◄الإيمان الديني على الصعيد النفسي ذو أثار عظيمة منها:
1- التفاؤل، التفاؤل بالعالم والكون والوجود. الإيمان الديني يمنح الإنسان نظرة خاصة للكون والوجود، هذه النظرة تتلخّص في كون الطبيعة هادفة، تنشد الخير والسعادة والكمال.
ومن الطبيعي أن تُصبح نظرة الإنسان المؤمن المتدين متفائلة لنظام الوجود وقوانينه. فالإيمان هو الذي يُزيل ضَنك العيش ويوسّع آفاق نظرتنا إلى الحياة.
2- التفتّح: الإنسان المؤمن، يرى العالم مشرقاً بنور ربّه، فيشرق النور في روحه وأعماقة وتتفتّح نفسه للحقيقة خلافاً للفرد الخالي من الإيمان، فإنّه يرى العالم فارغاً تافهماً مظلماً فاقداً لكلّ إدراك وإحساس، وهو لذلك يعيش في انغلاق وظلام نفسي.
3- الأمل: الإنسان المؤمن لا يفقد الأمل في نتيجة أعماله الصالحة. الفرد المادّي يعتبر الكون محايداً تجاه الأفراد الصالحين والظالمين، ويرى العالم لا يفرّق بين السائرين على طريق العدل والاستقامة، والسائرين على طريق الطلم والانحرف. ونتيجةُ العمل ترتبط في المنطق المادّي - بمقدار المساعي المبذولة لا غير.
4- الطمأنينة: الإنسان ينشد سعادته فطرياً فإن ارتسمت أمامه السعادة يطير فرحاً، وإن ارتسم أمامه مستقبل مشؤوم مقرون بالحرمان ترتعد فرائصه ويسوده قلق واضطراب.
ثمة عاملان يبعثان على سعادة الإنسان:
1- السعي والمثابرة.
2- الا طمئنان بظروف البيئة.
نجاح الطالب - مثلاً- يعتمد على شيئين: سعيه وجهوده، وظروف المدرسة وما يكتنفها من تشجيع المسؤولين واهتمامهم.
وإن فقد الطالب الساعي المجدّ ثقته بالمدرسة التي يدرس فيها، وبمعلّمه الذي سيقرر مصير الطالب في نهاية السنة الدراسية، وبالمعاملة التي يلقاها من مسؤولي المدرسة، فسيغمر وجودَ هذا الطالب قلقٌ واضطراب طوال أيام السنة.
الإنسان بصير بنفسه، ولا يعتريه قلق من هذه الناحية، لأنّ القلق يتأتّى من الشك والترديد والفرد لا يشك ولا يتردّد فيما يرتبط بنفسه.
تصرفات العالم هي التي تبعث على قلق الإنسان واضطرابه، لأنّ الفرد لا يعرف موقف العالم منه.
هل في العمل الصالح والاستقامة على طريق الحقّ جدوى؟
هل يثمر السعي والجهد والنهوض بالمسؤوليات؟
مثل هذه الأسئلة تطرح نفسها على الإنسان فتُثير فيه اضطراباً وقلقاً عميقين.
الإنسان والعالم هما، في منظار الإيمان الديني، طرفا معاملة.
وهذه النظرة تبعث في الإنسان الثقةَ والاطمئنانَ بالعالم، وتزيل اقلق والاضطراب الناشئين عن جهل الإنسان بموقف العالم منه، وتبدّلها أمناً وطمأنينةً.
5- التمتع باللذات المعنوية: للإنسان نوعان من اللذات.
الأوّل: لذّات يتمتع بها الإنسان عن طريق اتصال حاسة من حواسه بالعالم الخارجي، كتمتّعه بالعين عن طريق النظر، وبالأُذن عن طريق السمع وبالفم عن طريق الذوق، وباللامسة عن طريق الاتصال.
الثاني: لذّات ترتبط بروح الإنسان وبأعماق وجدانه، ولا علاقة لها بعضو خاص ولا تأتي عن طريق الاتصال بعالم مادّي خارجي. كاللذة التي يحسّها الإنسان من الخدمة والإحسان، أو من المحبوبيّة والاحترام، أو من نجاحه أو نجاح ولده، وهي لذّات لا ترتبط بعضو خاص وغير خاضعة لعامل مادّي خارجي مباشر.
اللذات المعنوية أقوى من اللذات المادّية وأرسخ منها، ولذة العبادة والاتصال بالله هي من هذا النوع من اللذات للإنسان العارف المؤمن.
العبّاد العارفون الذين يَقرنون عبادتَهم بالخضوع والاستغراق وحضور القلب ينالون من العبادة أعظم اللذات. وقد عُبّر عن هذه اللذة في النصوص الدينية بطعم الإيمان وحلاوة الإيمان.
في الإيمان حلاوة لا تبلغها حلاوة. واللذات الروحية -مثل لذّة طلب العلم، والإحسان، والخدمة، والنجاح -تزداد وتتضاعف حين تنطلق من إحساس ديني وتستهدف رضا الله تعالى، وتتخذ صفة "العبادة".
6- روح المقاومة: حياة البشر تشتمل -إضافة إلى الأفراح والمسرّات والا نتصارات- على أتعاب وآلام وفشل ومصائب.
كثير من مظاهر المرارة في الحياة يمكن دَرؤُه، وإن تطلّب هذا الدرء مزيداً من المساعي والأتعاب.
الإنسان مكلّف طبعاً أن يواجه مرارة الطبيعة ويبدّلها حلاوةً، لكنّ بعض هذه المرارات لا يمكن مواجهتها وإزالتها مثل الشيخوخة. فالفرد يسير نحو الشيخوخة شاء أم أبى، ويتضاءل بالتدريج نور عمره، وترسم مظاهر الهرم على صفحة حياته. كما إنّ التفكير بالموت ومغادرة الحياة، وترك كلّ شيء للآخرين يؤلم الإنسان بشكل آخر.
الإيمان الديني يخلق روح المقاومة في الإنسان، ويبدّل المرارةَ حلاوةً. الإنسان المؤمن، يعلم أنّ كلّ أمر في العالم له حساب معيّن، وأنّ الله سبحانه يَجبُر بشكلٍ معيّن كلّ كسرٍ يُواجهه الإنسان، إن كان موقف ذلك الإنسان من انكساره صحيحاً.
والشيخوخة ليست إيذاناً بنهاية وجود الإنسان في نظر الإنسان المؤمن، كما إنّ الفرد المؤمن يملأ فراغَه بالعبادة ويأنس بذكر الله. ومن هنا فمرحلة الشيخوخة لدى الفرد المؤمن لذيذة ومحبوبة وقد تزداد لذّتها لدى العابدين على لذّة الشباب.
والإنسان المؤمن، ينظر إلى الموت بشكل يختلف عن نظرة الإنسان غير المؤمن. فالمؤمن لا يرى الموتَ إبادةً وفناء، بل انتقالاً من حياة فانية زائلة إلى حياة خالدة باقية، ومن عالم صغير إلى عالم أكبر. المؤمن يرى الموت انتقالاً من حياة العمل والزرع، إلى حياة النتيجة واقتطاف الثمار.
من هنا يعمل هذا الفرد على إزالة قلقه من الموت بالسير على طريق مثمر بنّاء، أو على طريق "العمل الصالح" على حدّ التعبير القرآني.
علماء النفس يُجمعون على أنّ أكثر الأمراض النفسية الناشئة من الالآم الروحية ومصائب الحياة تتفشّى بين غير المتدينين.
المتدينون مصونون من الإصابة بهذه الأمراض بمقدارٍ يتناسب مع قوة إيمانهم.
كما إنّ عصرنا الراهن يشهد زيادة الأمراض النفسية والعصبية بسبب هبوط مستوى الإيمان الديني. ►
المصدر: كتاب الإنسان والإيمان
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق