إعداد: محمد عبود السعدي
حين يعجز القلب عن أداء وظيفته كمضخة دم، تتضرر الأعضاء كافة. لكن، لعل الرئتين هما الأكثر تضرراً. فجراء تراكم الماء والسوائل فيهما، تصابان بما يدعى "الاستسقاء الرئوي"، وهو داء خطير، قد يودي بحياة المصاب.
في حال ظهور قصور قلبي يفضي إلى الإخلال بعمل القلب، وعجزه عن بث الدم إلى أعضاء الجسم بشكل كافٍ، تواجه الرئتان صعوبة في "التنفس" تنفساً طبيعياً جراء تجمع الماء فيهما، ما يؤدي إلى حالة تعرف طبياً باسم "الاستسقاء الرئوي"، أو "الوذمة الرئوية" (بالإنجليزية pulmonary oedema). حينذاك، يشكل ضيق النفس عند المصاب أوّل الأعراض. ثمّ تتطور هذه لكي تشكل إعاقة حقيقية مزمنة، مزعجة في أفضل الأحوال، وقاتلة في أسوئها. وتلك السوائل تتجمع في الحويصلات الرئوية، وأيضاً في المسامات الموجودة بين خلايا النسيج الرئوي.
إذن، التعرف الأمثل للـ"وذمة الرئوية"، أو "الاستسقاء الرئوي"، هو أنّه كناية عن حالة تراكم سوائل في الرئتين، ما يعوق عملهما، بالتالي يعوق تنفس المصاب. لكن، ينبغي الانتباه إلى الآتي:
- إذا كان القصور الوظيفي متمركزاً في تجويفي القلب الأيسرين، يتجمع الماء في أنسجة الرئتين، فيحول دون التبادل الغازي (امتصاص الأكسجين ولفظ ثاني أكسيد الكربون). وذلك هو الاستسقاء الرئوي الحاد، وهو مرض خطير.
- تختلف التداعيات تماماً في حال تمركز القصور في تجويفي القلب الأيمنين. في تلك الحال، لا يتراكم الماء في الرئتين، إنما في الطرفين السفليين، ما يفضي بالأحرى إلى استسقاء الساقين، الأقل خطورة من استسقاء الرئتين.
- من الأكثر عرضة؟
في الواقع، يمكن لأي مرض قلب أن يتدهور لكي يصل إلى مستوى عجز أو قصور قلبي، يؤدي بدوره إلى استسقاء رئوي (إذا كان العجز في جهة البطين الأيسر والأذين الأيسر)، أو استسقاء الساقين (إذا كان العجز في البطين والأذين الأيمنين). ومرض القلب المذكور يمكن أن يشمل صمامات القلب، أو عضلاته وجدرانه الداخلية، أو شرايينه. هذا يعني أن أي من يعاني مرض قلب، أياً كان نوعه، ليس في مأمن من الاستسقاء الرئوي.
في أي حال، في هذا الشأن، يشدد الباحثون على النقاط الآتية:
1- يمكن أن يعاني أي شخص راشد العجز القلبي الأيسر، ومعه بالتالي الاستسقاء الرئوي المحتمل. أما الأطفال، فنادراً ما يصابون بذلك العجز.
2- الرجال، بشكل عام، أكثر عرضة للاستسقاء الرئوي. والسبب، في رأي الأطباء، يكمن في أنّ المنظومة الهرمونية النسائية تحمي المرأة أكثر.
3- على الرغم من ذلك، فإنّ الأكثر عرضة هم المسنون ممن أصيبوا من قبل بنوبة قلبية تخص عضلة القلب.
4- بشكل عام، ترتفع احتمالات الإصابة بالاستسقاء الرئوي بعد سن الـ50. لكن السن ليست العامل الوحيد. فثمة أعداد متزايدة من مصابين بالاستسقاء الرئوي على الرغم من أنهم شباب. وثمّة نوعان من الأسباب لإصابة الشباب، وهما: أوّلاً – العادات غير السليمة، وعلى رأسها تناول الكحول، والتدخين. وثانياً – وجود عوامل مؤهبة، أهمها: السكري، والسمنة المفرطة، وارتفاع نسبة الكوليسترول السيئ في الدم، وارتفاع ضغط الدم، والخمول وقلة الحركة
5- تعرض عضلة القلب لقصور ما، أياً كان مردّه، هو ما يؤدي إلى الإصابة بالاستسقاء الرئوي.
6- نظراً إلى ما تقدم، من المفارقات أنّ الإصابات مرتفعة أكثر في البلدان المتطور صحياً. فالرعاية الطبية، هناك، تؤدي إلى رفع معدل الأعمار. وفي معظم بلدان أوروبا الغربية، مثلاً، يبلغ معدل عمر النساء 82 عاماً، والرجال 77 عاماً، أي بزيادة نحو 10 سنوات بالقياس إلى ستينات القرن الماضي. هذا يعني وجود أعداد متزايدة من المسنين، ما يفسر أن نسبة حالات الاستسقاء الرئوي مرتفعة نوعاً ما في تلك البلدان. فخلايا عضلة القلب، مع التقدم في السن، تموت تدريجياً، ما يؤدي إلى خفض قدرة القلب على التقلص والانكماش والتضاغط، بالتالي قابليته على ضخ الدم.
- الأعراض:
طبعاً، يشكل ضيق التنفس العلامة الأولى للاستسقاء الرئوي. ويمكن أن يظهر هكذا، فجأة، لكن يمكن أيضاً أن يتطور تدريجياً، ويصل حد اضطرار المصاب إلى وضع وسائد متعددة تحت الرأس أثناء النوم، لمكافحة ضيق النفس، إذ يحس بالاختناق حين يستلقي بشكل أفقي.
- يكون ضيق التنفس مصحوباً بكحة، ومعها بلغم رغوي (مزبد) الطابع، بلون أبيض أو وردي فاتح.
- تعرق شديد وبشرة شاحبة.
- حين يكون عجز القلب شاملاً، أي يطال الجانبين الأيسر والأيمن كليهما، فضلاً عن الاستسقاء الرئوي، يظهر أيضاً استسقاء الساقين. وهذا الأخير غير مؤلم، إنما يؤدي إلى انتفاخ الطرفين السفليين، وابيضاضهما، وترك آثار واضحة عند الضغط عليهما بالأصابع.
- التشخيص:
يجرى التشخيص الذاتي بشكل خال من خلال مراقبة تطور الحالة خلال أيام. وفي حال الشك في وجود استسقاء رئوي، ينبغي إبلاغ الطبيب حالاً، حتى وإن تطلب الأمر دخول قسم الطوارئ. وفي العيادة، أو المستشفى، يعمد الأطباء إلى إجراء فحوص تكميلية، تشمل بشكل أساسي أخذ أشعة للصدر، وتحليل دم لتقصي وجود عامل كيميائي معين، يختصره الأخصائيون بـ"بي أن بي" (B.N.P)، على أساس أن وجود ذلك العامل يعدّ دليلاً قاطعاً على الإصابة بعجز قلبي.
- الوقاية:
عن التساؤل: "هل بمقدورنا تجنب الاستسقاء الرئوي؟"، يرد الأخصائيون بالقول إن ثمة عوامل تنفع في خفض احتمالات الإصابة، ومنها:
- التزام حمية غذائية من دون ملح.
- في حال اكتشاف وجود عجز في القلب، تصبح تلك الحمية (من دون ملح) واجبة لتجنب الإصابة بالاستسقاء الرئوي. وعلى المصاب بقصور قلبي عدم تجاوز 6 غرامات ملح يومياً، بما فيها الملح "الخفي"، أي الموجود في المياه الغازية، والخبز، والوجبات المحضرة، والأغذية المعلبة، إلخ. وعليه أيضاً مراقبة ضغط الدم بدقة، والإسراع في معالجة أي حالة مرضية أخرى من شأنها مفاقمة عجز القلب.
- طبعاً، من أجل صحة القلب، من الضروري الالتزام بشروط السلامة الصحية العامة، والامتناع عن التدخين والكحول، ومراقبة الوزن ونسب السكر والكوليسترول في الدم. كما يجب مزاولة نشاط جسدي منتظم، لاسيما المشي الخفيف، والسباحة إن أمكن، على الأقل مرتين اثنتين في الأسبوع.
- علاج الاستسقاء الرئوي:
يجب التشديد على أنّ الاستسقاء الرئوي يستدعي علاجاً عاجلاً، في قسم الطوارئ. وينصب العلاج عموماً على الآتي:
1- إمداد المصاب بمادة خاصة، تمتص الماء المتراكم في الرئتين. ويجرى ذلك بوساطة الكيس المغذي في البداية، ثمّ من خلال حبوب تؤخذ عن طريق الفم.
2- في مرحلة لاحقة، ينبغي علاج العجز القلبي الذي تسبب في الاستسقاء. وهذه مرحلة مهمة أيضاً، فبخلافه، يظل احتمال السقطة (النكسة) عالياً، وفي فترة قصيرة نسبياً.
3- في حالات نادرة، يكون عجز القلب من الخطورة بحيث يستدعي عملية زرع قلب. لكن، لسوء الحظ، لا يستفيد من تلك العملية سوى عدد محدود من المرضى، لأنّها مكلفة من جهة، ومن جهة أخرى لأن عدد المتبرعين ضئيل بالقياس إلى عدد من ينتظرون قلباً.
كما تجدر الإشارة إلى الطب الطبيعي، الذي لا يقوى شيئاً إزاء الاستسقاء الرئوي الحاد، إنما قد ينفع في حالات الاستسقاء الرئوي الطفيف. فمثلاً، منذ قرون، استخدمت نبتة الزعرور لتلك الغاية. لكن، حذار، إذ قد تكون لها تفاعلات سلبية مع بعض الأدوية الخافضة لضغط الدم، وأدوية أخرى، تستخدم لتنظيم ضربات القلب (منها "ديغوكسين" مثلاً). وهناك أيضاً نبتة أخرى، تدعى "ذنب الفرس"، أو الـ"خنباس" أو الـ"كنباث" (بالإنجليزية Horsetail وبالفرنسية prele)، يؤكد البعض أن لها فضائل في تخفيف الاستسقاء الرئوي البسيط.
ارسال التعليق