• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العدالة بين أبنائنا.. غير المساواة بينهم

العدالة بين أبنائنا.. غير المساواة بينهم
   لابدّ في البداية من الإشارة أنّ مصطلح (الأبناء) من الألفاظ المشتركة، أي انّه يجمع في ردائه (الأبناء والبنات) معاً، فحينما نقول بالعدالة بين الأبناء نعني بها العدالة المطلوبة بين البنين والبنات.

وكما لا يخفى، فإنّ (العدالة) غير (المساواة) فكلّ مساواة عدالة، ولكن ليس كلّ عدالة مساواة، فكما لا ينبغي أن يستوي – عند الولاة – المحسن والمسيء، فكذلك (ولاة الأمر) أعني الوالدين، والحكمة دائماً هي أن تضع الشيء في موضعه.

نُذكّر بمثلين سابقين ثمّ نعود لما نريد قوله:

قصة (النعمان بن البشير) مع النبيّ (ص) عندما أراد أن يُشهده على قطعة أرض اقتطعها لأحد أولاده، فقال له النبي (ص): "وهل أعطيت باقي ولدك كما أعطيته؟ فقال له: لا. فقال النبيّ (ص): لا تشهدني على زور.

بقصة أخرى يرى النبيّ (ص) أحد الآباء يُقبِّل أحد ولديه اللذين كانا معه، فابتدره قائلاً: "قَبِّل الثاني.

المثلان من أمثلة عديدة لكنّهما يعبِّران عن تمييز (مادّي) في العطاء هناك، وعن تمييز (معنوي) هنا.

مقولة إنّ أبناءنا فلذات أكبادنا ونحن نحبّهم بالتساوي، غير مقنعة لسبب بسيط: إنّ الوقائع الحياتية تكذِّبها، (فالابن الأثير) أو (البنت الأثيرة) موجودون في الكثير من العوائل.

صحيح أنّ حبّ الوالدين – من الناحية المبدأية – لكلِّ أبنائهم لا مزايدة عليه، ولكنّ الميل القلبي والنفسي لأحدهم دون الآخرين قضية اجتماعية معاشة، فيُوسف كان أثيراً لدى يعقوب، لا لأنّ الرجل لم يكن يولي مسألة العدالة العناية المطلوبة، بل لأنّ الواقع الميداني يفرض ذلك.

ألا ترى أنّ ابنك الأكثر أدباً واحتراماً وذكاءً ووداعة قريبٌ إلى قلبك حتى ولو لم تكن تعلن ذلك أمام إخوته الآخرين؟!

ومع الفارق في القياس، فإنّ المسألة تشبه إلى حد ما – علاقة الرجل بزوجتيه أو زوجاته – فالحبّ ليس تفاحة تقسّم إلى نصفين: نصف لهذه ونصف لتلك وإذا كنّ أربعة فتقسّم إلى أربعة أرباع، وإنّما هو مشاعر وميول يتحكّم فيها أكثر من عامل.

كيف إذن تكون العدالةُ بين الأبناء؟

أن تعطي كلّ ذي حق حقه، أو بمعنى آخر كلّ ذي استحقاق استحقاقه، فالابن الذي يظهر مزيداً من التفوق والالتزام والإيجابية يفرض نفسه أو موقعه في قلبيّ أبويه، والبنت المراعية للتعامل السوي السليم داخل الأسرة، والتي تبدي قدراً من التفوّق الدراسي والعملي، هي الأخرى تفرضُ حبّها على ولديها، وهنا النقطة المهمّة:

هل الأبوان هما اللذان يقفان على مسافة واحدة من الأبناء، أمْ هم الأبناء الذين يحدِّدون العلاقات الجديدة (قُرباً وبُعداً) بما يحاولونه ويبذلونه من جهود ومواقف تُملي على الأبوين مقابلة (الإحسان) بأحسن منه؟! وإلّا فهل تفترض العدالة أن أكافئ ولدي (المتخلِّف دراسيّاً) بأخيه (المتفوّق دراسيّاً) مثلاً؟! إذا أكون قد كافأت المسيء وهدرتُ حقّ المحسن.

إنّ المشكلة ليست بمن نغدق لهم حبّنا من الأبناء عن جدارة واستحقاق، بل بمن لم ينالوا نصيبهم منه لا (لتمييز عاطفي) ولا (لتفرقة مزاجية) ولا (لهوى أبويّ) وإنّما لكونهم لم يقدّموا ما يستحقون به (المزيد من الحب والعطف) ونقول المزيد ونحن نعني ما نقول، فحبّنا وعطفنا حتى للمتخلّف دراسياً موجود، بدليل أنّنا نتمنّى من الأعماق لو كان هو الآخر يحظى بالمزيد من حبّنا وعطفنا الذين لا ينقصان مع الإنفاق!!

إنّنا هنا نتأدّب بأدب القرآن الذي لا يساوي في الحبّ والتكريم والمكافأة، لأنّه يردِّد دائماً (لا يستوي)، (لا يستويان) (لا يستوون).

ارسال التعليق

Top