كانت زميلتي في الجامعة.. وأيضاً حبيبتي.. ورغم جمالها الباهر اختارتني أنا دون بقية المعجبين.. كانت تؤكد لي أنّني أروع الرجال.. ما أسهل أن يحلم الإنسان وأن يترجم أحلامه إلى كلمات، لكنّنا في فورة حبنا لم نكن نلقي بالاً للوجه الآخر للأحلام وترجمتها الواقعية.. توظفنا بعد التخرج كل في مجاله.. ما الذي كان ينقصنا؟ دبلة ذهبية؟ ثمن ذلك كان باهظاً.. كان شرطاً من أُمها المسيطرة.. الشقة أولاً.. مطلب منطقي وعادل تماماً.. كلّ العرسان لابدّ لهم من العثور على شقة.. أحقق إذن الشرط أوّلاً حتى لو بدا لي تعسفيا.. مرتبي ومرتبها يمكننا بهما فتح البيت.. لكن أين السقف الذي يجمعنا؟ كنا في العسل نائمين، فدون الحصول على ذلك عشرات الألوف وربّما مئات الألوف.. من أين؟! إكتشفنا أنّ أمثالنا لا يجوز لهم أن يتجابسوا على طرق أبواب أصحاب العمارات.. أمثالنا فقاعات تظهر على السطح وسرعان ما تتلاشى.. سألت حبيبتي مهموماً: ما العمل؟ ردت بحماسة: ننتظر ونبحث عن حلول أخرى.. أنا مستعدة لأن أعيش معك في غرفة على السطح. هذه الرائعة.. ألم تكن تستحق مني عمل المستحيل لكي أحقّق لها حلمها؟ وسط دوامة البحث لم ألتفت طويلاً إلى معاناة حبيبتي.. بمحض المصادقة اكتشفت ذلك.. كنت أعرف أنّ الكثيرين كانوا يحاولون الوصول إليها.. لم تكن تحدثني عن ذلك حفاظاً على مشاعري.. فهي في منأى عن التأثر بمثل هذه الأحداث.. بمحض المصادفة كان اكتشافي معاناة حبيبتي.. مدير جديد للقسم الذي تعمل به في البنك الاستثماري رجل في منتصف الحلقة الرابعة.. جذاب وأنيق.. والأهم أنّه مليء.. أصل وميراث ودخل كبير، والأكثر أهمية أنّه وقع في غرامها وقوعاً جامحاً جعله يدخل البيوت من أبوابها.. رجل قادر على تحقيق هدفه في أسرع وقت.. وأحدث تصرّفه الجريء زلزلة في أسرة حبيبتي.. الأُم فتحت ذراعيها مرحبة.. كل ما تحلم به لإبنتها الجميلة وأكثر.. حتى الأب الذي كان متعاطفاً مع قصة حب ابنته أسكرته الفرصة الذهبية التي جثت تحت قدمي ابنته الفاتنة فطالبها بنظرة واقعية إلى الأمور.. مذكراً إياها بأنّها صارت على مشارف الثلاثين، ولا أحد يدري كم من السنين تنتظر لو أنّها تمسكت بمَنْ تحب.. من جديد.. وسط الدوامة الجديدة في حياتي خفي عليّ أمر حبيبتي.. كنت قد فتحت فمي.. هل أقف بلا حراك؟ هل أتنازل عن حبي؟ انبثق شعاع تلقفته أذناي من وسوسة الشيطان.. فعلت ما فعله غيري في مأمورية الضرائب التي أعمل بها.. وبدأت جيوبي تعرف الامتلاء.. أقنعت نفسي بمشروعية ما أفعل.. في الحروب كل الوسائل متاحة.. وأنا كنت في حرب مع الأحداث.. وقلت لحبيبتي: فات الكثير ولم يبق إلا القليل.. كل شروط أُمّك سأحققها.. الشقة والمهر والشبكة.. من جديد خفي عليَّ أمر حبيبتي.. كانت قد ارتابت.. وجاءتني ثائرة.. قالت: كنت على استعداد لأنّ أعيش العمر كلّه في انتظار الرجل الرائع صاحب المبادئ والقيم الذي أحببته كما لم تحب امرأة رجلاً.. لكنني أرفض تماماً صاحب اليد الملوّثة.. وانهمرت دموعها وهي تستطرد قائلة: لن تقلع عما ترديت فيه إلا إذا اختفيت من حياتك.. وأنا أريدك أن تعود نظيفاً شريفاً من جديد حتى لو كان ذلك يعني اختفائي تماماً من حياتك. اختفت بالفعل.. حبيبتي الرائعة.. "المخرج عايز كده".. من المخرج.. القدر أم أنا؟! وربّما هي.. انتهزت الفرصة لتنشل نفسها من أهوال الإنتظار ولتفوز بالزوج الثري صاحب الشقة والسيارة الذي أقام لها حفل زفاف في أفخم الفنادق.. أرسلت إليَّ دعوة للحضور.. لا ألومها.. أنا إنسان يقف على قمة أخطر مرحلة.. حتى أفيق، لا أدري.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق