والاقتصادية في أدنى الدرجات، ولم يكن للنبيّ (ص) قبل نزول القرآن عليه أستاذ يعلّمه أو كتاب يقرؤه: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) (العنكبوت/ 48). وفي الدلالة على كون القرآن الكريم هو العامل الأساسيّ في إخراج الأُمم من أوضاعهم المتردّية إلى ما يسمو بإنسانيتها قول الله تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)، والشاهد في الآية أنّ الله جعل القرآن وسيلة الرسول (ص) التي بها يستخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولم يفقد القرآن الكريم خاصيته تلك، بل بقي وسيبقى أبد الدهر لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الردّ.

الغاية العظيمة من القرآن هي تكوين الأُمّة ومن خلال ما ذكرناه في النقاط الخمس السابقة يتّضح لنا أنّ الله تعالى أنزل هذا القرآن لغاية عظيمة، هي تكوين الأُمّة، وصناعتها على عين الله، بحيث تتميّز في عقائدها وعبادتها وأخلاقها، وتتبوّأ مكان الصدارة على غيرها في هذه الدنيا، فإذا كانت يوم القيامة نالت شرف الشهادة على الناس جميعاً.

العمل بالقرآن أمر ملحٌّ، ولذا كان العمل بالقرآن والتزام تعاليمه فريضة على كلّ مسلم، ومطلباً ملحاً أكد عليه ربُّ العزّة مراراً وتكراراً، ونضرب لذلك بعض الأمثلة:

فمرّة يأمر الله عباده باتباع القرآن والسير على نهجه فيقول: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام/ 155).

ومرّة يأمرنا بالاستمساك به وعدم التفريط فيه فيقول: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الزخرف/ 43).

وثالثة يدعونا إلى تحكيمه في كلّ ما ينزل بنا، ويحذرنا من الميل بأهوائنا بعيداً عن هديه فيقول: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (المائدة/ 49).

ورابعة يدعونا إلى تلاوته: ويثني على من يواظبون على تلاوة القرآن فيقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر/ 29-30). تلاوة القرآن أعمّ من أن تكون باللسان وقد تكرّر الأمر بتلاوة القرآن في كثير من الآيات حتى عدّ في بعضها هدفاً بُعث لأجله رسول الله (ص)، وذلك في نحو قوله تعالى: (كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) (الرّعد/ 30). والتلاوة في هذه الآيات وأمثالها أعمّ من أن تكون مجرّد ترديد اللسان.

تعليقات

  • 2023-03-28

    سعيد حجوجة

    بحث مفيد ، هام ومختصر، يظهر أهمية القرآن بالنسبة للانسان،بصفة عامة، وللمسلم بصفة خاصة

ارسال التعليق

Top