1- التفسّح في المجالس:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) (المجادلة/ 11).
التطبيق الحياتي: أدب الجلوس أدب اجتماعي، فالتوسّع في المكان ليجلس القادم، أو القيام منه ليجلس مَن هو أكبر سنّاً، وأفضل علماً، وأكثر تقوى، يُمثِّل حالة من الحبّ والرحمة والإحترام للآخر، ويُعبِّر عن خُلُقٍ إسلامي في توقير الكبير، وتعظيم العالم، وإجلال التقي.
إنّ التنازل عن (المكان) لا يعني التنازل عن (المكانة)، بل إفساح المكان للمكانة.
2- الاستئذان:
أ- الاستئذان للدخول إلى بيوت الغُرباء:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (النور/ 27-28).
التطبيق الحياتي: هذا أدب في احترام خصوصيّات الناس وأسرارهم التي يريدون التحفّظ عليها وعدم الرغبة بإطلاع الآخرين عليها، فالاستئذان من آداب الدخول إلى البيوت. فكما تريد للآخرين أن يحترموا حياتك الخاصّة، كذلك يجب عليك أن تحترم حياتهم الخاصّة، فالمطلوب إعلام أهل البيت بأنّ هناك قادماً يريد الدخول عليهم، كطرق الباب، أو قرع الجسر، أو التنحنح، أو ذكر الله.
المبدأ إذاً هو أن لا تقتحم بيت غيرك إلا برضاه، وفي حال رفض استقبالك لأنّك بدون موعد، أو أنّ لديه عملاً يريد إنجازه، أو وجود مانع صحي أو ذاتي خاص، فعليك أن تحترم إرادته وترجع من حيث أتيت.
ب- الاستئذان في أوقات الخلوة:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (النور/ 58-59).
التطبيق الحياتي: كما لا يجوز اقتحام البيوت بدون إذن أصحابها، كذلك لا يجوز – للأولاد الكبار والخدم – الدخول إلى غرف النوم – في أوقاتٍ مُحدّدة – إلا بإذن، والسبب هنا كما السبب هناك احترام حرِّية الإنسان وخصوصيّته، فكما لا يحبّ صاحب البيت أن يراهُ الضّيف على حالٍ مُعيّن، لا يحبّ الزوجان أن يُريا على حالٍ معيّن.
ت- آداب الضيافة:
قال تعالى: (إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) (الأحزاب/ 53).
التطبيق الحياتي: إكرام الضّيف من الإيمان بالله واليوم الآخر، وقيمة الضيافة في تعبيرها عن المودّة والترحاب والأخوّة والكرم، حتى ورد أنّ البيت الذي لا يدخله الضيف لا تدخله الملائكة، فالضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوب أهل البيت.
وللضيافة آدابها من عرض الطعام، وتهيئة المنام، وعدم تشغيل الضيف، وعدم التكلّف، وأن لا تصحب أحداً من غير إذن صاحب الدعوة، كما ينبغي للضيف أن يحترم خصوصيّات المضيف وأن لا يثقل عليه.
ث- أدب الجوار:
قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا) (النساء/ 36).
التطبيق الحياتي: لأيِّ منّا أسرتان: الأسرة الصغيرة، وهي بيته وعياله، والأسرة الكبيرة، وهي المجتمع الذي له دوائر متعدِّدة تبدأ بالجار وتنتهي بالمؤسّسات الإجتماعية العُليا.
إنّ الإحسان إلى الجار لقربه السكني يُراد له تحقيق القُرْب الاجتماعي من خلال العلاقة الحميمة التي تقتضي التعاون والتفاعل والتكافل والتكامل، ولحكمةٍ بالغةٍ كان النبي (ص) يكثر ويشدِّد في وصيّته على الجار، حتى ورد عنه (ص): "ما زالَ جبريل (ع) يوصيني بالجارِ، حتى ظننتُ أنّه سيورِّثه".
والجوار له دوائر متعدِّدة أيضاً، فإضافة إلى القريب سَكَناً، هناك (الصاحب بالجَنْبِ) أي رفيق السفر، أو الجليس في الحضر، أو الزميل في الدرس أو الشريك في الحرفة. أمّا الجار ذو القُربى فله حقّان: حقّ الجوار وحقّ القُربى.
ج- أدب الحديث والحوار:
قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (الإسراء/ 53).
التطبيق الحياتي: إختيار الكلمات الأحنّ، والألطف، والأعذب، والأنسب في الحديث مع الناس أو محاورتهم أدب وتهذيب اجتماعي راقٍ يُراد له أن يحقِّق أفضل صيغ وسُبل التواصل مع الآخر بعيداً عن إثارة مشاعره وجرح أحاسيسه أو استفزازه أو تنفيره.
هذا يعني أنّ الإسلام يُعلِّمك كيف تكسب الأصدقاء الجُدد، وكيف تحافظ على العلاقات القائمة من خلال أسلوب التخاطب والحوار، فأيّ حديث يخلو من السِّباب والفحش والإهانة، ويحمل في طيّاته الاحترام والمحبّة والتقدير، خليق بأن يوطِّد الأواصر، ويُقرِّب القلوب، ويجمع العقول.
ح- أدب الصّوت المعتدل:
قال تعالى في وصيّته لقمان لابنه: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان/ 19).
التطبيق الحياتي: الصوت الهادئ محبّب إلى النفس، والنبرة المعتدلة رقيقة الوقع على السمع، أمّا رفع طبقة الصوت فهو كالزّعيق أو النهيق يُزعج السامع ويحول دون متابعته للحديث، ولا يقتصر ذلك على صوتك، بل يتعدّاه إلى أجهزة الإعلام كالراديو والتلفزيون ومكبّرات الصوت وأجهزة التسجيل، ولمّا كان بإمكان الإنسان أن يتحكّم بصوته، وبدرجات الصوت في تلك الأجهزة، فإنّ من الذوق الإنساني والجمالي والحضاري أن لا يُرفع الصوت، فالآخرون ليسوا طرشاناً!
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق