في أي مراحل العمر يصاب الإنسان بالقلق؟
كثيراً ما يدور هذا التساؤل بالأذهان حيث ساد اعتقاد لردح طويل من الزمن بأنّ الاضطراب النفسي كالقلق والاكتئاب يصيب الإنسان في مرحلة النضج نتيجة لتعدد الأعباء والمسؤوليات المطلوبة منه لكن الواقع أنّ هذه الحالات تصيب الناس من مختلف مراحل العمر فهي تصيب الصغار والكبار على حد سواء لكن ظاهرها تختلف تبعاً لمراحل العمر المختلفة ومراحل العمر المختلفة التي تمثل رحلة الإنسان في الحياة تبدأ قبل أن يكون للإنسان عهد بهذه الدنيا وهو يعد في مرحلة التكوين كجنين في رحم الأُم فهو حينئذ يمكن أن يتأثر بحالة الأُم النفسية ثمّ يخرج الطفل إلى الدنيا ويمر بمرحلة الطفولة المبكرة (حتى سن الخامسة) ثمّ الطفولة المتأخرة (حتى سن الثانية عشر) وبعد ذلك تأتي مرحلة المراهقة (من الثالثة عشر وحتى العشرين) يليها مرحلة الرشد (من العشرين حتى الأربعين) ثمّ الفترة التي يطلق عليها منتصف العمر (من سن الأربعين وحتى الستين) ثمّ أخيراً مرحلة الشيخوخة وتبدأ بعد الستين وحتى نهاية رحلة الإنسان في الحياة وفي هذه المراحل يكون الإنسان عرضة للإصابة بالقلق فقد أصبح القلق في هذا العصر في حكم الظاهرة وهو مرض لكل الأعمار وأن اختلفت أسبابه وصوره من سن إلى آخر.
قلق الأطفال:
يصاب الأطفال بالقلق لكن ليس بوسعهم وصف ما يعانون منه أو التعبير عن مشاعرهم وانفعالاتهم غير أننا نستطيع استنتاج ما يشعرون به مما يبدر عنهم من تصرفات أو ما يظهر عليهم من أعراض مختلفة وينشأ قلق الأطفال عادة نتيجة لمواقف يتعرضون لها في نطاق الأسرة في سنوات العمر الأولى ويكون للأب والأُم دور كبير في إصابة الأبناء بالقلق حين يدفعون الطفل إلى الشعور بعدم الأمن ويكون ذلك نتيجة للخلافات المستمرة بينهما أمام الأبناء ظناً منهم أنّهم في هذه السن لا يفهمون شيئاً مما يفعله الكبار وهذا غير واقعي فالأطفال يتأثرون بشدة لما يحدث من حولهم داخل محيط الأسرة وما يشاهدونه من مواقف تثير انفعالهم وتختزن في ذاكرتهم حتى تتسبب في حدوث الاضطراب لهم فيما بعد.
وقد يتسبب الآباء والأُمّهات بحسن النية في زرع بذور القلق لدى الأبناء ببعض الأخطاء التي يرتكبونها في أسلوب تربيتهم في سنوات الطفولة فالأُم التي تبدي حماية زائدة لطفلها وتجعله يشعر طوال الوقت انّه معرض لخطر متوقع والأب الذي يبالغ في إبداء خوفه وقلقه في كلّ مناسبة ولا يبدو هادئ الروع أمام أفراد أسرته يمكن أن يتسبب في انتقال عدوى الخوف والقلق إلى بقية أفراد الأسرة خصوصاً الأطفال الصغار، ففي بعض حالات الخوف المرضي لدى الأطفال من الحشرات أو الفئران والقطط والكلاب يكون لدى أحد الأبوين حالة مشابهة من المبالغة في الخوف من نفس هذه الأشياء وكذلك في حالات الخوف من الظلام أو من البرق أو من مقابلة الغرباء ففي كلّ هذه الحالات قد تظهر الأعراض على الأطفال بصورة حادة والسبب هو تأثرهم بحالة الآباء والأُمّهات ولا تفلح في علاج هذه الحالات النوايا الحسنة للوالدين.
ألوان مختلفة للقلق في الأطفال والمراهقين:
من الصور المتعددة التي يمكن أن يظهر بها القلق في سنوات الطفولة الأولى الحركات العصبية التي تصدر عن الأطفال الرضع مع الصراخ وتقلص العضلات كتعبير عن عدم الرضا لتأخر وجبة الطعام التباطؤ في تبديل ملابسه المبتلة ومن أمثلة التعبير عن القلق أيضاً الحركات غير الإرادية نتيجة انقباض بعض العضلات أو التبول في الفراش للأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة بعد أن يحدث التحكم في عملية التبول بالفعل ومن مظاهر القلق في هذه المرحلة قضم الأظافر أو مص الإصبع أو الكوابيس التي تصيب الأطفال أثناء النوم وحالات الفزع الليلي وهي صور القلق والاضطراب تظهر أثناء النوم كما قد يصابون بحالة المشي والكلام أثناء النوم.
وتلاحظ الكثير من الأُمّهات أنّ الحالات التي ذكرناها قد تبدأ أعراضها في الظهور لأوّل مرة عند ميلاد طفل آخر يستحوذ على اهتمام الأُم كما قد يكون انفصال الطفل في السن المبكرة عن الأُم هو العامل المسبب لهذه الحالات نظراً لانعدام شعوره بالأمن ويكون ذلك مثلاً عند ذهابه إلى الحضانة أو المدرسة لأوّل مرة كما أن أسلوب التربية الذي يقوم على العقاب النفسي والبدني للأطفال بالحرمان والضرب تكون نتائجه عادةة سلبية على تكوينهم النفسي.
أما في المراهقين فإنّ التغييرات التي تحدث في هذه المرحلة من جسدية ونفسية واجتماعية قد تكون مصحوبة ببعض الخلل في الاتزان الانفعالي مما يجعل الأبناء في هذا السن عرضة للإصابة بالقلق والاضطراب الذي يعبر عن نفسه في صورة السلوك المتطرف والذي يصل أحياناً إلى حد الانحراف، والأمثلة على ذلك التدخين واستخدام المخدرات والانحرافات الجنسية، وتزيد احتمالات حدوث هذه الإضطرابات إذا كانت الظروف الأسرية والبيئية من حولهم غير ملائمة، على سبيل المثال وجد أن مشكلات المراهقين تزداد في الأسر التي تنهار بسبب الطلاق مقارنة بالأسر الأخرى حتى تلك التي يغيب فيها أحد الوالدين بسبب الوفاة!
المصدر: كتاب عصر القلق.. الأسباب والعلاج للكاتب د. لطفي الشربيني
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق