• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مفردات الرقي في القرآن

الشيخ نعيم قاسم

مفردات الرقي في القرآن
قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة/ 24).
حبُّ الله تعالى توجيهٌ للقلب إلى مصدر السعادة والعطاءات، وعندما يُبادلنا الله تعالى الحب نربح ربحاً عظيماً ينعكس على حياتنا، فلنجعل الحب في الله والبغض في الله مقياس سلوكنا.
 
1- حبُّ الله هو الأساس:
مقارنةٌ يجريها الله تعالى بين المتعلقين بالدنيا وما فيها، وبين المرتبطين به، يحبونه ومحمداً (ص) والجهاد في سبيله، وقد اختار الله تعالى ثمانية أمور تعود إليها أمور الدنيا ويتفاعل معها الإنسان بشكل مباشر، بادئاً بالعلاقات الاجتماعية الخمسة: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ)، وهي العلاقات التي تنشأ عن الأُبوة والبنوة والأُخوة والزواج والعشيرة، ثم المكاسب المالية والتجارة مصدر الإنسان في معاشه: (وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَ)، ثم مكان السكن والاستقرار النفسي والمعنوي: (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا).
هذه الأمور الثمانية تندرج تحت العناوين الثلاثة: العلاقات الاجتماعية والأموال والمساكن، وهي مقابل: (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ)، أي أحبّ عندكم من الإيمان بالله تعالى والارتباط حبّاً به، وحبّ الرسول (ص) وما يمثِّل من تشريع وتوجيه ورسالة سماوية وقدوة نحو الكمال، والجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الدين وحماية المظلومين والمجتمع من المعتدين عليه، وقد ذخرت الآيات القرآنية بالحديث عن الجهاد في موارد كثيرة جدّاً، إلّا لا يمكن للإنسان أن يكون مؤمناً حقيقياً فاعلاً إلّا إذا تربى على حبّ الجهاد والاستعداد للتضحية.
إذا كانت هذه الأمور الدنيوية الثمانية أحبّ إليكم مما يربطكم بالله تعالى: (فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، انتظروا الحساب، فالله لا يهدي الذين فسقوا، ولم يلتزموا بضوابط الشريعة، وانحرفوا عن الطريق.
هل يوجد تعارض بين الارتباط بالدنيا وملذاتها بكلّ أقسامها، وبين الارتباط بالله تعالى وما يترتّب على ذلك؟ أم بين حب الأولاد والآباء والعشيرة وبين حب الله تعالى؟ المقارنة بقوله: (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ)، أي الحب الذي يسبِّب تضارباً في الموقف، فإذا اتخذتم موقفاً فيه لله رضا، وللأب غضبٌ أو للابن رفضٌ أو للزوجة ممانعةٌ، فهل تتبعون أوامر الله تعالى ولو أغضبتم هؤلاء ولم يكونوا راضين؟ أم أنّكم تستمعون إلى كلامهم ولو أبعدوكم عن طاعة الله تعالى؟ فالمقارنة تؤكد الذم لا الحب الذي يطغى لمصلحة الدنيا على حساب الدين. أمّا لو تماهى وتناغم الارتباط بالأهل والعشيرة مع الإيمان بالله تعالى، بحيث يكون الحب مساراً واحداً، لله ورسوله والجهاد في سبيله، وللأهل والمال والمساكن في إطار طاعة الله تعالى، فالأولوية واضحة لله تعالى، ولا تعارض في الآثار، ولا حاجة لأي مقارنة، فالحب للأمور الدنيوية في طاعة الله أمرٌ مشروع.
من حقّك أن تحصل على المال لتدبير أمور معاشك، وذلك عن طريق الحلال، ما ينسجم مع الالتزام بالأمر الإلهي، ويندرج في حب الله تعالى، أما لو حصلت عليه عن طريق الحرام، فقد اتّبعت هواك، وعصيتَ الله تعالى، ما يعبِّر عن حبِّك للمال أكثر من حبِّك لله تعالى. فالمقارنة في إطار التعارض بين الحلال والحرام، ولا محلّ لها عند التوافق، عندما تكون علاقتك مع الأهل والمال والمسكن خاضعة للإيمان وطاعة الله تعالى، فأنت تحبُّ ولدَك وتربِّيه على طاعة الله تعالى، في إطار حبك لله تعالى.
إذا كُنتَ مُستعداً للجهاد في سبيل الله، ولو أدّى إلى خسارة مالك، في مقابل الارتباط بالمال الذي يمنع الجهاد ويؤدي إلى الاستسلام، فأنت محبٌّ لله ورسوله والجهاد في سبيله، ولا يُعتبر مالُك عائقاً، ولو بقي معك في كثرةٍ ويسارٍ، فهو لا يمنعك من الجهاد.
لكن لاحظوا كيف جرت المقارنة في هذه الآية: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ)، فالله تعالى انطلق من الحب، وهو تعبيرٌ عن علاقة عاطفية تنطلق من القلب، والمطلوب أن ننقل الإيمان بالله تعالى إلى حالة الحب، وكذلك الإيمان بالرسول (ص) والجهاد، فالحبّ يحقِّق التفاعل الحقيقي بين العقل والقلب، وبين الإيمان والالتزام العملي، فتنطلق الجوارح لتؤدي وظيفتها في طاعة الله تعالى في أجواء الاندفاع والأنس واللذة والذوبان في الله تعالى.
يقوم البناء الإسلامي على التفاعل بين العقل والقلب، وما ينتج عن الحب لا ينتج عن أي منطق، وما يُعطيه العاشق لله تعالى لا يُعطيه أي أحد لأي سبب آخر. الحبُّ مترادفٌ مع العطاء والبذل، فأنت تُعطي مَن تحبه من دون بدل، تُعطي ولدك الذي تحبُّه من دون توقع أن يعطيك شيئاً، وأنت مستأنسٌ بهذا العطاء. تكون قوة العطاء بالحب أكبر بكثير من العطاء للواجب، فإذا أعطيتَ ولدك لأنّك تحبه، فهو أرقى من أن تعطيه لأنّه واجب عليك، وهذا ما يتحقق عند الكثير من الأهل، فالفطرة تساعد على هذا السلوك الراقي.
 
2- حبُّ النبي (ص) والأولياء:
الحبُّ للرسول (ص) حبٌّ للقدوة التي تؤثِّر في سلوك المؤمن، وهو مقدَّمٌ على ما سواه لأنّه النور الذي يهدي ويُقوِّم. قال رسول الله (ص): "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبُّ إليه من نفسه، وأهلي أحبُّ إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذريتي أحبُّ إليه من ذريته". لماذا نحبُّ النبي (ص) وأهل بيته وذريته أكثر من حبِّنا لأولادنا وأنفسنا وعترتنا وذريتنا؟ مسارُ النبي (ص) وعترته يهدف إلى إقامة الدين، فهم النموذج الأرقى، الذي يعبِّر عن الاستقامة والصلاح، وحبهم تعبير عن التفاعل في إطار التضحية والعطاء، فإذا ارتبطنا بنماذجهم، سرَّينا حُبّنا لهم إلى حُبِّنا لأهلنا على طريق الصلاح، ما لا يُنقصُ من حُبِّنا لأهلنا شيئاً، بل يزيده نوراً من حب النبي (ص) وآله (عليهم السلام).
ويقول الرسول (ص) تأكيداً لهذا الحب: "(لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى/ 23)، أن تحفظوني في أهل بيتي، وتودوهم بي".
حبُّ النبي (ص) وآل بيته (عليهم السلام) يتعدى العلاقة العاطفية إلى تولِّيهم والتبرِّي من أعدائهم، فعن أبي عبد الله (ع) قال: "قال رسول الله لأصحابه: أيُّ عُرَى الإيمان أوثَقُ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلَمُ. وقال بعضهم الصّلاةُ، وقال بعضهم الزَّكاة، وقال بعضهم الصيام، وقال بعضهم الحجُّ والعُمرَةُ، وقال بعضهم الجهاد.
فقال رسول الله (ص): "لكلّ ما قلتْم فَضلٌ، وليس به، ولكن أوثق عُرى الإيمان: الحُبُّ في الله، والبغض في الله، وتولِّي أولياء الله، والتبرِّي من أعداء الله".
إذاً من الطبيعي أن ننسجم مع المحب لله تعالى، ولا ننسجم مع العاصي له، وأن نقيِّم الأعمال بحسب مؤداها، فإن كانت مستقيمة فهي في حبِّ الله تعالى، وإن كانت منحرفة أبغضناها في الله تعالى، وهذا ما يجعل شخصيتنا في مسارها الإيماني الصحيح. قال تعالى لموسى (ع) في الحديث القدسي: "هل علمتَ لي عملاً قط؟ قال موسى (ع): إلهي صلَّيتُ لك، وصمت، وتصدَّقت، وذكرتُك كثيراً.
قال الله تبارك وتعالى: أمّا الصلاة فلك برهان، والصوم جُنّة، والصدقة ظلٌّ، والزكاة نورٌ، وذكرك لي قصور، فأي عملٍ عملت لي؟
قال موسى (ع): دُلّني على العمل الذي هو لك؟
قال: يا موسى، هل واليت لي وليّاً قط؟ أو هل عاديت لي عدوّاً قط؟ فعلم موسى أنّ أفضل الأعمال الحب في الله، والبغض في الله".
هذه هي القاعدة، أن تكون مع أولياء الله تعالى، الذين يحبون لله، ويُبغضون لله. عندما تكون من أولياء الله تعالى وتعادي أعداءه، تحب لله وتعمل ما يحبه، وتبغض في الله وتبغض ما يبغضه، تصبح جزءاً من مسيرة الأنبياء والأوصياء والشهداء الذين يعمرون الكون بطاعة الله تعالى.
الحبُّ لله تعالى هو المحور والأساس. مَن أحبّ الله تعالى أحبّ أن يرضى عنه، ولا يرضى إلّا بتنفيذ أوامره، فإذا كانت أوامره صعبة، فالمحب يُعطي للحبيب ولو عانى وضحّى وتعب، لأنّ هدفه الأساس أن يرضى الحبيب، فكيف إذا كان الحبيب هو الله تعالى؟
ماذا يعني الحب في الله والبغض في الله؟ فلنفرض أنّ جماعةً من المؤمنين لا تعرفهم ولا يعرفونك، ولكن لأنّهم يحبون الله ويطيعونه، يرتبط قلبُك بحبهم وتتقرّب منهم، فأنت تحبهم في الله تعالى لأنّهم يحبونه، وتساعدهم حباً لله، وتحمل معهم قضية الأُمّة حباً لله، وتواجه أعداءهم وتبغضهم قربة إلى الله تعالى. وإذا كان هناك شخصٌ عاصٍ، أعماله منحرفة وشيطانية وفاسدة، ولك مصالح معه، وتربطك به صداقة، لا يصح أن يكون حبيباً لك، وهو مخالف لأوامر الله تعالى، ويُخشى أن يدفعك حبه إلى التضحية من أجله مخالفاً لإيمانك والتزامك.
ويقول الرسول (ص) مُظهراً لنا قيمة هذا الحب وحلاوته: "ثلاثٌ مَن كُنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبُّ إليه مما سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبه إلّا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار".
المحور هو الحب في الله والبغض في الله، قال أمير المؤمنين عليّ (ع): "جُماع الخير في الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والمحبة في الله، والبغض في الله".
 
3- الحبُّ المتبادَل:
يدعونا الله تعالى إلى حبٍّ متبادل، فلا يطلب من عباده أن يحبّوه فقط، بل يخبرنا بأنّه يحب عباده. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة/ 54). هذا الاختيار مبني على صفاتهم التي تبيِّن التزامهم بأوامر الله تعالى، وهو مرتبطٌ بالعمل، وقد يتغيّر بتغيير الموقف، لكن الأرض لن تخلو من جماعة المؤمنين المرتبطين برابطة الحب والعطاء بشكل متبادل مع الله تعالى. إنّ حب الله تعالى لعباده مَدَدٌ عظيم، فهو عطاءٌ عظيمٌ من الله تعالى لعبده المؤمن، والخاسر الأكبر مَن خسر هذا الحب. يقول الإمام الحسين (ع) في دعاء عرفة: "عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تراكَ عليها رَقيباً، وخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبدٍ لَم تَجعَلَ لَهُ من حُبِّك نصيباً".
ليس الحبُّ تعبيراً عاطفياً مجرداً، بل هو استحواذ على القلب لينطبع سلوك المرء بمن أحب، وما لم يتم التعبير عن الحب بالعمل فكيف نُدرك وجوده؟ وما لم يكن الحب انسجاماً مع الخالق الآمر فكيف يكون حباً؟ وهل ينسجم الإنسان إلّا مع مَن أحب؟ من المفيد أن تُجري اختباراً لموقعك ومع مَن تكون. عن الإمام الباقر (ع): "إذا أرَدْتَ أن تعلم أنّ فيك خيراً فانظُر إلى قلبِكَ، فإن كان يُحِبُّ أهل طاعة الله ويُبغِضُ أهل معصيته، ففيك خيرٌ، والله يُحبُّك، وإن كان يُبغِضُ أهل طاعة الله ويحبُّ أهل معصيَتِه، فليس فيك خيرٌ، والله يُبغِضُك، والمرء مع مَن أحبَّ".
ينفر بعض الأشخاص عندما تدعو لهم أن يحشرهم الله تعالى في يوم القيامة مع مَن أحبوا، لأنّهم أحبوا العصاة ومآواهم النار، وهم يرغبون النفاد من العذاب مع تعلقهم بالمعصية، فيطلبون الخاتمة مع النبيّ (ص) والآل (عليهم السلام) والمؤمنين، لكنهم لا يعملون أعمالهم في الدنيا! هذا محال، والطريق واضح.
تحدّث الله تعالى في آيات عديدة من القرآن الكريم عمن يحبُّهم بسبب صفاتهم، وعمن لا يحبُّهم بسبب صفاتهم أيضاً، ما يدلّ على أنّ الحب مرتبط بالسلوك. قال تعالى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة/ 93)، الذين يُعطون من دون مقابل، ويقدِّمون الخدمة من دون بدل، ويرفعون الأذى عن الطريق قربة إلى الله تعالى، ويتصدقون وهم لا يريدون بدلاً، ويعفون عم ظلمهم متأملين بعطاء الله تعالى لا بعطاء الناس.
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة/ 222)، الذين يتوبون إلى الله تعالى بعد ذنب، فلا يصرُّون عليه، ويستدركون معصيتهم، ويتأملون بعفو الله تعالى، ويندفعون إلى الطاعة بعد المعصية. والذين يتطهرون الطهارة الجسدية والقلبية فيزكون أنفسهم وأجسادهم بخطوات العبادة والطاعة التي تُطهرهم من كلّ رجس أو دنس.
ويقول تعالى: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران/ 76)، الذين يحذرون من الوقوع في المعاصي، ويراقبون أعمالهم، ويسعون إلى أفضل الطاعات، ما يحمي نفوسهم من ذلات الشياطين، ويعمِّق الإيمان في قلوبهم.
فالله يُحبُّ الصالحين، ويُحبُّ التوابين، ويُحبُّ المتطهرين، ويُحبُّ المتقين، هؤلاء الذين يملكون مواصفات إيمانية، ويعملون بما أمر الله تعالى.
(وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) (البقرة/ 205)، لأنّه من عمل الشيطان، وهو مخالف للصلاح الذي أمر به الله تعالى، والفساد يخرِّب حياة الناس ويحرمهم من ملذاتها الطيبة.
(وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران/ 57)، الذين يعتدون على الآخرين، ويتجاوزون حدودهم وحقوقهم، ويسيئون إلى الاجتماع البشري، وهذا مخالف لما أراده الله تعالى من العدل وحفظ حقوق الناس.
(فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) (آل عمران/ 32)، الذين عميت أبصارهم وبصيرتهم عن حقيقة الإيمان، ولم يعتبروا بنعم الله تعالى، وأنكروا طريق السعادة الحقة، واختاروا نقيض الإيمان، وعادوا خالقهم ومَن تعود إليه الأمور.
فالله لا يُحبُّ الفساد، ولا يُحبُّ الظالمين، ولا يُحبُّ الكافرين.. فهؤلاء يسيرون في طريق تخالف وتناقض خطّ الله تعالى، فليتحمّلوا مسؤولية بغض الله تعالى لهم بسبب انحرافهم، وكذلك عاقبة أمرهم.
 
4- نتائج الحب:
قال أمير المؤمنين عليّ (ع): "إذا أحبّ الله عبداً ألهمه حُسن العبادة"، فإذا كان عبادتك حسنة، تصوم وتصلي، وتتفاعل مع العبادات كما أراد الله تعالى، فهذا يعني أنّ الله تعالى يحبك، لأنّه يسَّر لك القيام بحسن العبادة، ليسمع صوتك، ويراك في هذا المقام.
ويؤدي الحب إلى غفران الذنب، يقول تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران/ 31).
ويقول الرسول (ص): "قال الله تعالى في الحديث القدسي: ما تحبَّب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وإنّه ليتحبّب إليّ بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعهُ الذي يسمع به، وبصرهُ الذي يبصر به، ولسانهُ الذي ينطق به، ويدهُ التي يبطش بها، ورجلهُ التي يمشي بها، إذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته". فالعبادة تعبيرٌ عن حب العبد لربّه لأنّه استمع إلى أوامره ونفذها، عندها يبادل الله تعالى عبده الحب، فيعطيه بلا حدود، إلى درجة تكون معها كلّ أعماله مسدّدة من الله تعالى، ويعينه عوناً دائماً لا ينقطع.
نخلصُ إلى أنّنا أمام حبَّين متعارضين، حبّ الله وحبّ الدنيا، فعن رسول الله (ص): "حب الدنيا وحب الله لا يجتمعان في قلبٍ أبداً". فلا يمكن للمرء أن يجمع بين مسارين متعارضين، والأولى أن يختار مصلحته وسعادته وراحته، وهو المتحقق بحب الله تعالى، الذي يترتب عليه نتائج عظيمة في الدنيا والآخرة. فليكن مقياسنا أن نحب الله ونبغض لله جلّ وعلا.
 
المصدر: كتاب مفاتيح السعادة

ارسال التعليق

Top