• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مكانة الأدب والذوق في ديننا

د. عمرو خالد

مكانة الأدب والذوق في ديننا

◄الذوق كلمة جميلة موحية تحمل في طياتها معاني اللطف، وحسن المعشر، وكمال التهذيب، وحسن التصرف، وتجنب ما يمنع من الإحراج وجرح الإحساسات بلفظ، أو إشارة، أو نحو ذلك.

فهذه المعاني، وما جرى مجراها، تفسّر لنا كلمة الذوق. وإن لم تفسرها المعاجم بهذا التفسير الملائم لما تعارف عليه الناس، وجرى بينهم مجرى العرف. فتراهم إذا أرادوا الثناء على شخص بما يحمله من المعاني السابقة قالوا: "فلان عنده ذوق"، أو هو "صاحب ذوق". وإذا أرادوا ذمّه قالوا: "فلان قليل الذوق"، أو "ليس عنده ذوق".. وهكذا.

فالذوق بهذا الاعتبار، داخل في المعنويات أكثر من دخوله في الحسّيات، كذوق الطعام والشراب.

ومواطن الذوق في المعنويات يدور حول العقل، والروح، والقلب.

وموطنه في عالم الحسيات لا يتجاوز اللسان، أو إحساس البدن بالملائم أو المنافر.

وإنّ من علامات السعادة للإنسان أن يرزق ذوقاً سليماً مهذباً. فإنّه، إذا كان كذلك، عرف كيف يستمتع بالحياة، وكيف يحترم شعور الآخرين ولا ينغص عليهم، بل يدخل السرور عليهم. فصاحب الذوق السليم قادر على استجلاب القلوب، وإدخال السرور على نفسه وعلى مَن حوله.

وإذا ساد الذوق السليم في أُسرة أو مجتمع، رأينا كلّ فرد مَن هؤلاء يتجنّب جرح إحساس غيره بأي لفظ، أو عمل أو إشارة، أو أي شيء يأباه الذوق. ورأينا كلّ فرد يقوم بما أسند إليه من مسؤولية على أكمل وجه وأتمه.

انظر إلى هذا الذوق الرفيع في الاستئذان للدخول على الأب والأُم، تجسده آية في القرآن الكريم تتكلّم عن أدب الدخول ووقته. ديننا يُخلّد الأدب في قرآن يُتلى ليوم الدين.

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ...) (النور/ 58).

سبحان الله.. آية ترسخ قاعدة من قواعد الذوق.

هل بعد ذلك نقول: إنّ الإسلام ينظّم الحياة داخل المسجد فقط أم ينظّم الحياة كلّها؟ إنّه ينظم الحياة داخل غرفة النوم.

انظر إلى مكانة الأدب والذوق في ديننا العظيم. وانظر إلى أيّ حد وصلت. يا له من دين عظيم.

جاء رجل إلى النبيّ (ص) وقال: يا رسول الله، أأستأذن على أُمّي؟ فقال النبيّ (ص): "نعم"، قال الرجل: يا رسول الله، أأستأذن على أُمّي؟ فقال النبيّ (ص): "نعم"، قال الرجل للمرّة الثالثة: يا رسول الله أأستأذن على أُمّي؟ فقال له النبيّ (ص): "أتحب أن تراها عارية؟"، قال: لا يا رسول الله، فقال (ص): "فاستأذن على أُمّك".

كان العرب قديماً وارداً عندهم ألا يستأذن أحد على أُمّه. وليس العرب فقط، فالعالم كلّه قبل الإسلام كان يقدّر هذه الذوقيات.

وجاء النبيّ (ص) بالإسلام فخلّص هذه البشرية، ونقلها نقلة عظيمة من همجية إلى نظام، ومن عدم مراعاة لشعور ولا إحساس إلى أدب وذوق رفيع.

وخرجت أجيال مسلمة تعلّم الدنيا ذوقيات وآداب الإسلام. فالكلّ الآن يستأذن على أبيه ويستأذن على أُمّه، والكلّ الآن يتأدب بآداب الإسلام، ثمّ ينسبها الغربيون إلى أنفسهم وحضارتهم.

وننتقل بعد الذوق من الوالدين، إلى الذوق مع الزوجة.

وأوّل ما أتذكر المشاعر الرومانسية الجميلة الصادقة بين الزوجين. فتجد في الأفلام والمسلسلات الأجنبية الرجل يجلس في مطعم مع زوجته، ثمّ يقطع اللحم بالسكين، ثمّ يغرز الشوكة في اللحم ويضعه في فمها. ويشاهد ذلك الشباب والنساء في انبهار، ولسان حالهم يقول: "ذلك هو الذوق.. يا ليتنا نتعلمه". وتخرج الأجيال تقلد ذلك، وهو تقليد طيب. ولكن الخطأ أن تصل إلى أنّ أصل هذا الذوق من عندهم، على الرغم من أنّ النبيّ (ص) ذكر ذلك من 1400 سنة.

أراك تتعجب وتندهش.

وإليك حديث النبيّ (ص) حتى تتضح لك الأمور.

يقول النبيّ (ص): "إنّ أعظم الصدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته".►

ارسال التعليق

Top