• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإحسان إلى (المُسيء)

أسرة

الإحسان إلى (المُسيء)
  1- الإحسان إلى (المُسيء) في القرآن الكريم: الإحسان إلى المُسيء يجعل المُسيء الذي كان يتوقّع ردَ السيئة بالسيئة أو بأفضع منها، وإذا به يُفاجأ بمقابلة إساءته بالإحسان، سيقلب المعادلة عنده ويوقظ ضميره، ويخجل من إساءته وينظر بعين الإكبار والتقدير إلى مَن أساء إليه.[1] يقول تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34).   2- الإحسان إلى (المُسيء) في الأحاديث والروايات: تنقل السيرة النبوية أنّ النبي (ص) في يوم فتح مكّة، سأل قريشاً: ما تروني فاعلاً بكم؟ فقيلَ له: أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريم. فقال: لا أقولُ لكم إلّا كما قال أخي يوسف: (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) (يوسف/ 92)، إذهبوا فأنتُم الطُّلقاء". وفي الوقت الذي ارتفعت أصوات من المسلمين تدعو للإنتقام: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تُسبى الحُرمة، اليوم تُذلُّ قريشاً"، ارتفعت أصوات مُقابلة الإساءة بالإحسان، مُنادية: "اليومُ يومُ المرحمة، اليوم الحُرمة، اليوم تُعزُّ قريشاً"، ممّا أحدث انقلاباً عظيماً في النفوس والقلوب، إلّا التي فيها مرض ممّن (استسلم) ولم (يُسْلِم). وروى أنس خادم النبي (ص) أن أعرابيّاً جذب برداء النبي (ص) جذبةً شديدةً حتى أثرت حاشية البرد في صفحة عاتقه، وقال: يا محمّد! احمل لي على بعيري هذين من مال الله الذي عندك، فإنّك لا تحمل لي من مالِكَ ولا مال أبيك. فسكت النبي (ص)، ثمّ قال: المالُ مال الله، وأنا عبده. ثمّ قال: ويُقادُ منكَ يا أعرابي ما فعلتَ بي؟ (أي يُقتصُّ منك) قال: لا. قال (ص): لِمَ؟ قال الأعرابي: لأنّك لا تُكافئ السيِّئة السيِّئة!! فضحكّ النبي (ص) ثمّ أمر أن يُحمل له على بعير شعيراً، وعلى الآخر تمراً. وكان (ص) يقول: "أحسِن إلى مَن أساءَ إليك". وما أكثر قصص مقابلة الإساءة بالإحسان، التي جسّدها أهل بيت النبوّة (ع) في ردِّهم على المُسيء: إن كنتُ كما تقول غفرَ الله لي، وإن كنتُ لستُ كما تقول غفر الله لك. فلقد جاء دعاء الإمام زين العابدين (ع): "وسدِّدني لأن أعارض مَن غشّني (بالنُّصح)، وأجزي مَن هجرني (بالبرِّ)، وأثيبُ مَن حرمني (بالبّذل)، وأكافئ مَن قطعني (بالصِّلة)". ورُوي عن الإمام الصادق (ع) قوله: "إن شئتَ أن تُكرَم فَلِن وإن شئتَ أن تُهان فاخشن"! وقال الإمام علي (ع): "أحسِن، إذا أردتَ أن يُحسَنَ إليك". وكان (ع) يقول: "الإحسان إلى المُسيء يستصلح العدوّ". بل قال (ع): "من كمال الإيمان مكافأة المُسيء بالإحسان"!   3- الإحسان إلى (المُسيء) في الأدب: يقول الشاعر في إحسانه لمُسيءٍ يُكثِر الإساءة: ما زالَ يظلمني وأرحمه **** حتى بكيتُ لهُ من الظُّلمِ وقال (أبو حيّان التوحيدي): "عَذِب حُسّادكَ بالإحسانِ إليهم". وفي الأمثال: "مُدّ يدك إلى مَن يسقط". وقال الشاعر إلى مَن أساء إليه: إن لم يكن أدبي **** فخلقك كان أولى أن يصدّك وقال آخر: لا تفُه ما حييتَ إلّا بخيرِ **** ليكون الجوابُ وقفاً لديكا قد سمعتَ الصدى وذاك جمادٌ **** كلّ شيء تقولُ رُدَّ عليكا   4- برنامج الإحسان إلى (المُسيء): ثلاثة مواقفُ هنّ لا رابعَ لهنّ من المُسيء: 1- أن تُقابل إساءته بالإساءة، وهذا يعني أن تصبّ الزّيت على النار أو الحطب لتزيدها اشتعالاً، والنتيجة أن كلاكما مُحترقان. 2- أن تُقابل الإساءة بأفظع منها، وهذا أسوأ من الأوّل، لأنّه يكيل الصاع صاعين، ويُضاعف مساحة الحرائق والخسائر والأضرار. 3- أن تُقابل الإساءة بالإحسان، فتقمع الشر. يقول الإمام علي (ع): "إقلع الّشرَّ من صدرِ غيرِكَ بقلعه من صدرِك"، وبذلك تكون قد أحسنتَ إلى نفسِكَ أيضاً، لأنّك حميتها من العدوان أو من المزيد منه، وصنتها من أن تتنزّل إلى مستوى التحقير والإهانة والإساءة التي تستنكرها من المُسيء، فكيفَ تأتي أو تفعل ما تستنكرهُ وتشجبه؟ وعنه (ع): "أفضلُ المروءةِ احتمال جنايات الأخوان".
[1]- طبعاً نحن لا نتحدّث عن اللّئيم أو الذين لا يشملهم العفو – إذا جاز التّعبير – فهؤلاء في نفوسهم مرض، ويحسبونَ إحسانك إليهم ضعفاً، فيزدادون إساءة، ولذلك استثنى النبي (ص) بعض الخطرين من العفو في يوم الفتح، كما ينقل بعض أرباب السيرة.

ارسال التعليق

Top