◄قال رسول الله (ص): "العلم يُرشدك، والعمل يبلغ بك الغاية".
ما هي أهمية العمل في حياة الإنسان؟
العمل يشكِّل قيمة أساس ترتكز عليها عملية تطوير الإنسان لقواه وقابلياته. فالله -عزّ وجلّ- خلق الإنسان وأودع فيه الاستعداد والقابلية للتطور والكمال. وما يُمكن أن يُخرج هذه الاستعدادت من حيّز السبات إلى حيّز الفعلية والوجود هو العمل والجهاد في هذه الحياة. وليكن معلوماً أنّ هذا الأمر يُعتبر سنّة إلهية لا تتبدّل ولا تتغيّر، وبالتالي تستطيع كلّ البشرية أن تستفيد وتنعم من بركات هذه السنّة وهذا القانون. ولذلك نجد أنّ المجتمعات التي عملت وجاهدت وبذلت كلّ ما لديها في سبيل أمر ما استطاعت الوصول إلى ما رمت إليه، هذا مع كون بعض هذه المجتمعات لا تمتلك اعتقاداً صحيحاً وسليماً. وما ذلك إلّا لأجل هذا القانون الإلهي العامّ والشامل. نعم، إنّ المجتمع المؤمن والموحّد، يستطيع أن ينعم من خيرات هذا القانون فيما لو طبّقه، وأضاف إليه التسديد والتوفيق الإلهيين. لأنّ الله عزّ وجلّ وعد الذين يعملون ويبذلون الجهد من المؤمنين أن يفتح لهم الآفاق، ويوصلهم إلى بركات وثمرات لم يكونوا ليتوقّعوها، وذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت/ 69).
ثمّ إنّ للعمل بُعداً آخر مهمّاً جدّاً لا يُدركه إلّا مَن اغترف من نبع الإسلام الصافي. وهذا البُعد يتعلّق بعالم الآخرة. فمن الثابت بحسب النصوص الشريفة أنّ الذي يُشكِّل كيان الإنسان ووجوده في عالم البرزخ وفي القيامة هو عمله إلى جانب اعتقاده. فمن أراد أن يظفر بصورة باهية وجميلة لنفسه في ذلك العالم فعليه بالعمل الصالح. ومَن اعتاد على الأعمال الطالحة من دون أن يتوب فلا ينتظرنّ هناك إلّا وجهاً أسوداً ونفساً متعبة ومُرهقة ومُعذّبة. وكلّ ذلك صنيعة أعمال الإنسان في هذه الدنيا. يقول تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) (النجم/ 39-40). ويقول أيضاً: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (عبس/ 38-42). وعن أمير المؤمنين (ع): "قيمة كلّ امرئٍ ما يُحسنه".
استنتاج:
- العمل يُشكِّل قيمة أساساً ترتكز عليها عملية تطوير الإنسان لقواه وقابلياته.
- للعمل بُعد أخروي، حيث إنّه المكوّن الأساس لحقيقة الإنسان في عالم الآخرة.
موقع العمل في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ:
عن أمير المؤمنين (ع): "العمل شعار المؤمن".
من أهم الميزات التي أضفاها الإسلام على العمل؛ كونه أفضل مُبلِّغ في سبيل الله عزّ وجلّ. فالعمل به تأثير على الناس أكثر من وعظمهم ونصيحتهم باللسان. لأنّ العمل المتجسِّد في شخص ما هو أوضح مصداق على إمكانية تحقُّق الأمور الحسنة المدّعاة وتطبيقها. ولذلك ورد عن العترة الطاهرة (عليهم السلام): "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإنّ ذلك داعية".
ولعلّ أهم مشكلة تواجهها مجتمعاتنا حاليّاً هي كثرة الواعظين وقلّة المتعظين، وهذا ما يُمكن أن نُطلق عليه بغياب "القدوة الصالحة"، ولذلك كان العنصر البشري الذي يُذكِّر بالله -عزّ وجلّ- من خلال أعماله وعباداته هو أبلغ مؤثِّر في تاريخ البشرية. أنظروا إلى سيرة الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام)، ألم تخلده هذه السيرة في ذاكرة البشرية عبر التاريخ لأجل التضحيات والأعمال الجليلة التي قدّموها. ما الذي يرتكز في أذهان الناس عن أمير المؤمنين (ع) مثلاً؟ أليس شجاعته وبطولته في بدر وأحد وخيبر، أليس زهده وعبوديته لله -عزّ وجلّ-، أليس قضاؤه وحكمه بين الناس بالعدل. ولذلك جاء هؤلاء العظام ليكونوا قدوة للبشرية وليصنعوا القدوات أيضاً. لقد ترك لنا رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) نماذج عظيمة لم تأتِ باقي الحضارات البشرية بمثلها من أمثال: سلمان المحمدي، وأبي ذر والمقداد وعمّار وميثم التمار وكميل بن زياد وغيرهم. هؤلاء قدّموا لنا الموعظة البليغة بالأفعال لا بالأقوال. وإذا أردنا أن نترقّب الصلاح في مجتمعنا فعلينا أن نشرع بأنفسنا وأن نكون قدوة صالحة لجميع الناس.
استنتاج:
- العمل أفضل مبلّغ إلى الله -عزّ وجلّ-؛ لأنّ تأثيره على الناس يفوق تأثير الكلام والموعظة.
- إذا أردنا أن يتحقّق الصلاح في مجتمعنا فعلينا أن نشرع بإصلاح أنفسنا وأن نكون قدوة صالحة لجميع الناس.
عوامل نجاح الأعمال:
قال أمير المؤمنين (ع): "أفضل العمل ما أريد به وجه الله".
يوجد عوامل وشروط عديدة يجب أن تقترن بأعمالنا حتى يُكتب لها النجاح، أهمها:
1- اقتران العمل بالإيمان: فالعمل من دون إيمان لا قيمة له بالمقياس الديني والأخروي، ولذلك نلحظ أنّ القرآن الكريم قرن بينهما في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).
2- الاهتمام بالكيف وإتقان لا بالكم: من أهمّ الأمور التي تُنزل من قيمة العمل هو اعتماده فقط على عنصر الكمّ، وعدم مراعاة الجودة والنوعية فيه. ولذلك ورد عن الإمام الصادق (ع) في قول الله -عزّ وجلّ-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) (الملك/ 2)، قال: "أليس يعني أكثر عملاً ولكن أصوبكم عملاً".
3- تصفية العمل من الرياء: فقبول الأعمال ونماؤها مُعتمِد على الإخلاص، وقد ورد في الأحاديث أنّ: "تصفية العمل أشدُّ من العمل".
4- الإقدام وعدم الخوف: فكثيرٌ منّا لا يقدم على بعض الأعمال التي قد تكون مهمة ومفيدة بسبب الخوف من الفشل وما شاكل ذلك، والنصيحة في المقام -خاصةً إذا كُنت تملك لياقة وقدرة القيام بهذا العمل- هي ما ورد عن أمير المؤمنين (ع)، حيث قال: "إذا هبت أمراً فقع فيه، فإنّ شدّة توقّيه أعظم مما تخاف منه".
5- الاستمرارية: إنّ كثيراً من الأعمال العظيمة تذهب هباءً منثوراً ويضيع الجهد فيها بسبب عدم إتمامها، ولذلك إنما تُقيَّم الأمور بخواتيمها. وقد ورد عنهم (ع): "قليلٌ تدوم عليه أرجى من كثيرٍ مملول منه".
6- التقييم والاعتبار من الأخطاء: من الأمور التي ينبغي الحرص عليها إجراء تقييم للنتائج المترتّبة على الأعمال. فهذا يُساعد على تطوير العمل وسدّ الثغرات التي قد تكون فيه. والتقييم يُعتبر أحد أهم الوسائل المتّبعة في المجتمعات العصرية لتطوير أدائها في مختلف مجالات الحياة.
استنتاج:
- عوامل نجاح العمل هي: اقتران العمل بالإيمان، الاهتمام بالكيف وإتقان العمل لا بالكم، تصفية العمل من الرياء، الإقدام وعدم الخوف، الاستمرارية، التقييم والاعتبار من الأخطاء.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق