• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نُقطة.. وسطر جديد

نُقطة.. وسطر جديد

عندَما تَنتَهي بِنا الجُملَة. أثناءَ الكتابَةِ. في نهايَة السَّطر نَضَعُ نُقطَة ثُمَّ تَنتقِلُ إلى سَطرٍ جَديد.

نقومُ بهذه العملية بشكل تلقائي، ودونَ تَعنُّت منَّاَ في رَصَّ الحُروفِ على السَّطرِ الأوَّل، وذلكَ لأنّنا أدرَكنا -تمام الإدراكِ- أن السَّطر لَم يَعد يَتسَّع لحَرف جَديدٍ، وما عادَ يَحتمل من الكلمات ما يُشكل جُملة مُفيدَة ذاتَ مَعنى جَميل، فيأتي السَّطُر الثاني بمنزلة فرصَةٍ ثَمينةٍ تَهبُ حُروفنا الحياة من جَديدٍ!

لكن؛ ماذا لو أصَرَّت الحروفُ عَلى أن تُكتَبَ كلّها عَلى السَّطرَ الأَّوَّل وانصاعَ القلمُ لرغبتها؟

فراحَ سنُّ القلمٍ يقطعُ المسافة بين أوَّل السًّطرِ وآخره جِيَئَة وذِهاباً بَحثاً عن فُرجَةٍ يَدسُّ فيها حروفَهُ، تُرى هل سَيتحقَّق له ما يُريد؟

النَّقطة والسطر الجديدُ وإصرار الحُروف على ألاَّ تَبرحَ السَّطَر الأَّوَّل تُذكَّرني بتَجاربِ الَماضي الفاشلة التي تُخيَّم بعتمتها على قلوب البَعضِ، فينَغَمسونَ فيها حَدَّ الغَرقِ!

أسَرى هُم لأحزانهم وإحباطاتهم، وإذا ناداهُم مُنادي الأمل أشاحوا بوجوههم عَنه، وأصمُّوا آذانَهم، ثمَّ مضوا مُهرولين إلى حيثُ يقبعونَ دائماً في تلك الزَاوية الكئيبة في غُرفهم المُنزوية، لا يقوونَ على فعل شيء سوى البُكاءِ والنحيبِ على ما فاتَ، والأسى على ما هو آتٍ، مُكبَّلين بالعجزِ وقلةِ الحيلةِ وسُوءٍ التَّدبير!

ونظرهم قصيُر المَدى وفي اتجاه واحد. كأنَّ داءَ التَّصلُّب أصابَ رَقبتَهم.، وإذا سألتَهم: ماذا ترون؟ أجَابوك: الَّسواد يَبسط رداءَه على كل شيء، فلا نَرى شَيئاُ!

حَرَموا أنفُسهم بأنفِسِهم مُتعة المحاولة الجادَّة للبدء من جَديد، حينَما أساءوا الظَّنَّ بالله جلَّ جَلاله.

ولم يَفقهوا قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...) (الرعد: 11).

لا أعلم كيفَ يُقاسُ النَّجاح عندَ بَني الدُّنيا، وبمَ يُقاس الفَشل؟

لكَّنني على يقينٍ أنه لا يوجدُ نجاحٌ مُطلقٌ أو فشلٌ مطلقٌ في هِذهِ الحياة بل تَجارب وخبرات..

 فكم من تِجربة فاشلة جَعَلتنا نقفُ مع أنفُسنا وقفَة تفكرٍ وتدبُّرٍ، وكَم من تَجربِةٍ قاسيةٍ كانَت

في أن نتعلّمَ سرَّاً جديداً من أسرارِ النَّجاح...!

نعم؛ فما كَانَ سرَّاً بالأمسِ أصبحَ اليوم من أبجديَّاتنا، ولليوم سَّره الذي لم يُكتشَف بَعد، حَتَّى إذَا ما تَمَّ اكتشافَه. بتوفيق مِن الله. تقدَّمنا خَطوةً في َدربِ الفَّلاحِ، وَهَكذا...

فالتَّجارب الفاشَلة لا تنتهي إلا بانتهاء الأجَل، لكَّنها تَقل بزَيادة الوَعي والخبرة، ولا تُكتَسَب الخبرة إلا بسبر أغوار الحِياة، وخوض التَّجارب والتَّعلّم مِنها، ومِن ثُمَّ تَجاوزها لِما بَعدَها بتحدًّ وإيمانٍ كَبيرين وقلبٍ لاَ يَعرفُ الحِقدَ!

ارسال التعليق

Top