• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القرار بأيديكم: ابدأوا الريجيم الآن

القرار بأيديكم: ابدأوا الريجيم الآن

لا يختلف اثنان على أنّ السمنة داء، لكن قد لا يتفق اثنان على شكل هذا الداء: فهل هي مجرد شكل غير جذاب أم هي جسم منهك الأعضاء؟ وبين الشكل والأثر ما قد نراه بالعين المجردة وما لن نلمسه إلّا بعد أن تنفجر فينا شظايا السمنة، على شكل أمراض وعلل... والحل؟ أن نتأكّد أنّ السمنة ليست مجرد كيلوغرامات زائدة، بل ستة تطورات صحّية وكثير كثير من الاحتمالات السلبية الممكنة.

حين نفكِّر بالريجيم نفعل لأنّ ثيابنا قد ضاقت وزرّ السروال ما عاد يقفل وأزرار القميص تكاد تتفتق، ولأنّ مظهرنا ما عاد جذاباً، ولأنّ هناك مَن همس في آذاننا وهو ينظر إلينا مستغرباً: انتبهوا وزنكم قد زاد.

وهل هناك بالله عليكم أسوأ من هكذا تعليق؟

نعم، هناك ما هو أسوأ، لكن قد لا نبالي به لأنّه غير ظاهر، لأنّه فينا، في قلب الجسد لا في شكله الخارجي: هناك مرض القلب ومرض السرطان وأمراض الجلد والجهاز التنفسي والتهابات المفاصل والقولون والبروستاتا والسكري، وهناك البحص في مجرى الكبد والمرارة وصعوبة الحمل والوضع... فهل يفترض بنا والحال هكذا أن نفكر بعد مرتين قبل أن نقرر الانطلاق منذ اليوم، منذ هذه اللحظة بالتحديد، بريجيم معتدل مدروس صحّي؟

فلنحسبها جيداً: خسارة كلّ كيلوغرام إضافي تمنحنا سنة حياة... فكم هو عدد الكيلوغرامات الزائدة في أجسادنا؟ عشرة؟ اثنا عشر؟ عشرون؟ احسبوها وقرروا وإلى أن تفعلوا فلنُبحر في أبرز ستة ارتدادات للسمنة على أعضاء الجسد:

 

السمنة والقلب:

أوّلاً، أوّل ما قد تشعر به المرأة الحامل هي دقات قلب جنينها وهو يخفق فيها وأوّل ما قد تُفكر فيه إذا شعرت بخطر يحدق هو أنّ "قلبها" في خطر وقد يكون هذا القلب، نفسه، أوّل ما قد يتأثر بالسمنة الزائدة... فماذا قد تفعل السمنة المفرطة بالقلب الحساس؟

الدراسات التي تثبت نوعية العلاقة بين السمنة وأمراض شرايين القلب كثيرة، ولهذا أوّل ما قد ينصح به طبيب القلب لمريض يزوره أوّل مرة: خفض وزنك. لأنّ السمنة قد تزيد من نسبة السكري من النوع الثاني والسكري إذا ارتفع كثيراً قد يضرب القلب، والسمنة قد تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، وهذا الضغط إذا ارتفع قد يُهدد بدوره سلامة القلب، والسمنة قد تكون السبب المباشر في ارتفاع الكوليستيرول السيئ في الجسم، وهذا أيضاً قد يؤدي إلى مشاكل في القلب. ثمة علاقة دائرية إذن تربط بين السمنة وأضرارها ومرض القلب. ثمة تأثيرات مباشرة وتأثيرات غير مباشرة. في كلّ حال كلما زاد الوزن كلما ارتفعت إمكانات الإصابة بالقلب، وكلما انخفض تدنت هذه الاحتمالية. فالدهون الثلاثية في الدم ترتفع نتيجة السمنة وينخفض الكوليستيرول الحميد ما يؤدي إلى أمراض في شرايين القلب والدماغ والأطراف السفلى. وكلنا يعلم تأثير مثل هذا التطور على حياة الإنسان. يبقى أن تعلموا أنّ الدراسات في هذا الإطار دلت أنّه كلما ارتفع مؤشر كتلة الجسم، زاد معدل الإصابة بالسكتة الدماغية وبالتخثر الوريدي في الساقين. أما في حال زاد المؤشر على الأربعين، فإنّ كمية الدم التي يضخها القلب في الدقيقة تزيد، ما يؤدي، مع تمادي المشكلة، إلى تضخم في عضلة القلب.

 

السمنة والتهاب المفاصل:

ثانياً، ليس سراً القول إنّ السمنة تؤدي إلى التهابات في المفاصل، وأكثر ما يتأثر بها هي مفاصل الركبة والفخذ والكاحل وأسفل الظهر جراء الوزن الزائد الذي تتحمله هذه المفاصل، ما يؤدي إلى ضعف في العضلات وإلى نقص في السائل الموجود فيها، الذي يقوم عادة بمهمة تسهيل حركة المفصل، ما يتسبب بالتهابات وآلام. وفي الدراسات أنّ كلّ تخفيض في مؤشر كتلة الجسم بنسبة 2 يوازيه انخفاض في احتمال الإصابة بالتهاب في المفاصل بنسبة خمسين في المئة. فما رأيكم؟ ألا تستحق الحياة الهانئة بلا آلام وأوجاع وأمراض بعض الإرادة؟

ليس الارتداد الوحيد هو على مفاصل الركبة والفخذ والكاحل بل على العمود الفقري أيضاً، فترسب الدهون عند البطن يؤدي إلى مشاكل في فقرات الظهر الموازية للبطن فتنقبض العضلات المحيطة ويرتفع الضغط على طبقات الغضروف الموجودة بين فقرات العمود الفقري التي تجف تدريجياً وتتغير تركيبتها الكيميائية فتحدث انزلاقات فيها، ويؤدي هذا إلى ضغط على الأعصاب المغذية ما يتسبب بآلام مبرحة قد تتطور أحياناً إلى إعاقة.

تشعرون بآلام في القدمين؟ في عظام القدمين وفي باطنهما؟ الكيلوغرامات الزائدة التي تحملونها قد تكون سبباً أيضاً، وهي قد تدفعكم إلى تناول المسكنات ومضادات الالتهاب كما حبات السكاكر ما قد يؤثر في أعضاء أخرى في الجسم مثل الكلى والكبد.

لم ننتهِ بعد، فالبدانة قد تتسبب أيضاً بداء النقرس الذي يصيب الجسم نتيجة ترسب أملاح حمض البوليك في جدران المفاصل نتيجة لزيادة نسبته في الدم نتيجة الإكثار من تناول اللحوم الحمراء.

 

السمنة والجلد:

ثالثاً، الجلد حساس جدّاً، فإذا أكلتم طبقاً مليئاً بالتوابل قد "يهب" الجلد وتظهر عليه البقع الحمراء، وإذا غضبتم قد يتأثر الجلد، وإذا وضعتم كريمات غير ملائمة يتأثر الجلد، وإذا لم تنتبهوا إلى أوزانكم سيتأثر حتماً الجلد... وفي التفاصيل التي لن تعجب النساء أكيد أنّ الوزن الزائد قد يتسبب عندهن بالتحديد بارتفاع إفراز هورمون الذكورة التستستيرون يؤدي إلى نمو شعر في أماكن غير مستحبة أبداً، في الذقن مثلاً وعند الشاربين وحول الوجنتين. كما أنّ الوزن الزائد يزيد من إفرازات العرق، ما يؤدي إلى التهابات جلدية وإلى ظهور دمل وفطريات تحت الإبطين وبين الفخذين وبين طيات البطن وتحت الثديين. كما قد تظهر بعض الخطوط البيضاء نتيجة تمدد الجلد خلال فترات قصيرة. وفي موازاة هذا قد يتحول لون الأماكن القاسية من الجلد مثل الكوعين والإبطين والرقبة إلى داكن. وكلها طبعاً تطورات ستُحبط المرأة وتجعلها تسقط فريسة أمراض نفسية شتى.

 

السمنة والكآبة والسرطان:

رابعاً، نعم السمنة تتسبب بكآبة عند الجنسين، فالأشخاص البدناء في زماننا هذا، حيث يأخذ الشكل حصة الأسد في معايير اجتماعية ومهنية شتى، سيشعر مَن يحملون أوزاناً إضافية بضغوط نفسية وبرفض من المجتمع فيعزلون أنفسهم وكلنا يعلم أنّ العزلة ستجعلهم يرضخون إلى واقعهم ويكثرون من تناول الأطعمة كانتقام من أنفسهم بدل أن يكون الحلّ باتباع حمية مناسبة. ومعلوم أنّه كلما واجه المرء هكذا عوارض انخفض نشاطه الذهني بسبب نقص كمية الأوكسجين التي تصل إلى الجهاز العصبي، ما يؤدي إلى تشويش في فكره وعدم التركيز والإدراك وإلى مزيد من الخمول فيميل إلى الأكل والنوم ثمّ الأكل والنوم ثم الأكل والنوم فيدخل بهذا في الدائرة المغلقة.

إلى ذلك، تنمو الخلايا الخبيثة حين تفقد الخلايا الطبيعية قدرتها على السيطرة على نفسها ومعلوم أنّ أكثر السرطانات تأثراً بالسمنة القولون والمستقيم والبلعوم والكبد والمرارة والبنكرياس والكلى والرحم. ما يعني أن ليست نفسية البدين هي فقط ما تتدهور بل خلاياه أيضاً.

 

السمنة والجهاز التنفسي:

خامساً، أتتصورون ماذا يعني أن يحمل الإنسان نحو أربعين أو خمسين كيلوغراماً زيادة في أحشائه؟ بعض مَن يعانون السمنة يفعلون هذا، وحين يستلقون على فراشهم يواجهون صعوبة في أداء حركة الصدر والبطن، بسبب حاجة عضلات الصدر إلى قوة أكبر للتحرك أثناء عملية التنفس، ما يؤدي إلى خلل في نوم هؤلاء أو إلى مواجهتهم خلال النوم حالات انقطاع التنفس لحظات، بسبب ترسب الدهون حول العنق والرقبة، ويواجه مثل هؤلاء حالات نعاس دائمة في النهار فنراهم يغفون حتى وهم يجلسون ضمن جماعة، في لقاء، في اجتماع، أو حتى خلال عشاء.

 

السمنة والحمل والولادة والبروستاتا:

سادساً، هناك نساء كثيرات يحاولن أن يحملن عبثاً وحين يقصدن أطبائهنّ يسمعنّ التوجيه التالي: خففن من أوزانكنّ! نعم، الدهون المتراكمة حول البطن تعوق عملية الحمل وتتسبب بمشاكل في عملية الإباضة، ناهيك أنّه كلما كانت المرأة الحامل تحمل مزيداً من الكيلوغرامات ارتفعت إمكانية إصابتها بسكر الحمل وبالتهابات في المسالك البولية وبتجلطات في الأوعية الدموية وأحياناً بتأخر موعد الولادة وتزيد احتمالية الولادة القيصرية. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحدّ فسمنة المرأة الحامل قد تجعلها تلد طفلاً يعاني نسبة دهون عالية أو حتى تزيد من احتمالية أن تجهض.

هذا نسائياً... أما ذكورياً فقد تؤدي السمنة إلى مشاكل عند الرجال في أداء الوظيفة الجنسية وإلى ضعف في الخصوبة.

هل ما زلتم تفكرون بإرجاء قرار الانطلاق بالريجيم إلى الغد؟

لم نقل بعد كلّ ما قد تفعله السمنة في أجسادكم، فهي تزيد أيضاً من تكوين الحصى في الكلى وفي المرارة وفي تضخم البروستاتا وفي بطء التئام الجروح وفي فقر الدم الموضعي وفي اضطراب الدورة الشهرية...

وماذا بعد؟

القرار لكم في ماذا سيكون بعد اليوم... قرروا ونفذوا بعد أن تتذكروا أنّ الحياة أمانة.

ارسال التعليق

Top