أجرت جمعية القلب الأمريكية دراسة واسعة النطاق للعاملين في مختلف أنواع المهن المعروفة، كان الهدف منها معرفة نسبة حدوث النوبات القلبية أين تكثر وما سببها؟ فوجدت أنّ الأشخاص ذوي المهن التي تتطلب حركة دائمة يصابون بأمراض قلبية أقل من أولئك الذين لا يتطلب عملهم تحركاً مجهداً، كما ظهر أنّ من النوبات ما تأتي في كافة مراحل عمر الإنسان فهي لا تختار كهولاً دون شباب أو العكس، وإنما تحدث مع أولئك الذين يتّسمون بقلة الحركة.
بما أننا لسنا مخيرين في اختيار مجال عملنا أحياناً، بحيث إنّ الكثير منا يضطر إلى الجلوس وراء المكتب ساعات طويلة خلال النهار، إلا أنّه لدينا الخيار بأن نتحرك خارجه ولو لساعة عبر تمارين رياضية، وبالمثل أيضاً يمكن القول عن "تقدم العمر" بأنّه صحيح أنّه لا يمكننا إبقاء ذوي العمر المتقدّم يافعين، إلا أننا مخيرين في أن نواصل نشاطنا بالحركة حتى تبقى لنا حيويتنا ونتجنب الأمراض المترتبة عن قلة الحركة.
وبالسياق ذاته، أثبتت بعض البحوث أنّه في حالة اللاحركة تتباطأ نبضات القلب من 12 إلى 20 دقة في الدقيقة، كما ينخفض استيعاب الجسم للأوكسيجين بنسبة 33%، وتسوء عملية تهوية الرئتين، وتضعف دينامية عمليات الهضم، فيزداد إخراج الكالسيوم مع البول، ويتراكم الفوسفور في الجسم بحيث يساعد على ظهور الحصى في الكلى وإلى نقص الدم المشارك في الدورة الدموية، كما أنّه مع حالة النقص الحركي تسوء الحالة النفسية وتأخذ عوارض التوتر والاكتئاب بالظهور.
الحركة... بركة!
هل عرفت ماذا يعني أن لا تتحرك؟ هل دفعك ذلك لأن تفكر في أسلوب حياتك الرياضي؟ في كتاب له بعنوان "سعبة مبادئ من أجل الحفاظ على الصحة" يشير العالم الألماني "مانفرد كنلخنر"، إلى أنّ هناك سبع توصيات أساسية للشخص الذي يرغب أن يتمتع دائماً بصحة جيدة وهي:
1- أن يتنفس جيداً.
2- أن يأكل بهدوء.
3- أن يشرب.
4- أن يتحرك.
5- أن يسترخي.
6- أن يفكر.
7- أن ينتبه بشكل صحيح.
الملاحظ من هذه النقاط السبع أهمية النظام الحركي للحفاظ على صحة جيدة، وليس معنى هذا أن ينخرط كلٌّ منا في تمارين رياضية مجهدة أو عنيفة كي نقي أنفسنا شرّ الأمراض، إنما تعني أن يمارس أحدنا رياضة سهلة كالمشي لفترة من الزمن خلال فترات حياتنا، ثمّ الانتقال إلى ممارسة تمارين رياضية تستلزم جهداً أكبر كالجري البطيء أو السريع بشكل تراعى فيه القواعد والقدرة البدنية المناسبة، خاصة لمن هم فوق الثلاثين من العمر. لهذا ارتأيت الحديث عن المشي كنشاط مناسب يستطيع أي منا أن يقوم به، ولما يمكن أن يتركه من نتائج صحية، وفق ما يؤكده اثنان من أشهر الأطباء الأمريكيين هما: "كنيث كوبر" الذي يرى "أنّ الفائدة الأساسية للمشي تكمن في أن أي كان يمكن أن يمارسه في أي وقت وأي مكان وهو لا يبدو أصلاً كتمرين وإنما كنشاط يجد فيه أولئك الذين يخجلون من لفت الأنظار أمراً مميزاً..".
وأخصائي القلب الدكتور "كولي وايت" الذي عدد مزايا المشي وفوائده باعتباره "أسهل التمارين لمعظم الأشخاص، يمكن أداؤه دون أي تجهيزات – إلا حذاء جيداً – وفي أي أرض ومناخ وفي سن متقدمة..".
رياضة المشي:
- هل وزنك زائد عن الحد؟
- هل تشعر بتعب وإرهاق وميل للنوم بعد الظهر يومياً؟
- هل تشعر بالخمول والبلادة وليس لديك الهمة لأن تتحرك أو تفعل شيئاً؟
- هل تود أن تعتني بلياقة جسمك؟
إذا كان جوابك إيجابياً فأنت تحتاج إلى العزيمة لتقوم بنشاط رياضي، وثمة أنواع كثيرة من التمرينات كالسير على الأقدام، الجري، ركوب دراجة، السباحة، نط الحبل، مشاركة الأولاد لعب الكرة وما إلى ذلك. المهم في الأمر أن تقرر ما هي الرياضة المناسبة لك، التي تشعر أنها تمتعك عند أدائها. واعلم أنّ مفتاح النجاح لأي نشاط رياضي هو الانتظام والمزاولة، فما تريد إنجازه افعله بانتظام، وحاول أن تنوّع البرنامج الذي تقوم به بين الحين والآخر كاستخدام الدراجة، نط الحبل، المشي السريع، أو تسلق الجبال من لديهم نفس الاهتمام ولو لمرة واحدة خلال الأسبوعين. وقد تبيّن أنّ كثيراً من الناس يمارسون أكثر من رياضة بحسب ما يسمح وقتهم ذلك، لأنّ الرياضي يتوسع في اهتماماته فنجد من يركض صباحاً ثمّ يسبح ثمّ يركب الدراجة مساءً ثمّ يشارك في المشي الطويل.
إنّ رياضة المشي – وإذا ما وضعناها ضمن برنامج متكامل من الالتزام والممارسة الدائمة – يمكن أن تصل بنا إلى درجة عالية من اللياقة وإلى تحسن واضح في الحالة الصحية للجسم والعقل والنفس، بناءً على ما يشير إليه المعنيون بالرياضة بقولهم: "بانتظامك في أداء التمارين الرياضية وتناول الغذاء المناسب تجد في نفسك مع مرور الوقت النتائج التالية: تبدأ عضلات بطنك وجسمك في التشكل اللائق، يتحسن مظهر قوامك بشكل عام، تزداد حيويتك ونشاطك وميلك إلى العمل والتمتع بالحياة".
ومع أنّ المشي هو من الرياضة السهلة والممكنة، يستحسن القيام ببعض الترتيبات بهدف تحقيق الفائدة المرجوة وهي:
1- أن تقوم ببعض التدريبات البسيطة للإحماء قبل أن تبدأ.
2- احرص دائماً على أن تبدأ عدوَك ببطء حتى يعتاد جسمك، وبعد مدة من التدريب يمكن زيادة سرعتك أو معدل الوقت الذي تقضيه أو المسافة التي تمشي (ابدأ بخمسمئة متر، ثمّ زد المسافة كلّ أسبوع. وقد يلزم أسابيع حتى تقطع أشواطاً طويلة: 10/ 15/ 20 كلم).
3- وأنت تعدو يفضل الهرولة (لا الجري البطيء ولا السريع الراكض لأنك تضغط حينها على عضلاتك فلا ترهقها خلال فترة قصيرة)، ثمّ إنّ العدو يتيح لك الاستمتاع بالمناظر لاسيّما إذا كنت تمشي في الطبيعة.
4- احرص على اختيار الحذاء الرياضي المناسب (ذو بطانة متوسطة الطراوة وأن يكون مرناً قابلاً للانثناء) وكلّ ما عليك عند شراء حذاء رياضي للمشي أن تطلبه من البائع للغاية ذاتها ثمّ قم بثنيه حتى تتأكد من مرونته، ذلك لأنّ ثقل الجسم عند المشي أو الركض يكون على الرجلين والركبة والكاحل، وبالتالي كلّ الضغط يكون على الحذاء، لهذا إن لم تكن مرتدياً حذاءً مناسباً فإنّه من المحتمل أن تعرض جسمك للتعب قبل الفترة الممكنة.
5- لا تمارس الرياضة وأنت ترتدي الأربطة الضاغطة (المطاطية) حول العضلات أو المفاصل، لأنّ هذه الأربطة تعوق المفاصل والعضلات عن القيام بعملها بالشكل المريح.
ورغم أنّ الناس يمشون لأسباب مختلفة: للمتعة والترويح، أو هرباً من وحدة وانعزال، أو للانتقال من مكان إلى آخر بدل الوسيلة، إلا أنّ منهم من يمشي بانتظام اعتقاداً منه بأنه تمرين جيد له فوائد جمة: يساعد على مرونة الجسم، يهدئ الأعصاب، يعزز الثقة بالنفس، يخفف من البدانة، ويؤخر ظهور الشيخوخة ويساعد على تقوية الجهاز المناعي ويقلل من احتمال الإصابة بالكآبة، ويخفض احتمالات الوفاة بأمراض القلب.
لهذا يجب أن يعي كلٌّ منا معنى النشاط والحركة في حياته اليومية، وأن يتحول هذا الفهم لقناعات بوجوب الممارسة الدائمة، إنّ اتجاهك نحو نفسك بأن تراعي "النشاط الرياضي المناسب" مسألة في غاية الأهمية من الناحية الذهنية والروحية والاجتماعية، لذا يجب أن تكون صديق نفسك وتحثها على الحركة والنشاط بدل الخمول والبلادة، فكّر باللياقة البدنية والانشراح والنجاح والحيوية التي يمكن أن يتأتى منها، لا تدع مشكلات الحياة أو ضغوطات العمل تقف حائلاً دون إقبالك على الرياضة، على الانتظام بالمشي، وعلى الحياة.
لا ترقد على مقعد وثير إذا كان بإمكانك أن تجلس معتدلاً
لا تجلس إذا كان بإمكانك أن تقف
لا تقف إذا كان في استطاعتك أن تتحرك
لا تركب إذا كان بإمكانك أن تمشي
لا تمش ببطء إذا كان بإمكانك أن تعدو
كيف يمكنك معرفة البرنامج الذي يناسبك؟
رغم أنّ الأخصائيون ينصحون بالمشي الرشيق، إلا أنّ هذه النصيحة قد تختلف من شخص لآخر ومكان وآخر، وما ينبغي الانتباه له عند أي نشاط رياضي تساؤلنا:
- كيف يمكن للنشاط المناسب أن يصبح جزءاً مكملاً لحياتي اليومية؟
- كيف يمكن أن يساعد على تحقيق غايات اللياقة؟
- كيف يمكن استخدام قواعده؟
حول ذلك يقول صاحب كتاب "قوة المشي" الرياضي البارع "ستيفن ريفرز": "لا يمكنني أن أزودك باختبار يساعدك في هذا المجال، فلكلّ فرد اهتمامات مغايرة وحاجات مختلفة، فبعض الناس (لا تستمتع بالمشي بل الركض) وبعضهم لا ينبغي أن يركضوا لأسباب طبية وهذا الأمر ينطبق على أي نشاط بدني آخر (رفع الأثقال/ ركوب دراجة/ كرة مضرب/ سباحة..) لكن من المهم الأخذ بالقاعدة التالية: لتحسين جهاز من أجهزة الجسم عليك أن تزيد عليه الأعباء، فلا تحسُّن بغير عبء.. ولدى مزاولة أي نشاط رياضي ننصح بضرورة وجود ثلاثة معايير هي:
1- الفاعلية: أي على برنامج التمارين الذي تمارسه، أن يعطي أعلى النتائج في الوقت المخصص، ولأجل أن نكون في أحسن النتائج في الوقت المخصص، ولأجل أن نكون في أحسن حال يلزم لذلك اختيار النشاط ذي الفاعلية الأعلى (مثال: إنقاص الوزن لا يتم عبر لعب الريشة كما هو الحال مع مشي القوة).
2- المردود: أي بلوغ النتيجة المرغوبة في أقصر مدة، ويتطلب ذلك فهم المبدأ الذي يقوم عليه التمرين، فطول التدريب لا يعني بالضرورة تحقيق نتائج أفضل، لذلك لا يجب موازنة الوقت المعطى مع ضرورة حصول النتائج المأمولة. (20 دقيقة في تمرين قد يعادل أحياناً ساعة في تمرين آخر أقل جهداً..).
3- الأمان: أي يجب أن لا تؤدي نشاطاً رياضياً أو بدنياً يزيد من خطر إصابتك فيه على المدى الآني أو البعيد. فالإصابة تقلل من جهودك لبلوغ اللياقة البدنية وتكرهك النشاط، وتترك لديك السأم، لهذا ينبغي عند ممارسة أي تمرين أو نشاط وجوب أدائه بعناية، من هنا ينصح الرياضيون عند كلّ رياضة "بالتحمية" أي تهيئة الجسم بحركات خفيفة ومرنة: كالانحناء/ الاستدارة/ الالتفاف/ الجذب/ الضغط وغيرها التي يمكن أن تشاهدها في تمارين "الأيروبيك".
جاء في مجلة أوروبية متخصصة أنّ الوقت المناسب لأي نشاط رياضي هو قبل أن تؤدي أفضل أعمالك، إذ أنك بعد التمارين تكون متنبهاً وأفضل قدرة على التركيز، كما ترتفع درجة حرارتك وتزيد من معدل نبضك، لهذا ينصح أكثر من باحث أن تؤدى التمارين في الفترة الصباحية بين الاستيقاظ والإفطار، كي تكون بمثابة مفتاح النشاط طوال اليوم. وفي هذا السياق ثمة توصيات رياضية يمكن أن نمارسها خلال دورة حياتنا اليومية في طريقنا إلى العمل أو الدراسة أو للتسوق منها مثلاً:
· أن تنزل وتصعد الدرج بدلاً من المصعد.
· أن تقصد مكان عملك/ جامعتك/ تسوقك مشيئاً إذا كان قريباً، أو بالقرب منه إذا كان بعياً.
· خلال ذهابك إلى مكان ما اقصده بخطوات سريعة بما يكفي لأن يجعل قلبك يخفق.
· اترك المكتب وامش حوالي 15 دقيقة يوماً بعد يوم في مكان ما قريب.
· لا تفوت أنشطة تدعى إليها في الطبيعة خلال إجازتك كرحلة صيد/ قطف موسم/ تسوية حديقة... وغيرها من الأنشطة التي تجد فيها الحيوية والنشاط المتحرك.
وكي تستفيد من نشاطك المناسب أو من أي نشاط رياضي آخر على أكمل وجه، ينصح بالإرشادات التالية:
- قم بالفحص الطبي من وقت لآخر فهو مهم قبل البدء بأي برنامج رياضي.
- تقدم ببطء: ابدأ بمستوى خفيف ثمّ زد الإجهاد تدريجياً.
- تنشط بحدود مهارتك ولا تحمّل نفسك ما لا تطيق.
- تمرن بانتظام بمعدل ثلاث مرات أسبوعياً.
- هدئ جسمك بعد التمرين وانتظر بعض الوقت ثمّ استحم بماء فاتر.
يعتبر المشي من أبسط أنواع الرياضة وأكثرها فائدة بناءً على مجمل الأبحاث التي أُجريت حوله وعن أهميته للوقاية من الأمراض النفسية والجسمية على حد سواء، لدرجة بات الأطباء اليوم يعطون مرضاهم وصفة دواء خاصة فيها: "قم بأداء تمريناتك الرياضية بانتظام، واتبع نظاماً غذائياً متوازناً وقم بعمل خيرٍ لإنسان".
الكاتب: د. مأمون طربية
المصدر: كتاب الشخص المناسب/ هل تود أن تكون الشخص المناسب في المكان المناسب؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق