• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أهمية الهدف في حياتنا

أهمية الهدف في حياتنا

◄لعلّ أقدس قضية يُمكن أن يضعها الإنسان نصب عينيه خلال مسيرة حياته المحدودة في هذه الدنيا هي التعرُّف على الهدف النهائي من إيجاده وخلقه. فتشخُّص الهدف ووضوحه من أهم مُيسِّرات السلوك إليه وبلوغه. والذي يملك هدفاً في حياته تراه أقدر على ترتيب أولوياته وتنظيم حياته وتركيز مجهوده. والذي لا يعرف الهدف من وجوده في هذه الدنيا أشبه بشخص تائه في صحراء فسيحة، لا تزيده كثرة السير فيها إلّا ضياعاً وتعباً، ثمّ مصيره إلى الهلاك في نهاية المطاف. أمّا الذي يعرف هدفه فمثله كمثل شخص يسلك طريقاً طويلاً وشاقّاً، ولكنه يرى بصيص النور في آخره فتراه يتعجّل بلوغ هذا النور هو الخاتمة السعيدة ببلوغ نهاية الطريق.

إنّ أهم ما يُميِّز مسيرة الأنبياء (عليهم السلام) عن غيرهم من البشر هو وضوح الهدف أمامهم بنحو لا يشوبه شكّ أو غموض. ولذلك ترى منهم هذه القَدَم الراسخة في السير نحو الله عزّ وجلّ، فلا يهزُّهم اعتراض المعترضين ولا كيد الكائدين. هم يتوجّهون إلى هدفهم بفؤاد يُردِّد دائماً وأبداً: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام/ 79). وهذه القَدَم الراسخة والثابتة تجدها أيضاً في أتباعهم على مرّ التاريخ. ولا يوجد أيُّ منهج غير منهج الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) يستطيع أنْ يورث الإنسان الوضوح في الغاية والطريق.

استنتاج:

-         وضوح الهدف يُسهِّل على الإنسان بلوغه والوصول إليه.

-         الذي لا هدف له كالتائه في صحراء فسيحة.

-         الأنبياء (عليهم السلام) يشكِّلون النموذج الأكمل لمن هم على بصيرة ومعرفة بالهدف الذي يريدون الوصول إليه.

 

كيف يُحدِّد الإنسان هدفه في الحياة؟

عن أيّ نحو من الأهداف نتحدّث في هذا الدرس؟ فالإنسان قد يقع في طريق حياته العديد من الأهداف، منها ما يتعلّق بمعاشه في هذه الدنيا، ومنها ما يتعلّق بعلاقاته الاجتماعية، وغير ذلك أيضاً. إنّ الهدف الذي نرمي إليه ونودُّ التحدُّث عنه هو الهدف المتعلِّق بمجمل مصير الإنسان النهائي والأبدي. فأيُّ حديث عن هدف غير هذا الهدف هو حديث عن هدف ثانوي. ولذلك من المهم أن نعلم أنّ الأهداف في حياة الإنسان لها ترتيبات من حيث الأهمية، وفي النهاية كلّها تقع تحت ذاك الهدف الذي يتوقّف عليه مصير وسعادة الإنسان الحقيقية والأبديّة.

وهناك سؤال حسّاس يواجهنا بعد هذه المقدّمة التوضيحيّة:

إذا كان الهدف الذي نبحث عنه هو هدف يتعلّق بمجمل مصير الإنسان وسعادته الحقيقية، فمن هو المخوّل تحديد هذا الهدف؟ هل يُمكن للإنسان أن يُشخِّص ويُحدِّد هذا الهدف؟ إنّ نظرة سريعة على نتاجات العقول البشرية تُبرز لنا تضارباً واختلافاً في تحديد هدف الإنسان النهائي خلال حياته القصيرة في هذه الدنيا. وبالتالي لا يُمكن أن نركن إلى هذه النظريات التي تبيّن أنّها حقّها أنّها قاصرة ومحدودة الرؤية.

ما هو الحلُّ إذاً؟ هل يوجد مَن هو قادر على إرواء عطشنا لهذه الحقيقة؟ نعم يوجد.. إنّ خالق الإنسان هو الذي يملك الجواب الشافي والصحيح على هذا السؤال.

إنّ الله عزّ وجلّ الذي يملك العلم المطلق، والحكمة والعدل هو الذي يعرف ما يصلح للإنسان وما ينفعه، وهو المخوّل لوضع الهدف اللائق والصحيح الذي يُمكن للإنسان الوصول إليه. والله عزّ وجلّ لا تحكمه الغرائز والأهواء، ولا تحكمه العصبية العمياء كما هو عند بني البشر، والذي يتّصف بهذه الصفات هو الذي يجب أن نتوجّه إليه لنستقي منه الهدف النهائي لوجودنا في هذا الكون.

استنتاج:

-         الهدف الذي نتحدّث عنه له علاقة بمجمل مصير الإنسان النهائي، والذي تتوقّف عليه سعادته الأبديّة.

-         الإنسان ليس مخوّلاً تحديد هذا الهدف لمحدودية رؤيته، خاصة في هذا الأمر المصيري والحسّاس.

-         الله عزّ وجلّ الذي يتّصف بالعلم والحكمة هو المخوّل تحديد الهدف الذي يصلح للإنسان.

 

ما هو الهدف من وجود الإنسان؟

لقد بعث الله عزّ وجلّ إلينا أنبياءه ورسله ليبيّنوا لنا الكثير من الحقائق والمعارف. وهؤلاء الكمّل هم وسيلتنا لنعرف الغاية التي خلقنا الله من أجلها. إنّ الرسول الخاتم (ص) قد نقل لنا كلمات الله عزّ وجلّ في هذا الخصوص، ثمّ فسّر لنا مراد الكلام الإلهي. يقول تعالى: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (الذاريات/ 55-57).

إنّ الله عزّ وجلّ يأمر نبيّه الكريم بأنْ يُذكّرنا بهذه الحقيقة التي أودعها في فطرتنا وجبل أرواحنا عليها، وهي أنّ الغاية من خلقتنا أن نعبد الله عزّ وجلّ. فالله عزّ وجلّ لا يُريد منّا رزقاً وما شاكل ذلك، وكيف يطلب رزقاً وهو الغنيُّ الذي لا يفتقر. إنّ الغاية التي خلقنا الله عزّ وجلّ من أجلها ترجع بفائدتها إلينا، لأنّ الله عزّ وجلّ غنيٌّ أيضاً عن عبادتنا. وفي كلام الرسول الأكرم (ص) والعترة الطاهرة (عليهم السلام) ما يُبيّن أنّ موقع العبادة هو في الجانب المسلكيّ والعمليّ الذي يؤمّن وصول الإنسان إلى الكمال والسعادة اللذين أعدّهما الله عزّ وجلّ لأهل طاعته. فالعبادة غاية لأنّها توصل إلى هذا الهدف.

فتحصّل لنا أنّ الغاية النهائية التي يتوقّف عليها مصير الإنسان هو الوصول إلى الكمال الذي أعدّه الله عزّ وجلّ لأهل طاعته، وفي الوصول إلى هذا النحو من الكمال سعادة الإنسان الحقيقية التي لا تُقاس بها أي سعادة في عالم الدنيا.

استنتاج:

-         الله عزّ وجلّ أرسل لنا الأنبياء والرسل (عليهم السلام) ليُعرّفونا على الهدف من وجودنا في هذه الحياة.

-         الهدف الذي خُلقنا لأجله هو الوصول إلى السعادة الحقيقية المتمثّلة بالكمال الذي يمنحه الله عزّ وجلّ لعبيده الذين يُطيعونه ويعبدونه ولا يُشركون به شيئاً.►

ارسال التعليق

Top