• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نكبة العصر إضاعة الوقت

نكبة العصر إضاعة الوقت

◄العمر هو الفترة الزمنية التي تمضي على الإنسان منذ ولادته، فالله يهب الحياة للإنسان حتى يعيشها ويقدرها. الوقت هو أفضل هبة من الله ويجب على الإنسان أن يعرف قيمته، لأنّ الوقت يتدفق في الحياة مثل الماء من المستحيل أن نمسك به في أيدينا.. ومن هنا نفهم كم أنّ الوقت مهم وأنّ الحياة تمضي سريعاً، فكيف نقضي عمرنا وهل نعطي الوقت حقّه؟

يُعتبر الوقت جائزة قيّمة جدّاً تُعطى لبني الإنسان، فولادة الإنسان ونموه وحياته وموته كلّه في وقت محدد وليس من الممكن تقديمه أو تأخيره، إذا استغلينا الوقت جيِّداً ننتج كلّ ما هو مفيد، الحياة التي قُضيت في وقت ضائع فهي حياة لم تُعاش أبداً لا يجب أن نفكّر في الوقت القادم، بل يجب أن نفكّر في كيفية الاستفادة من الوقت الذي بين أيدينا.

معظم الناس تقضي ست ساعات في مشاهدة الفيديوهات على الفيس بوك والمراسلات على الواتساب وساعتان أمام التلفاز.

إنّنا نتمتع كلّ يوم بستّة وثمانين ألف وأربعمائة ثانية لا يمكن نقلها إلى الغد كلّ صباح، يمتلأ حسابنا ويفرغ كلّ مساء فلا عودة له! إحدى أهم مشاكلنا اليومية هي إهدار العمر القيّم الذي يعطينا إياه الله تعالى، فيقسم الله بالعصر في إشارة إلى عظمة الوقت، فيقول عزّوجلّ في سورة العصر: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر/ 1-2)، يؤكِّد عزّوجلّ في هذه الآيات على أهم النِّعَم التي يعطيها للإنسان ألا وهي الوقت؛ لكن يا للحسرة إنّنا لا نعرف قيمة وقتنا ولا نستغله كما يريد الله.

الله تعالى لم يخلق الإنسان ليضيِّع وقته ويُصبح عديم الفائدة، فكما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) (الأنبياء/ 16)، فيجب علينا أن نعرف قيمة وجودنا في الحياة، وقت الفراغ هو أكبر إسراف يحدثه الإنسان لا أدري حُكم الإسراف في الأديان الأُخرى؛ لكنّ في الإسلام الإسراف حرام، ومن ثمّ الإسراف في الوقت حرام أيضاً.

إنّنا نضيِّع الكثير من وقتنا في الأعمال العبثية في أحداثنا اليومية غير المجدية وأمام التلفاز وخاصّة على مواقع التواصل الاجتماعي «السوشال ميديا» كأنّها قد وضعتنا بين كماشاتها، حسب الإحصائيات التي أُجريت حديثاً، الوقت الذي يمضي على شبكات التواصل الاجتماعي كالفيس بوك، تويتر، واتساب، انستغرام، يوتيوب.. وإلخ يبلغ بمعدل يومي ست ساعات، فالغالبية العظمى من الناس تقضي ست ساعات في مشاهدة الفيديوهات على الفيس بوك والمراسلات على الواتساب، علاوة على ذلك يقضون أمام التلفاز ساعتين.. يعني كلّ يوم نسرق من عمرنا ثماني ساعات، بالطبع فوائد التكنولوجيا كثيرة لا تُعدّ ولا تُحصى؛ لكنّ من الواضح أنّ هناك الكثير من الأضرار إلى جانب الفوائد.

وأيضاً تشير الدراسات التي أُجريت في بريطانيا إلى أنّ النظر إلى شاشة هاتف المحمول أو التلفاز ثلاثون دقيقة عند الاستيقاظ يثبّط نشاط خلايا الدماغ التي تكون أكثر في ساعات الصباح الأُولى، حيث يأمر الدماغ الغدة النخامية فتفرز هرمونات الغدة الدرقية التي يطلق عليها - بين الأنام - «هرمون التعب»، وهذا الهرمون يجعل الإنسان في تعب مستمر والشعور الدائم بالنعاس والسبات وتشتت الذهن ومثل ذلك، هذا يعني يوم متعب وغير مجدي بالنسبة للعديد من الاشخاص.

لنفكّر لحظة! أيّام أجدادنا كانت كلّها بركة، فلماذا نحن لا نستطيع أن نجد هذه البركة الآن؟ بينما توجد أعمال كثيرة يجب قضائها نظل نقول في جزع «هذا الشهر أيضاً مرَّ سريعاً ولم أفعل شيئاً» ودائماً ما نشكو أنّه ليس لدينا من الوقت كفاية لننجز أعمالنا.

يجدر بِنَا ألا ننسى أنّ العباقرة مثل: معمار سينان، وابن سينا، والفارابي، واينشتاين الذين مازالت آثارهم باقية حتى الآن تفيد العالم كان يومهم أربعة وعشرين ساعة أيضاً، الفرق أنّهم عرفوا قيمة عمرهم المعدود وقدَّروه كما يجب، يبدو أنّ العمر الذي يعطيه الله لنا من ضمنه (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) (الشرح/ 7)، فنحن فهمنا ونفهم هذه الآية خطأ للغاية.

عندما ننظر دائما الى الخلف ولا نردد الا "يا ليت" فنحن بذلك نهدر ثوانينا ودقائقنا وأيامنا وأسابيعنا وأشهرنا هباء

يومنا الواحد على الصعيد ثروة مكونة من أربع وعشرين قطعة ذهب تُعطى لنا في كل صباح لنفكر مرة أخرى، لو أن هذا الذهب يُقاس بالساعة ويُؤخذ قطعة تلو الأخرى في كل ساعة التي تهدر منا دونما فائدة هل كنا سنضيع هذا الذهب كلّه؟ بالطبع لا، الوقت ثمين أثمن من كنوز الدنيا فهو كالطائر الذي يمكننا أن نملكه في كفنا لكن سرعان ما يطير حينها يكون من المستحيل إرجاعه.

دعونا نفكر، كم أن ثانية واحدة كانت مهمة تحول بين السائق والحادث المروري، وكم هي ثمينة دقيقة واحدة التي تمنع المسافر من سفره عندما تفوته طائرته أو سفينته، وكم أن شهر واحد كان مهم لدى الأم التي ولدت طفل خديج، و كم أن سنة واحدة كانت مهمة للطالب الذي لم يجتاز الامتحانات النهائية وبالتالي لم يتخرج من الجامعة.

عندما ننظر دائما الى الخلف ولا نردد الا "يا ليت" فنحن بذلك نهدر ثوانينا ودقائقنا وأيامنا وأسابيعنا وأشهرنا هباء، كان جدى -رحمه الله- دائما ما يقول لي "يا ابنتي" عندما تعرفين قيمة وقتك يطرح الله في عمرك البركة فتكون الدقيقة الواحدة بمثابة ساعة، الوقت الذي يقضى فارغا هو خسارة كبيرة للإنسان من جراء ذلك علينا أن نقدر كل لحظة في عمرنا ونستغلها في الاشياء التي تفيدنا .

 لو إننا نعرف قيمة هذا الكنز سنجعل حياتنا أكثر إنتاجية وبركة وفي سورة المؤمنون يرشدنا الله تعالى الى قيمة الوقت وعدم اضاعته هباء فيقول "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّماَ خَلَقْناَكُمْ عَبَثاً وإِنَّكُمْ إِلَيْناَ لاَ تُرْجَعُونَ"، فأيامنا حقلنا ما نزرعه نحصده علينا ألا ننسى أن اليوم الذي يمضي ينفص من عمرنا يوماً وكما قال الشاعر:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها

وكل يوم مضى نقص من الأجل ►

ارسال التعليق

Top