• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أحب الناس إلى نفسي

د. ياسر عبدالكريم بكار

أحب الناس إلى نفسي

◄لو سُئلت عن أهم مهارة نفسية أجد معظم الناس في أمس الحاجة إليها لما ترددت في الاستشهاد بمقولة رائعة ببساطتها "أحب الناس إلى نفسي - من الأحياء - هي نفسي".

حب الذات وقبولها كما هي هو البداية لبناء شخصية متكاملة. شخصية تمتلك الثقة بنفسها وتنظر بإكبار إلى ذاتها وكيانها. هو حب غير مشروط تماماً كحب الأب لابنه أيا كان هذا الابن.

وفي الحقيقة فإنك لن تحب شيئاً حتى تعرفه. لذا لابدّ أن تعلم أنك شخص غير عادي، يمتلك قدرات كامنة هائلة، عرفتها أم لم تعرفها، استطعت تفجيرها أم لم تستطع، وفوق كلّ ذلك منحك الله القدرة على النمو الذي لا يحده حد، ولا يوقفه عائق..

أنت شخص غير عادي.. لأنّ الله عندما خلق آدم أبونا جميعاً جعل فيه كلّ معاني الكرامة، فخلقه بيديه، وأسجد له ملائكته الكرام، وعاقب من ناصبه العداء، وأرسل له الأنبياء والرسل ليدلوه على الخير لأنّه كائن مهم، وسخر عدداً لا يحصى من الكائنات خدمة له. ليس هذا فحسب بل أبدع في خلقه غاية الإبداع فلم يكن خلقاً عادياً بل جعله (معجزة).

بعد كلّ ذلك أنت شخص غير عادي باتباعك خير الأديان وأهدى الرسالات فزدت كرامة على كرامة.

ولكن يا ترى كيف نتعامل مع عدد من الاخفاقات التي نصاب بها بين الحين والآخر؟ والتي تُشعرنا بأننا لسنا على القدر المطلوب، أو عندما نقارن أنفسنا بأقراننا فنجد أننا أقل منهم في الدراسة مثلاً، أو في جاذبية الشخصية أو غير ذلك.

كل منّا يمتلك (أنا) كبيرة وهي تعبر عن كياننا الكبير الذي نحبه ونحترمه ولا نقبل أن يمسه سوء. وداخل هذا الكيان هناك مجموعة من الـ(أنا) الصغيرة التي تعبر عن نجاحنا أو فشلنا في أمر ما، أو نعبر عن خُلق معيّن غير مقبول. وهذه الـ(أنا) الصغيرة تبقى عرضة للانتقاد، والتغيير، والتطوير حتى نصل إلى أفضل ما يمكن.

ماذا ستكسب من ذلك؛ من يمتلك صفة حب الذات سيصبح واثقاً من نفسه، مفتخراً بذاته، لا يحتاج إلى مدح صديق أو زميل لكي يشعر بالرضا والهناء الذاتي. نعم ستمتلك شعوراً بإكرام نفسك وتقديرها. ومن يكرم نفسه سيستعلي عن وضعها في مواضع الإذلال والمهانة، وسيجنبها النقائص والعيوب.

أما من يحتقر ذاته، فإنّه يجعل تقديره لها متوقفاً على رأي الناس فيه، وطريقة تعاملهم معه. فإنّ رضوا عنه رضي، وإن سخطوا سخط وزاد في نقد نفسه وأهانها. وهذا له مخاطر كثيرة لأننا نقابل كلّ يوم أصنافاً من البشر لا يمكن الاتفاق معهم أو كسب رضاهم.

حبك لنفسك هو بداية الطريق إلى حبك للآخرين. فكلما عرفت مقدار ذاتك ستعرف للآخرين مقدارهم. وكما شبّه أحد الكتّاب حبك لنفسك بحساب في بنك العواطف كلما امتلكت أكثر كلما استطعت أن تمنح منه أكثر.

حتى عندما نحاسب أنفسنا على فعل غير لائق، فمن يمتلك هذه المهارة يفصل بين نفسه وسلوكه.. بمعنى أنّه رغم ارتكابي لهذا الخطأ الذي يستوجب التصحيح والتوبة والاعتذار أحياناً، لكن تبقى نفسي عزيزة وكريمة وغالية عليَّ حتى لو ارتكبت خطأ كسائر البشر. حبنا لأنفسنا لا يعني التسليم بعيوبها والدفاع عنها.. فالحب لذاته يسعى لتطوير ما هو قابل للتطوير، ويسعى للتعويض عن جوانب القصور لديه. وتخيل معي رجلين يعاني كلاهما من عاهة مستديمة، الأوّل تقبل ذاته على عاهتها وانكب على العمل والإنجاز حتى يتغلب على هذه العاهة، ويطوّر نفسه، ويحقق النجاح والسعادة، وبذلك استطاع التعويض عن النقص الذي ابتلي به. أما الثاني فقد تملكه الحزن واليأس وأخذ يندب حظه السيئ فهذا الرجل اختار رفض الذات وليس العاهة.

قد تقول - عزيزي القارئ - في نفسك أنّ هذه أنانية منبوذة. والواقع أنّ الأنانية بعيدة عن هذا الشعور. فالأناني شخص يعشق نفسه دون تبصر بعيوبها أو نقائصها، ويضرب حولها جدار من العصمة والقداسة مكتوب عليه (ممنوع الاقتراب) فكل ما يفعله صحيح لا يقبل النقد أو النقاش، وما سواه إما حاقد أو حاسد..!!

هناك وسائل عدة لكي نزيد من حبنا لأنفسنا. لكني وجدت أن أنفعها هو القيام بأعمال يومية خيّرة صغيرة، لا يقوم بها الناس عادةً، كقيام ليلة أو صيام نهار أو الالتزام بورد يومي إضافي من الذكر أو الصدقة في السر أو القيام بعمل يخدم الشأن العام وغير ذلك كثير. ومن ثمّ تسجيل هذه الإنجازات في دفتر شخصي. ستصبح مثل هذه الأفعال دليل يومي على أن نفسك تستحق كلّ الحب والامتنان.

دعونا نبدأ اليوم من جديد.. لننظر في المرآة بإعجاب لأنفسنا.. ولنردد أحب الناس إلى نفسي - من الأحياء - هي نفسي.►

 

المصدر: كتاب القرار في يديك

ارسال التعليق

Top