◄هناك عوامل عديدة تمنع الناس من التفكر، مجموع هذه العوامل أو بعض منها، أو حتى واحد فقط، قد يعيق تفكر الإنسان ويمنعه من إدراك الحقائق. لذلك يجب عليه أن يحدد العوامل التي تؤثر فيه سلباً ليتخلص منها، وإلا فإنّه لن يستطيع أن يرى الوجه الحقيقي لهذه الحياة الدنيا، فيخسر خسراناً مبيناً في الآخرة.
والله سبحانه ينبئنا عن حال أولئك الذين تعوّدوا أن يفكروا بسطحية، فيقول تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) (الروم/ 7-8).
وفيما يلي بعض العوامل التي تمنع الناس من التفكر:- اتباع الأكثرية يؤدي إلى الجمود العقلي:
اعتقاد الناس أن ما تفعله الأكثرية بينهم هو الصحيح، من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الضلال. فالإنسان عادة يفضل قَبول ما تعلمه من الناس من حوله على البحث عن الحقيقة عبر التفكر، ويرى أنّ الأشياء التي تبدو غريبة للوهلة الأولى، يعتبرها الناس عادية لدرجة أنهم لا يتنبهون إليها، لذلك فإنّه بعد فترة يبدأ بالاعتياد عليها. مثال على ذلك: كثير من الناس حولنا لا يسلّم بأننا سنموت في يوم من الأيام، حتى أنهم لا يسمحون لأحد بالتحدث عن هذا الموضوع كي لا يذكرهم بالموت. وعندما ينظر المرء حوله ويرى كيف يتصرف الناس فإنّه يقول في نفسه: بما أنّ هذا حال كل الناس، لن يضيرني أن أتصرف بنفس الطريقة، فيعيش حياته دون أن يتذكر الموت أبداً، ولو أنّ الناس من حوله خافوا الله وجاهدوا في سبيل الفوز بالآخرة حق جهاد؛ لكان في أغلب الظنّ غيّر تصرفه.
مثال آخر على ذلك: تنقل الصحف والتلفزيونات يومياً مئات الأخبار عن الكوارث والظلم والاضطهاد وغياب العدالة، وعن الجرائم وحالات الانتحار، كما تغطي حوادث السرقة وتأتي على ذكر أحوال آلاف المعوزين من البشر؛ ومع ذلك فإنّ كثيراً من الناس يطوون صفحات الجريدة، ويطفئون جهاز التلفاز وهم يشعرون بسكينة داخلية، وبشكل عام فإنّ الناس لا يتساءلون لماذا هذا الكم الهائل من تلك الأنباء، وماذا يجب فعله إزاء هذا الواقع؟ وما سبل الوقاية التي يجب اتخاذها لمنع وقوع مثل هذه الأمور؟ وماذا يمكنهم أن يفعلوا إزاء هذه المعضلات؟ بل إن معظمهم ينحو باللائمة على غيره متبعا مبدأ: "هل يتوقف عليّ إنقاذ العالم؟".
- التكاسل الذهني:
التكاسل هو العامل الذي يمنع أغلبية الناس عن التفكر، وبسبب التكاسل الذهني يقوم الناس بأعمالهم بالطريقة التي تعوّدوا أن يروها دائماً دون تغيير. ولإعطاء مثال من خضم حياتنا اليومية، فإن ربات البيوت ينظفن بيوتهنّ بنفس الطريقة التي شاهدن والداتهنّ يقمن بها، وهنّ بشكل عام لا يتساءلن كيف يمكن إنجاز الأعمال بشكل أنظف وطريقة عملية أكثر، والأمر نفسه بالنسبة إلى الرجال، فلو احتاج شيء ما إلى إصلاح فإنّهم يصلحونه بنفس الطريقة التي تعلموها منذ طفولتهم، ومعظمهم يرغب عن تطبيق أسلوب عملي جديد أكثر فاعلية.
وأسلوب هذا النوع من الناس متشابه أيضاً، فالمحاسب مثلاً يتكلم بنفس الطريقة التي تكلم بها محاسب ما قابله في حياته.. والأمر كذلك بالنسبة إلى الأطباء والمصرفيين ومندوبي المبيعات.. وغيرهم من الناس الذين تجمعهم طبقة اجتماعية معينة فتكون لهم طريقة معينة في التحدث، ولا يكلفون أنفسهم عناء التفكير للبحث عن طرق أفضل وأحسن وأصوب، إنما يقلدون ما سمعوه فقط!
كما أنّ الحلول المبتكرة للمشاكل تعكس كسلهم الذهني. فمثلاً، حارس مبنى ما يعالج مشكلة النفايات فيه تماماً كما كان يفعل من كان قبله، وعمدة مدينة ما يحاول حل مشكلة زحمة المرور عبر مراجعة ما فعله من كان قبله. وفي حالات كثيرة عدم التفكير يجعل صاحب المشكلة غير قادر على إيجاد حل.
طبعاً الأمثلة المذكورة أعلاه هي أمور يعاني منها الناس في حياتهم اليومية، ولكن هناك قضية أهم من ذلك وأعمق بكثير لو أخفق الناس في التفكير فيها، فقد يؤدي بهم ذلك إلى الخسران الأبدي المبين، والمقصود من هذا الكلام إخفاق المرء في التفكر في الغاية من وجوده في هذه الدنيا، وتجاهله لحقيقة أنّ الموت لا يمكن تفاديه، وأننا حتماً سنبعث بعد الموت. ففي القرآن يدعونا الله إلى التفكر في هذه الحقائق: فيقول جلّ وعلا: (أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأخْسَرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (هود/ 21-23).
ويقول أيضاً: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل/ 17).
- كثرة التفكير مضرّة!
هناك قناعة سائدة في المجتمعات أنّ التفكير العميق مضر! فتجد الناس يحذر بعضهم بعضاً بالقول: "لا تفكر كثيراً، وإلا فقدت صوابك"! وهذه بالطبع ليست صحيحة. ليس على الناس أن يتجنبوا التفكير ولكن عليهم أن يتجنبوا السلبية أو الانجراف في الوسوسة المبالغ فيها وسوء الفهم.
ولأن أولئك الذين لا يؤمون بالله واليوم الآخر يتفكرون دون أن يلزموا أنفسهم بالخير والصلاح، فيتفكرون، ولكن بطريقة سلبية، فإنّهم يخرجون من تأملاتهم بخلاصات لا تعود عليهم بأي نفع. فمثلاً، هم يتفكرون في كون الحياة الدنيا مؤقتة، وفي حتمية الموت في يوم من الأيام، ولكن هذا الأمر يثير لديهم الكثير من التشاؤم، بعضهم يتشاءم لأنّه يعلم أنّه يمضي هذه الحياة المؤقتة في معصية الله، ويحضر نفسه لنهاية بائسة في الآخرة، وبعضهم الآخر يتشاءم لأنّه يعتقد أن أثره سيتلاشى كلياً بعد الموت.
أما الشخص الحكيم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر، فإنّه يخرج بنتائج مختلفة تماماً عندما يتدبر في حقيقة هذه الدنيا الفانية.. فقبل كل شيء إدراكه أنّ الحياة مؤقتة، يدفعه إلى المجاهدة بشدّة من أجل حياته الحقيقية الأبدية في الآخرة. وبما أنّه يعرف أنّ هذه الحياة سوف تنتهي عاجلاً أم آجلاً، فإنّه لا ينجرف في طلب شهوات ومتاع الحياة الدنيا، بل على العكس من ذلك، فإنّه يعرض عنها إلى أبعد الحدود.. لا شيء في هذه الدنيا الفانية يزعجه، فهو دائماً راضٍ عمّا قسمه الله له من نِعَم وجمال؛ لأنّه يعلّق آماله على الفوز بالحياة الأبدية المرضية.
فقد خلق الله تعالى هذه الحياة الدنيا غير كاملة ليبتلي الناس، والمرء الذكي يفكر: إذا كان هذا العالم غير الكامل فيه هذا الكم من الجمال الذي يسعد الإنسان، فلابدّ أن جمال الجنة فاتن إلى درجة تفوق الخيال، فتراه يأمل أن يعاين في الدار الآخرة منبع كل جمال يشاهده في هذه الدنيا. هذه القناعات كلها لا تتأتى لديه إلا عبر التفكر العميق.
ولذلك فمن الخسارة بمكان قلق الإنسان من أن يصيبه التشاؤم إذا ما وصل إلى الحقيقة، وبالتالي تفاديه التفكر، لأنّ الإنسان الذي يفكر دائماً بإيجابية، ويعلل النفس بالرجاء بفضل إيمانه بالله، ما من أمر يقوده إلى التشاؤم.
- تفادي المسؤولية التي تترتب على التفكر:
يظن معظم الناس أن بإمكانهم التملص من مختلف المسؤوليات عبر تفادي التفكر وتشغيل ذهنهم بقضايا معينة، وهم يحسبون أنهم إن فعلوا ذلك فسوف ينجحون بإبعاد أنفسهم عن كثير من الموضوعات. فواحدة من الطرق التي تخدع الناس تكمن في افتراضهم أن بإمكانهم التهرب من مسؤولياتهم تجاه ربهم عبر عدم التفكر، وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الناس لا يتفكرون بالموت والبعث من بعده.
إذا تفكر المرء أنّه سيموت في يوم ما، وتذكر أن هناك حياة أبدية بعد الموت، فإنّه بالضرورة سيجاهد بشدة لحياته بعد الموت.. لكن مع ذلك، ترى بعض الناس يخدع نفسه خداعاً عظيماً بافتراضه أنّه تخلص من هذه المسؤولية عندما لا يتفكر في وجود الآخرة، فإذا لم يحرز الإنسان الحقيقة في هذه الحياة الدنيا، فإنّه سوف يفهمها عندما يدركه الموت الذي لا مهرب منه: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) (ق/ 19-20).
- عدم التفكر بسبب الانجراف في تيار الحياة اليومية:
غالبية الناس يقضون حياتهم كلها في "عجلة"، فعندما يصلون إلى سن معينة يتوجب عليهم العمل والاعتناء بأنفسهم وبأسرهم، ويسمون ما يفعلونه: "كفاحاً من أجل الحياة" ويشكون من عدم وجود وقت لديهم ليفعلوا أي شيء، إذ عليهم أن يندفعوا في سبيل كفاحهم هذا. وفي غمرة "ضيق الوقت" يصبح التفكر من الأشياء التي لا يمكنهم تخصيص أي وقت لها. ولذلك فإنّهم ينجرفون إلى أي مكان يسحبهم إليه تيار الحياة اليومية. وبطريقة العيش هذه يفقدون الإحساس بالأمور التي تجري حولهم.
وعلى كل حال يجب ألا يكون هدف الإنسان تبديد الوقت بالاستعجال من مكان إلى آخر. فالمهم أن يكون الإنسان قادراً على رؤية الوجه الحقيقي لهذه الحياة واتخاذ أسلوب للعيش وفقه. ويجب ألا تقتصر غايات الإنسان على كسب المال، أو الذهاب إلى العمل أو الدراسة في الجامعة أو شراء منزل.. فقد يحتاج الإنسان بالتأكيد إلى القيام بهذه الأشياء، ولكن عليه عند القيام بها، أن يضع نصب عينيه دائماً أن هدف وجوده هو أن يكون عبداً لله وأن يسعى لإكتساب مرضاته ورحمته ودخول جنته، وباقي الأعمال تنفع كوسائل تعين الإنسان على الوصول إلى غايته الحقيقية.
- النظر إلى كل شيء بعين العادة، وبالتالي عدم رؤية أيّة حاجة للتفكر فيها:
عندما يصادف الناس أموراً معينة للمرة الأولى قد يفهمون طبيعتها الاستثنائية مما قد يحفزهم على التحري أكثر عما يرونه، وبعد فترة تنشأ لديهم مقاومة إعتيادية لهذه الأشياء فلا تعود تؤثر بهم.
وبالتحديد فإنّ الأشياء والأحداث التي يلاقونها كل يوم تصبح عادية بالنسبة لهم.
فعلى سبيل المثال، قد يتأثر من يدرس الطب تأثراً بالغاً عندما يرى جثة للمرة الأولى، أو في المرة الأولى التي يموت فيها أحد مرضاه، مما يجعلهم يتأملون ملياً. ويمكن أن يكون السبب أنهم يواجهون إنساناً بلا حياة أشبه بالبضاعة، كان منذ دقائق مليئاً بالحياة يضحك ويخطط ويتكلم ويستمتع وتلمع عيناه بالحياة.. وعندما توضع الجثة أمامهم للتشريح للمرة الأولى، فإنّهم يتفكرون في كل شيء في هذه الجثة، يتفكرون بأنّ الجسد يفنى بسرعة كبيرة، وأنّه تفوح منه رائحة نتنة، والشعر الذي كان جميلاً فيما مضى يصبح غير جميل ولا يود أحد لمسه.. وبعد ذلك يتفكرون في أن مكونات كل الأجسام هي نفسها وكل واحد منا سيلاقي نفس النهاية، وأنهم هم أيضاً سينتهون إلى هذا الشكل.
ولكن بعد رؤية بضع جثث، أو فقدان بضعة مرضى، ينشأ لدى هؤلاء الناس مقاومة اعتيادية لأشياء محددة فيبدؤون بالتعامل مع الجثث وحتى المرض وكأنهم أشياء.
وبالتأكيد هذا الوضع لا يصدق على الأطباء وحدهم، فغالبية الناس ينطبق عليها هذا الوضع في مناحي مختلفة من حياتهم. فمثلاً ينعم الله على إنسان يعيش في ظروف صعبة برغد العيش، فإنّه يفهم أن كل ما يمتلكه رحمة له. فسريره أصبح أكبر، ولبيته منظر جميل، ويمكنه أن يشتري ما يريد ويمكنه أن يدفئ منزله في الشتاء كما يرغب، وبإمكانه التنقل بسهولة بسيارة.. وغيرها من النعم كلها التي قسمت لهذا الإنسان، وبالنظر بوضعه السابق فإنّه يبتهج بكل واحدة منها، ولكن من يمتلك هذه الأشياء منذ نعومة أظافره قد لا يتفكر في قيمتها كثيراً، ولا يمكنه تقدير هذه النعم إلا إذا أعاد التفكر فيها.
ومن الناحية المقابلة، فالإنسان الذي يتفكر لا فرق عنده سواء أكان امتلاكه لهذه النعم منذ ولادته أو أنّه أحرزها فيما بعد، فهو لا ينظر إلى ممتلكاته بطريقة اعتيادية، إذ إنّه يعلم ان أي شيء يملكه قد خلقه الله، وأنّ الله قادر على استرجاعه منه لو شاء. فمثلاً يدعو المؤمنون بالدعاء التالي عندما يركبون دوابهم، وهي السيارات في أيامنا هذه: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (الزخرف/ 13-14).
وفي آية أخرى، يتعلم المؤمنون أن يقولوا إذا ما دخلوا حدائقهم: (مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ...) (الكهف/ 39). وكلما دخلوها يتذكرون أنّ الله خلقها وهو يمدها بأسباب الحياة. أما بالنسبة للإنسان الذي لا يتفكر قد يتأثر عندما يرى جمال الحدائق ولكنها فيما بعد تصبح مكاناً عادياً بالنسبة له، ويتلاشى تقديره لجمالها. كما أن بعض الناس لا يلاحظون النعم أبداً لأنّهم لا يتفكرون فيها، فهم يعتبرونها أموراً عادية من المفروض وجودها، ولذلك فإنّهم لا يستطيعون إستشفاف المتعة من جمالها.
- خلاصة: من الضرورة أن يزيل الإنسان كل الأسباب التي تمنعه من التفكر:
كما ذكرنا سابقاً فإن كون معظم الناس لا يتفكرون ويعيشون غافلين عن الحقيقة ليس عذراً كافياً لعدم التفكر. فكل إنسان هو فرد مستقل بنفسه ومسؤول أمام الله عن نفسه فقط. ومن المهم جدّاً أن نضع نصب أعيننا أنّ الله يبتلي الناس في هذه الحياة الدنيا، وعدم اهتمام الآخرين وكونهم من الناس الذين لا يتفكّرون ولا يعقلون، ولا يرون الحقيقة هي جزء من ابتلائنا في معظم الأحيان. ومن يتفكر بصدق لا يقول: "إنّ معظم الناس لا يتفكرون وليسوا على اطلاع بهذه الأمور، فلماذا يجب عليّ أن أتفكر وحدي؟" بل على العكس من ذلك فإنّه يأخذ حذره من خلال تفكره في غفلة هؤلاء الناس، ويلجأ إلى الله كي لا يكون واحداً منهم. فمن الواضح أن وضع هؤلاء الناس لا يمكن أن يكون عذراً له. وفي القرآن الكريم يعلمنا الله في الكثير من الآيات أن أكثر الغافلين لا يؤمنون: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف/ 103).
(المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (الرعد/ 1).
(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (النحل/ 38).
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) (الفرقان/ 50).
وفي آيات أخرى يبلغنا الله بنهاية هؤلاء الذين ضلّوا؛ لأنّهم اتبعوا الأغلبية ففشلوا في إطاعة أوامره، لأنّه نسوا الغاية من خلقهم (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) (فاطر/ 37).
لهذا السبب يجب على كل إنسان أن يتخلص من الأسباب التي تمنعه من التفكر، وأن يتفكر بصدق وإخلاص ويستخلص العبر والتحذيرات من تفكره.►
المصدر: كتاب (التفكُّر العميق)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق