• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أهمية الصِّدق في ساحة الحياة الإنسانية

عمار كاظم

أهمية الصِّدق في ساحة الحياة الإنسانية

الصِّدق قيمة أخلاقية كبرى يقاس بها إيمان المؤمن، وتعرف بها أصالته، ويتميَّز بها حضوره وأثره في الحياة الدنيا وفي الآخرة. فالصِّدق ميزان يضبط حركة المؤمن في علاقاته وفي كلّ أوضاعه، ويحقّق له ذاته ووجوده الفاعل والحيّ والأصيل، ويجعل منه إنساناً يعيش روح الإيمان، وروح الالتزام، وروح المسؤولية، وروح الأخلاق السامية التي أراده الله تعالى أن يتّصف بها، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (الأحزاب/ 70). النبيّ الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ركَّز في أحاديثه الشريفة على قيمة الصِّدق وأهميّته في الحياة الإنسانية، فيرُوى عنه قوله: «إنّ الرجل لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يخالف قوله عمله»، وينقل مالك بن أنس عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنّة لا يأمن جاره بوائقه». الصِّدق عماد الإسلام، ودعامة الإيمان، ورأس الدِّين، وسيِّد الأخلاق. يقول الإمام الصادق (علیه السلام): «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل (الإنسان) وسجوده، فإنّ ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك؛ ولكن انظروا إلى صِدق حديثه وأداء أمانته».

إنّ الصِّدق الذي يعدّ واحداً من القيم الخلقية الإسلامية الهامة يشكّل دعامة في بناء مجتمع صالح إلّا أنّه لا يكون صِدق في القول فحسب، بل الصدق أعمّ من ذلك، «وإنّما يكون في صِدق اللسان إذا تحدث، يكون في النيّة التي في القلب، ثمّ في العزم والوفاء بما عقد النية عليه، ثمّ في العمل هذا وذاك كلّه». يُصنّف الصِّدق بين الفضائل الخلقية التي تشكّل عاملاً هاماً في زرع الثقة بين الناس ممّا يثمر وحدة مجتمعية، وتماسكاً بين أعضاء الجماعة لا خلل فيه. كما أنّ الصِّدق يعبّر عن استقامة الإنسان الصادق، وشجاعته وإتزانه لأنّ الصِّدق يجمع خصالاً محمودة قلّما تكون في غيره. لهذا يعتبر الصِّدق أولوية في الأخلاق لأنّ به صلاح كلّ شيءٍ، ولأنّه - كما رُوِي عن الإمام عليّ (علیه السلام) - أخو العدل، وكمال النُّبل، ولسانُ الحقّ، وخيرُ القول، و«إنّ مَن صَدقَ لسانه زكا عملهُ»، وبالتالي فإنّ مَن صَدقَ - كما في الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - نجا، أي إنّ النجاة في الصِّدق، ولكلّ قاعدة استثناءات. ولأنّه ما من عمل في هذا الدِّين إلّا وهو بحاجة إلى أن يُصدِّقه الصِّدق، في وقت يكثر فيه الكذب، والغش، والزعم، والادّعاء، والتلفيق، والتزوير، والتحريف، والتلاعب، والنفاق، ولذلك كانت دعوة القرآن صريحة في اعتبار الصِّدق أولوية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة/ 119). فإذا تَعدَّدت الاختيارات، وهي بطبيعتها مُتعدِّدة، فليس للمؤمن إيماناً صادقاً بالله إلّا أن يختار الاصطفاف مع مجتمع الصِّدق والصادقين، وإذا طُلبَ إلينا أن نُعرِّف الإسلام بموجب مفهوم الصِّدق، نقول إنّه مدرسة (القول الصادق) و(العمل الصادق).

من المهم أن يتوافق ظاهر المؤمن مع باطنه، فلا يكون ظاهره شيئاً، وباطنه شيئاً آخر على مستوى الشعور والتفكير والموقف والكلمة، لذا، فإنّ قوله يصدق عمله، وعمله يؤكِّد قوله، وإلى ذلك المعنى، يشير الله تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصفّ/ 2-3). إنّ القول السديد يحمل في مضمونه الصِّدق والحقّ والعدل، بحيث ينسحب ذلك كلّه خيراً على مساحة الحياة كلّها، في مقابل كلمة الباطل، ومقابل الكذب المقيت الذي لا يمكن أن يتّصف به المؤمن. وهكذا، فإنّ الصِّدق مع الله هو أعظم قيمة يرتفع بها شأن الإنسان في الحياة وبعد الممات، وذلك هو شأن المؤمنين الصادقين مع ربّهم فهم إذا عاهدوا الله صدقوا ما عاهدوا الله عليه مهما بلغت قيمة البذل وضخامة التضحيات، وفيهم يقول الحقّ جلّ جلاله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا) (الأحزاب/ 23).

ارسال التعليق

Top