• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مشاعر الصداقة والحب عند المراهق

عصام فضل الله

مشاعر الصداقة والحب عند المراهق
إنّها الوفاء، الصّداقة، والحبّ. فالطموح الأوّل لهذا الشاب يبدأ أنّه فرد ليس وحيداً في هذه الحياة ولكنّه جزء من مجموعة، فهو ينتسب إلى شريحة إجتماعية بكلّ ما في الكلمة من معنى وهذا ما يتطلّب منه الوفاء لهذه المجموعة، وهذا يعني عزوفه عن النّظر إلى نفسه فقط بل يتطلّع نحو الآخرين ويفكّر بمصلحتهم، فتجد عنده الحماسة ليقوم بأعمال نبيلة، ويبدي حماسة بالغة للكبار من الرجال الذي حقّقوا في حياتهم نجاحات بارزة، وهذا ما ينعكس على مسيرة حياته سواء في الغذاء أو اللّباس أو النّقود، وأحياناً تراه في حيرة من أمره كيف يقدّم خدمة ليحقّق السعادة، فالوفاء هو التفكير بالآخرين، يتحرّك لمساعدتهم ويضحّي من أجلهم، إنّه الإيثار بعينه، وهكذا وبدون أن يدري يخطّط ويصبح إجتماعياً بطبعه.  

 هناك أمران مهمّان يميّزان هذا الشاب الرغبة في أن يكون غنيّاً وقوياً كي يستطيع مساعدة الآخرين ويحقّق الكثير ممّا يحلم به، وكما يقول أحد الفلاسفة "يغتني ليُغني، يسمو ليُسمي، يتنوّر ليُنوّر ويُشعّ".

يجب أن لا نفكّر أنّ الشاب في هذه المرحلة يكون مترفّعاً أو لا مبال، ولكنّه بما يحمله من طاقات وما عنده من اندفاع نراه يذهب بعيداً في احتقار التقاليد. إنّ قلب الشاب ينفتح بشكل بارز على الصداقة، فالأولاد بين سنّ السابعة والثانية عشرة عندهم رفاق وليس عندهم أصدقاء، ولكن عندما تبدأ مرحلة المراهقة يولد الشعور بوجود أصدقاء في حياة المراهقين، فأحياناً وفي وسط العائلة الواحدة يوجد هذا الشعور بين الأخوة والأخوات، فترى المحبّة والعاطفة والوفاء كلها متجسّدة بينهم وكذلك في الوسط الدراسي سواء في المرحلة الثانوية أو ما قبل الجامعة. أحد الأدباء يتكلّم عن صديقه فيقول: "إنّه نصف روحي فأنا أشعر أنّ نفسي ونفسه جزآن يكمّل الواحد منها الآخر، ولا يستطيع الإنسان أن يعيش بنصف روح" وهذا الوصف غنيٌّ عن التفسير، فهو يوضح لنا إلى أيّ مدى تجمع الصداقة بين قلبين ونفسين عند الشباب، وتبقى الحقيقة التي لا يعتريها الشك أنّ الصداقة الحقيقية، العميقة والخالية من التعقيدات هي الإشارة المنيرة لنفس نبيلة ومضيئة عند الشباب. إنّ مفهوم المحبّة الذي يبرز في هذه المرحلة هو حتمي وطبيعي، إنّه النتيجة الطبيعية للتطور وتفتّح كلّ الطاقات في النفس الإنسانية، فإذا تمّت حمايته من الفشل، وكانت الطرق المتّبعة في رعايته فيها من الحذر وحسن التدبير فإنّ النتائج ستكون عند المراهق منتجة ومعطاءة، فهي تنشّط وتقوّي الإمكانات العقليّة والأخلاقية وأحياناً الدينية، وهكذا تصبح الحياة عند الشباب أكثر غنىً وأوسع عطاءً، خاصة عندما يشعر بقيمته النفسية وحتى الجسدية التي تغنى وتكبر أضعافاً مضاعفة. ولا يجب أن ننسى أنّ المراهق بنقص تجربته وبعدم السيطرة على شهواته أحياناً قد يميل نحو التهوّر وهذا أمرٌ طبيعي عند غالبيّة المراهقين، وكما سبق ذكرنا إنّ تقديسه للصداقة وتعلّقه الشديد بهذه القيم قد يجرّه إلى الخطأ لأن بعض الأصدقاء قد يؤثّرون سلباً على زملائهم ويورّطونهم في أمور قد لا تكون نتائجها محمودة وهؤلاء هم رفاق السّوء لذلك نؤكّد على الأهل والمربّين أن لا يتجاهلوا المراهق في هذه المرحلة ولا أن نعنّفه ونهينه ونقلّل من قيمته عند كل هفوة، بل بالكلمة الطيبة والتوجيه المنظّم الواعي وإلّا نكون قد تسبّبنا بكارثة في حياة هذا الشاب.    المصدر: كتاب (أبناؤنا من الطفولة المبكِّرة إلى سن الرشد)

ارسال التعليق

Top