• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مراهقون على خط النت

جو لامبل وسو موريس/ ترجمة: سلمى بيطار

مراهقون على خط النت

◄يقوم العديد من الأهل باستشارتنا حول مسألة استخدام أولادهم للإنترنت، وذلك بسبب قلقهم (الأهل) على أولادهم من عالم النت. وتتفاوت أسئلة الأهل القلقين بين السؤال عن المدّة التي يمكن لأولادهم قضاؤها على خط النت، إلى السؤال عمّا يمكن أن يفعلوه بشأن علاقةٍ يقيمها ابنهم المراهق/ تقيمها ابنتهم المراهقة، على خط النت.

من المهم جداً أن تعرفوا أنّ هناك الكثير من الإيجابيات في استخدام المراهقين للنت. مثلاً، يُمكِّن النت المراهقين الذين يعيشون في مناطق نائية، من التواصل مع العالم من حولهم. كما يسمح النت بإنشاء علاقاتِ صداقةٍ لا تخضع لتأثير الفروقات الحضارية والاجتماعية... إلخ.

يتواصل المراهقون عبر النت مع الأشخاص الذين يعرفونهم خارج إطار الإنترنت، وكذلك يتواصلون مع الأشخاص الذين تعرّفوا عليهم من خلاله. وتختلف نوعية المسائل التي يتحدّث المراهقون عنها إلى الآخرين عبر النت، باختلاف توجّهات الأشخاص الذين يتحادثون معهم. يجب أن يهتم الأهل بعدّة مسائل هامّة حول تواصل أولادهم مع الآخرين عبر النت. وسنحدِّثكم عن كل مسألةٍ منها على حِدَه، بدءاً من استخدام المراهقين للتشات وانتهاءً بصداقاتهم عبر النت.

 

-        عندما يتحادث المراهقون عبر النت مع أشخاص سبق لهم التعرُّف إليهم خارج النت:

يتفق جميع الأهل على أنّ المراهقين يحبّون تجربة الأشياء الجديدة، وهذا يُسبِّب دائماً بعض المشاكل بين الأهل وأبنائهم المراهقين. والإنترنت يضيف إلى أسباب هذه المشاكل سبباً جديداً لهذا غدا من واجب الأهل متابعة عددٍ جديد من المسائل المتعلقة بأولادهم.

 

-        المراهقون قبل ظهور الإنترنت:

قبل ظهور الإنترنت، كان المراهقون يقضون أمسياتهم على خط الهاتف. وكانوا يعتبرون البيت مكاناً للراحة واستجماع القِوى؛ يلجأون إليه في وقتٍ متأخرٍ من الليل بعدما يُنهكهم "التخالط الاجتماعي" خارج المنزل. وكان الأهل يقلقون عليهم من كل ذلك ويُصابون بكثير من الخيبات فيما يخص سلوك أولادهم. أمّا الآن، فيتمنّى بعض الأهل لو كان الأمر ما يزال بتلك البساطة. فبالرغم من إهمال المراهقين لواجباتهم المدرسية والجامعية بسبب "تخالطهم الاجتماعي" خارج المنزل وبالرغم من بعض المشاكل التي كانت تواجههم في زمن ما قبل الإنترنت، إلّا أنّ الأهل كانوا يتقبّلون كلّ ذلك على أنّ ما يفعله أبناؤهم هو أمرٌ طبيعي بالنسبة للمراهقين لا يتعدّى الانغماس في إنشاء الصداقات. فالمرحلة العُمريّة التي تمتد من 13 إلى 19 عاماً هي مرحلة مهمّة للمراهقين، إذ أنّهم يعزِّزون تقديرهم لذواتهم من خلال تعلُّم المهارات الاجتماعية. وتمرُّد المراهقين على أهلهم هو أمرٌ طبيعي وضروري لأنّهم يجب أن يختبروا بمفردهم ومع أصدقائهم عواقب عدم الالتزام بالقواعد السلوكية. فتلك التجارب تساعدهم ليعرفوا المزيد عن أنفسهم وليوطّدوا علاقاتهم بأصدقائهم.

وفي مرحلة المراهقة تتطوّر مهارات جذب الجنس الآخر لدى المراهقين ويكتشفون المزيد عن ميولهم الجنسية. ولكن كل هذا بدأ يتغيّر في عصر الإنترنت، وسنبحث معاً المضارّ التي يتعرّض لها المراهقون بسبب عدمِ المرور بمثل التجارب المذكورة أعلاه.

 

-        وفي عصرنا الحالي..

في أيامنا هذه، يقضي الكثير من المراهقين وقتاً طويلاً على خط النت. فيتحادثون عبر التشات مع أصدقائهم في المدرسة والجامعة. وهذا النوع من التواصل سهلٌ بالنسبة لهم، فهو سريع جداً ومتوفر دائماً بحيث لا يبذلون أيّ جهدٍ أثناء التواصل، ولهذا لا يتعلّمون منه مهاراتٍ اجتماعية... إلخ، كافية.

فأنّى لهم أن يتعلّموا فنّ التودُّد الراقي إلى الجنس الآخر وهم لا يتواصلون معه وجهاً لوجه؟ والمشكلة الحقيقية هي أنّ هؤلاء المراهقين يظنّون أنهم يتعلّمون تلك المهارات من خلال التواصل عبر النت، ويعتبرون أنّهم ليسوا معزولين اجتماعياً ويشعرون بالرّضى لأنّهم محاطون بعددٍ كبير من "الأصدقاء" على خط النت ويعيشون "حياةً اجتماعية نشطة"!

لكننا نعتقد أنّ كثيراً من هؤلاء المراهقين يخدعون أنفسهم، إذ يظنون بأنّهم غير معزولين اجتماعياً، لأنّهم معزولون بالفعل. فالتواصل مع الآخرين "وجهاً لوجه" يختلف كثيراً عن التواصل معهم عبر شاشة الكومبيوتر. فالتواصل "وجهاً لوجه" أصعب بكثير ويحتاج إلى مهاراتٍ اجتماعية أكثر بكثير مما يحتاجه التواصل عبر الشاشة. والجهدُ الذي يبذلونه عندما يتواصلون مع الآخرين "وجهاً لوجه" يصبُّ دائماً في مصلحتهم.

قد يكون جلوس الشبان/ الشابات أمام شاشات الكومبيوتر في البيت أمراً مريحاً لبعض الأهل، كما أنّ بعضهم الآخر يرتاح لعدم إكثار أودلاهم من الخروج مع الأصدقاء. يظنّ هؤلاء الأهل أنّ أبناءهم الجامعيين يستخدمون الكومبيوتر للدراسة، فيرتاحون لمرأى أبنائهم أمام الشاشة. ويعتقد كثير من هؤلاء الأهل أنّ تواصل أولادهم مع الآخرين عبر النت يدور حول الدروس فقط، ولذلك يظنّون أنّه تواصل اضطراري، ويعتقدون أنّ أولادهم بمأمنٍ لأنّهم يمكثون في المنزل لمدّة طويلة. أمّا نحن، فنرى غير ذلك تماماً لأنّ الخطر يُحدِق بهؤلاء الشبان والشابات.

وبعد انقضاء عامين على تلك الحال، يسأل الأهل أولادهم هؤلاء: "لماذا تمتنعُ/ تمتنعين عن إقامة علاقةٍ صداقة جدّية؟ لماذا لا تخرج/ تخرجين من المنزل إلّا نادراً؟ لقد انتهت الامتحانات، أخرج/ اخرجي واستمتع/ استمتعي بوقتك، أو على الأقل اسعَ/ اسعي للحصول على وظيفة".

ولسوء الحظ، قد تكون تلك هي المرّة الأولى التي يلاحظ فيها الأهل أنّ أولادهم لم يعودوا واثقين بأنفسهم كالسابق، ولهذا فهم يتجنّبون الخروج والاستمتاع بوقتهم، وهذا عدا عن تجنُّبهم للخروج حتى إلى مقابلةِ عمل.

 

-        التصرُّف الخاطئ على خط النت:

هناك مشكلة أخرى، وهي تصرُّف بعض المراهقين بطريقة خاطئة على خط النت. ولأنّهم لا يدركون بأنّ التواصل مع الآخرين عبر النت هو تواصل "حقيقي"، يخالفون أثناء استخدامهم للنت المبادئ السلوكية التي اعتادوا على إتباعها في الحياة العادية. ولهذا، فقد يقوم التلامذة بردّاتِ فعلٍ عشوائية (حيال أي شخص يزعجهم)، كأن يرسلوا إيميلاتٍ مهينة أو يُروِّجوا لشائعات مؤذية عمّن يزعجهم (من تلامذة آخرين أو مدرّسين أيضاً) وقد يفعلون كلّ ذلك دون أن يُفكِّروا في عواقب تصرُّفاتهم. طبعاً إنّ هذه التصرُّفات ليست بجديدة، فهي كانت تحدث في المدارس... إلخ، حتى قبل ظهور النت. ولكن عندما يتصرّف التلامذة بتلك الطريقة من خلال "النت" بالخصوص، فهذا يعني أنّ التعليقات والشائعات التي يرسلونها ويذيعونها ستتخطّى حدود المدارس وقد تصل إلى أيّ شخصٍ حول العالم! ولسوء الحظ، يقع المراهقون الانفعاليون في هذه المصيدة فيُسبِّبون الكثير من المشاكل لأنفسهم وللآخرين.►

 

المصدر: كتاب الإنترنت.. كيف نحمي أولادنا وحياتنا الخاصة؟ 

ارسال التعليق

Top