◄أمر الله سبحانه عز وجل المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى، يقول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 71).
ويقول تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/ 2).
من الحقائق الإسلامية التي قام عليها الإسلام، ومن العوامل الرئيسية في تكوين الأمة الإسلامية أنّ المسلمين أخوة تجمع بينهم أصرة العقيدة والمبدأ، ووحدة الغاية والاتجاه. هذه الحقيقة التي ترجمها عملياً الرسول القائد (ص) عندما وطئت قدماه الشريفتان أرض المدينة المنورة، فكانت المؤآخاة بين المهاجرين والأنصار إحدى الركائز التي قام عليها المجتمع الإسلامي الجديد.
ومضى المسلمون على درب الرسول القائد عبر تاريخهم الطويل المجيد، يؤكدون هذا المعنى واقعاً في مواجهة التحديات والصعاب، ترعى مسيرتهم عناية الله، وتنتظمهم روح التعاون والإخاء، ويقوم بينهم الشعور بالواجب العام، والإحساس بالمسؤولية المشتركة، التي تفرض عليهم التكافل والتساند في ميادين الحياة، ولم يتقوقعوا على أنفسهم كحالنا اليوم، في انتظار معجزة تتنزل علينا من السماء، لتحقيق الأمور العملية التي نصبوا إليها، من استرداد أرضنا السليبة وتحرير الأقصى الأسير، ونجدة الأهل الأسارى...
كانوا إخوة في الله متحابين متعاونين، تسعى الجماعة للخير العام، وتكفل للفرد حقوقه. ويسعى الفرد لخير نفسه، ويحرص على صالح الجماعة.
إنّ على المسلم حقوقاً لاخوانه المسلمين، تمليها روح الاخوة، وتفرضها أهداف الحياة، وليس من الإسلام أن يعيش المسلم لنفسه، ولا يخدم الا مصالحه، فالأنانية والإنعزال عن الحياة لا تتفق مع روح المجتمع الإسلامي، الذي يقوم على الدعائم الثابتة، من الأخوة والتضامن، يؤكد هذا رسول الله (ص) بقوله: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً".
هذه هي الصلة بين المسلمين بعضهم ببعض، إنهم بناء واحد تكوّنه لبنات متماسكة، فما أقوى مجتمعاً تكوّنه تلك اللبنات!
ولتحقيق هذه الغاية الكريمة في إقامة المجتمع الإسلامي القوي المتضامن، وتقوية للروابط، فقد رغّبنا الإسلام في قضاء حوائج المسلمين، ودعانا للاهتمام بمشاكلهم، واعتبر ذلك عبادة جليلة لها أعظم الأجر عند الله. فقد روى الإمام البخاري في صحيحه أن رسول الله (ص) قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يثلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة".
فما أحوجنا إلى هذه الروح في هذا العصر، وما أحوجنا إلى ترجمة هذه التوجيهات النبوية في واقعنا الذي لا تدعو صورة العلاقات فيه للإرتياح.
ومما يؤسف له أن بعض المسلمين اليوم ممن يفهمون الإسلام فهماً سطحياً، تراهم يستزيدون من العبادات ويستكثرون من النوافل، ولكنهم لا يهتمون بأمر المسلمين ولا يساعدونهم ويحسبون أنفسهم من الصالحين المقربين، وهذا خطأ فادح وجهل فاضح.
يقول رسول الله (ص): "من مشى في حاجة أخيه وبلغ فيها، كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين".
إنّ في التعاون بين المسلمين تنمية للمجتمع الإسلامي، وتقوية لعراه، فالمسلم يعاون إخوانه المسلمين، كلاً فيما يحتاجه، أنّه مع المظلوم حتى ينتصف له، ومع الجاهل حتى يعلمه، ومع الضال حتى يرشده، ومع العاجز حتى يعينه.
انّ المسلمين جميعاً جسد واحد لا يستريح حتى يصح ويبرأ من كل داء، وصدق رسول الله (ص): "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
لقد اهتم الإسلام بتنمية العلاقات بين المسلمين، وبدأ ذلك بأقرب العلائق، وألزم الارتباطات فحث على صلة الرحم، ورعاية حقوقها، وفي هذا الشأن يقول الله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا) (الإسراء/ 26).
وحين تشيع روح التعاون والتكافل بين أبناء الأسرة الواحدة، وتربطهم رابطة المودة والمحبة، فإن ذلك يعود بالخير على المجتمع كله، وكذلك أمر الإسلام برعاية حقوق الجوار والإحسان إلى الجار القريب والبعيد "والجار ذي القربى والجار الجنُب".
وقد حرص رسول الله (ص) على تأكيده حيث قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنّه سيورّثه".
والجوار شكل من أشكال الإرتباط بين جماعة المسلمين، ولكن المؤسف حقاً أن روحاً غير طيبة أخذت تحكم سير العلاقات بين الجيران بما يحدث من منافسات ومشاكل، وانتشرت العداوات فضعفت الصلة بينهم، حتى بات الجار لا يعرف جاره، وهذا ما ينكره الإسلام.
فقد قال رسول الله (ص): "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه".
إنّ الرابطة بين المسلمين من صنع الله عزّ وجلّ، وهي رابطة مقدسة، تفرض علينا مراعاتها وتحقيقها في واقعنا، لنعيش أقوياء سعداء، إنها رابطة الأخوة الإسلامية التي تتضاءل أمامها كل أنماط الأخوة الوطنية والقومية وأخوة الدم وصدق الله العظيم (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10)، (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (الأنفال/ 63).
والتعاون على جميع الأصعدة الفردية والجماعية في جميع مجالات الحياة ضرورة كبرى، تحتمها معارك الحياة التي تدعوهم دائماً إلى التكتل والاستعداد ونبذ الخلافات، وإلى تجنب كل ما يسئ إلى العلاقات بين المسلمين.►
ارسال التعليق