• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الامتناع يهذّب النفوس ويطهّرها

د. غنيمة حبيب كرم

الامتناع يهذّب النفوس ويطهّرها

يخلط الكثير منّا بين مفهومي الصوم والصيام ويكاد البعض يوقن بأنّ مدلول لفظة الصوم هي ذاتها مدلول الصيام، لكن كبار علماء اللغة المسلمين تنبهوا لاختلاف اللفظ وارتباطه باختلاف المعنى، ذلك لعلمهم بأنّ اللغة مفتاح المعنى والزيادة أو التغير في تركيب اللفظة يمنحها دلالة بلاغية مختلفة، ويؤكِّد العالم اللغوي الجليل عبدالقاهر الجرجاني في (دلائل الإعجاز) بأنّ كلّ زيادة في المبنى لابدّ وأن يكون لها زيادة في المعنى، وهو أمر أضفى على  لغتنا العربية جمالاً وسعة في القدرة على الإبداع وتوليد المفردات.

إنّ الصيام ركن من أركان الإسلام ويعني الامتناع عن الأكل والشرب من طلوع الشمس إلى مغربها خلال شهر رمضان المبارك، وهو فريضة على كلّ مسلم، أمّا الصوم فهو أعم من الصيام، حيث يتجاوز الامتناع عن الأكل والشرب ليصل للامتناع عن الكلام والسلوك، ولعلّ في الآية الكريمة خير دليل على ذلك، حيث يقول تعالى لسيِّدتنا مريم (ع): (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (مريم/ 26)، ونرى مدلول لفظة صوم تتجاوز الامتناع عن الطعام والشراب لتكون الامتناع عن الكلام، وفي الحديث ورد عن ابن مسعود (رض) أنّ النبيّ (ص) قال:"يا معشرَ الشبابِ، مَن استطاع منكم الباءةَ فليتزَوَّج، ومَن لم يستَطِع فعليه بالصومِ فإنّه له وجاءٌ" (صحيح بخاري)، فكان الصوم يتجاوز ذلك ليصل إلى السلوك والامتناع عن الفواحش والمعاصي.

ويرتبط المفهومان ارتباطاً واضحاً، فالصيام دون الصوم لا يؤدِّي المطلوب ولا يكسبنا الأجر والثواب العظيم، وعند النظر إلى طبيعة الإنسان ندرك بأنّ الامتناع عن الأكل والشرب يُعدّ أمراً سهلاً بالمقارنة على الامتناع عن الكلام أو السلوك المعتاد، فالصوم من شأنه أن يهدأ النفوس ويقلل المشكلات بين الناس.

وممّا يؤكِّد ما نطرحه من اختلاف بين المفهومين مسألة الوقت، فالصيام أينما ذكر نجده مرتبطاً بالوقت ذلك أنّه خاص بالامتناع عن المأكل والمشرب، وهو أمر لا يمكن للإنسان تحقيقه إلى أجل غير مسمى، لأنّ الأكل والشراب ضرورة للحياة والاستمرار والبقاء، لكنّ الصوم أمر سلوكي سواء كان باللسان أو الجوانح الأُخرى، وتلك أُمور ليست ضرورة في حياة الإنسان كما الأكل والشراب، ولذلك كان الإنسان المسلم مُطالباً بالصوم طوال حياته.

نسأل الله تعالى أن يعيننا على تحقيق إرادته، وأن يكون لنا القدرة على نيل ثواب الصوم والصيام، وأن يجعل شهر رمضان المبارك فرصة لتهذيب نفوسنا وغفران ذنوبنا ونيل رضاه ورحمته، اللهم آمين.

ارسال التعليق

Top